كنت أتمنى، وقد درس القادة العرب في عمان انتفاضة الأقصى والحال العراقية الكويتية، ان يدرسوا كذلك السياسة الخارجية الاميركية، او السياسات الخارجية الاميركية، او إذا شئنا الدقة عدم وجود سياسة خارجية أميركية واحدة للادارة الجديدة في واشنطن. عندنا في لبنان مثل شعبي هو: "يتعلم البيطرة بحمير النَوَر"، وجورج بوش الإبن يتعلم السياسة الخارجية فينا لأنه يستطيع ان يخطئ ويعتدي من دون ان يخشى ردود الفعل، لذلك فهو "دشّن" ولايته بالغارات الجوية على العراق، واختار انعقاد القمة لممارسة الفيتو في مجلس الأمن نيابة عن اسرائيل، في موقف أميركي منحاز لم تؤيده اي دولة اخرى على الاطلاق. وبين هذا وذاك استقبل مجرم الحرب آرييل شارون استقبالاً ودياً، ولم ير يديه الملطختين بدماء النساء والأطفال والجنود الأسرى، وإنما قال انه سيطالب أبو عمار بوقف العنف الفلسطيني. ادارة بوش ألغت حتى الآن 23 منصباً في وزارة الخارجية، بينها منسق عملية السلام في الشرق الأوسط، والمبعوثون الى قبرص والبلقان وأميركا اللاتينية وافريقيا، ومع هؤلاء، المستشارون في معاهدة منع التجارب النووية وحقوق الانسان وقضايا الطفل والديموقراطية وغيرها. وسيعاد النظر في مناصب اخرى خلال ستة أشهر. وجرى هذا البتْر تحت اسم التنسيق وتركيز المهمات، فكان ان عيِّن ريتشارد هاس مدير تخطيط السياسة في وزارة الخارجية، وأعطي اربع وظائف أساسية، فهو مسؤول عن ايرلندا الشمالية، وعن العراق، وعن الشرق الأوسط كله، وأيضاً يكتب خطابات للرئيس. ريتشارد هاس سبق ان عمل في مجلس الأمن القومي أيام بوش الأب، وهو يهودي أميركي كان على علاقة بمعهد واشنطن الموالي لاسرائيل الذي أسسه الاسترالي مارتن انديك، الا انه معتدل وجيد، ومن نوع دان كيرتز، السفير الحالي في القاهرة، لا دنيس روس وآرون ميللر، وهذا الاخير باقٍ في وزارة الخارجية من دون عمل. مع ذلك، هاس ليس سوبرمان، ولا يمكن ان ينهض بكل هذه الأعباء في شكل كامل. والادارة لن تساعده، ففي الوقت نفسه انهى الرئيس بوش دور وكالة الاستخبارات المركزية سي آي إي بين اسرائيل والفلسطينيين، وكان هذا الدور اكتسب صفة رسمية بعد مفاوضات "واي" سنة 1998، وعمل الاميركيون على نقل المعلومات بين الطرفين والتحكيم في الخلافات، واستفاد الفلسطينيون من العلاقة لأن الاميركيين استطاعوا ان يشهدوا على الاعتداءات الاسرائيلية. الرئيس بوش يريد ان يكون التفاوض بين الفلسطينيين والاسرائيليين مباشراً، وهذا جميل لولا ان الولاياتالمتحدة صنعت الوحش الاسرائيلي وزودته كل سلاح ممكن، وعززت قدرته الاقتصادية وحمته سياسياً في الأممالمتحدة وكل منبر عالمي، ثم تركته ليفاوض الفلسطينيين المحاصرين الذين لا يملكون سلاحاً. الادارة الاميركية الجديدة، كالادارة السابقة، تساعد برنامج "أرو" الاسرائيلي، وهو ينفذ بتكنولوجيا اميركية خالصة وتمويل أميركي، وتعتقد ان الصاروخ الاسرائيلي يناسب نظام الرادار "إيجيس" الذي يطوره الجيش الأميركي حالياً. مرة اخرى، الولاياتالمتحدة تبني قوة اسرائيل، وهي تهدد الفلسطينيين، ولا تكتفي بذلك بل تحاول محاصرة ايرانوالعراق، ومنعهما من بناء اسلحة دمار شامل، مع ان قدرتهما في هذا المجال محدودة، او غير أكيدة، في مقابل ثبوت امتلاك اسرائيل اسلحة دمار شامل، مع القدرة على ايصالها الى أهدافها. واطلع من الشرق الأوسط قليلاً: ادارة بوش رفضت التدخل في مقدونيا سياسياً أو أمنياً، مع ان الوضع فيها قابل للانفجار، ويهدد بتفكيك عملية السلام الدولية في البوسنة وكوسوفو. وهي اتهمت الصين بمساعدة برنامج التسلح العراقي من دون دليل، وعندما زار مسؤول صيني كبير واشنطن اهانه بوش بالحديث عن حقوق الانسان في الصين. وأوقف الرئيس الجديد الاتصالات مع كوريا الشمالية واعتبرها بلداً خطراً غير مستقر، وزاره الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي جونغ فنصحه بتغيير سياسة الانفتاح مع الشمال أوروبا رفضت هذا الموقف الأميركي من كوريا الشمالية وقررت إرسال وفد كبير اليها. وضبط الاميركيون جاسوساً اميركياً لروسيا، فطردوا 50 ديبلوماسياً روسياً، ورد الروس بطرد ديبلوماسيين أميركيين، وتحدث وزير الخارجية ايغور ايفانوف عن عودة الحرب الباردة. الادارة الجديدة تصف مواقفها هذه بأنها "واقعية جديدة" الا انها ليست كذلك والقادة العرب بحاجة الى درسها مع القضية الفلسطينية والحال العراقية، فهي مقدمة لكارثة من ناس لم يتعلموا ان درهم وقاية خير من قنطار علاج. وفي حين ان الصينوروسيا قادرتان على الدفاع عن مصالحهما، بما في ذلك الرد على نظام الصواريخ المقترح الذي قد يطلق سباق تسلح جديداً، غير ان العربي مستضعف والسياسة الاميركية تمارس ضده، وستكون أولى نتائجها الكارثية انفجاراً بين الفلسطينيين واسرائيل ومجازر "شارونية" جديدة ترغم الادارة الاميركية على التدخل.