ربما كانت السياسة الخارجية الوحيدة المعروفة عن آل غور قبل اختيار بيل كلينتون له نائباً للرئيس، وخلال ثماني سنوات له في المنصب هي انه يؤيد اسرائيل. وقد اكد غور هذه السياسة باختيار السيناتور جوزف ليبرمان، وهو صهيوني كل مواقفه في الكونغرس معادية للعرب والفلسطينيين، ليكون مرشح الديموقراطيين معه كنائب للرئيس. هذه السياسة المؤيدة لاسرائيل الى حد العداء العنصري للعرب سيثبتها مؤتمر الحزب الديموقراطي في لوس انجليس هذا الاسبوع. وقد لاحظت على هامش المؤتمر ان الرئيس كلينتون خصص خمسة ايام للمدينة يحاول خلالها "عصر" المصادر التقليدية لتأييد الحزب الديموقراطي، فهو ارتبط بخمسة مواعيد رسمية مع نقابات العمال والاميركيين من اصل اسباني هسبانك، والسود، ونجوم هوليوود، واليهود. ولا يزال كلينتون افضل من يجمع التبرعات، ففي حفلة واحدة تعطي مثلاً نموذجياً عن نشاطه، دفع الف مدعو الف دولار لحضور حفلة موسيقية معه في بيت رجل اعمال عقارية في لوس انجليس، كما دفع بعض الحاضرين 25 الف دولار لحضور عشاء مع كلينتون بعد الحفلة. وذهبت التبرعات كلها لحملة هيلاري كلينتون في نيويورك، حيث هي مرشحة الحزب الديموقراطي لمقعد في مجلس الشيوخ. على كل حال تحدثت عن غور وليبرمان مرتين في الايام الاخيرة، واريد اليوم ان اكمل بمراجعة السياسة الخارجية للمرشح الجمهوري جورج بوش، فهو يظل متقدماً في المنافسة على الرئاسة مع غور. جورج بوش الابن اختار عدداً من مستشاري ابيه المعروفين في السياسة الخارجية الا انه يصر على انه سيتبع سياسة خارجية جديدة ومستقلة. ولعل ابرز مظاهر هذه السياسة هي استعمال القوة الاميركية لخدمة المصالح الاميركية، ففريق بوش الابن يعارض التدخل في الخارج لاسباب انسانية، مثل الصومال ورواندا وسيراليون والكونغو. وهو قال في مقابلة تلفزيونية انه يجب ألا ترسل الولاياتالمتحدة قوات لوقف التطهير الاثني والمذابح، اذا لم تكن لها مصلحة استراتيجية. ولكن ربما كانت هذه السياسة غير ثابتة او مطلقة، فبوش الابن ايد التدخل في كوسوفو، من دون ان تكون لبلاده مصلحة استراتيجية كبيرة في ذلك الجزء من البلقان. وتعتبر كوندوليزا رايس، الاستاذة في جامعة ستانفورد، العقل المفكر وراء هذه السياسة. واذا فاز بوش بالرئاسة، فهي مرشحة لشغل منصب مستشار الامن القومي خلفاً لساندي بيرغر. وهي اذا فعلت فقد تكون اكثر سياساتها اثارة للجدل ليست التدخل الخارجي او عدم التدخل، بل بناء نظام دفاع صاروخي ضد الدول المارقة او الخارجة على القانون، وهو نظام يعارضه العالم اجمع، خصوصاً روسيا والصين، ولا يؤيده سوى رئيس وزراء بريطانيا توني بلير الذي يبدو "مبهوراً" بكل شيء اميركي، كما لو ان الضوء العالي لسيارة اصابه في عينيه. فريق بوش يقول ان ادارته ستمضي قدماً في بناء هذا النظام المحدود حتى اذا عجزت عن كسب تأييد دولي له، وهو موقف غريب لأن الفريق نفسه يركز على التشاور مع الحلفاء والاخذ برأيهم، وأهم من ذلك لأنه لم تعد هناك دول مارقة بحسب التعريف السابق، الذي كان خاطئاً اصلاً. وأهم الدول في هذا الموضوع بالذات هي كوريا الشمالية التي عقدت اتفاقات لاستخدام الطاقة النووية في الاغراض السلمية ووقف برامجها الصاروخية في مقابل مساعدات، والولاياتالمتحدة نفسها تقول ان كوريا الشمالية تنفذ الاتفاقات المعقودة. اما ايران فتسير حتماً في طريق الاعتدال، وكوبا لا تملك قدرة صاروخية، فلا يبقى سوى العراق، وهو محاصر منهك، ولا يمكن ان يبرز نظاماً صاروخياً جديداً يهدد بنسف معاهدة 1972. البروفسورة رايس تقول ان العالم اليوم مختلف عنه سنة 1991 او 1992 او 1993، وان الحديث عن نظام صاروخي دفاعي لا يعني تغيير كل سطر في معاهدة 1972، وانما الاتفاق مع الروس على مفهوم استراتيجي جديد. غير اننا نعرف ان الروس لم "يبلعوا" هذا الكلام، وانما يعارضون المشروع بشدة وكذلك يفعل الصينيون وغيرهم. عربياً، ربما كان اهم جانب من السياسة الخارجية "الجديدة" لبوش الابن ان مستشاريه يريدون اكمال المهمة التي امتنع عن تحمل مسؤولياتها بوش الاب، فهم يريدون اسقاط صدام حسين، ويقولون ان ادارة بوش الابن ستكون مستعدة لاتخاذ الخطوات العملية اللازمة لاسقاطه. وفريق بوش يضم مستشارين من اليهود الصهيونيين الذين لا يمكن ان تعتبر سياستهم الخارجية بريئة من غرض ضد العرب، خصوصاً امثال ريتشارد بيرل، مساعد وزير الدفاع ايام ريغان لسياسة الامن الدولي الذي احتضن ستيفن براين بعد تجميد عمله في وزارة الخارجية إثر اتهامه بنقل صور القواعد العسكرية السعودية الى وفد اسرائيلي زائر. كما ان هناك بول ولفوفيتز، وكيل وزارة الدفاع ايام الاب، وريتشارد زوليك وهو مسؤول كبير سابق في وزارتي الخزانة والخارجية. كوندوليزا رايس ليست من هؤلاء، الا ان خبرتها الاساسية في الاتحاد السوفياتي السابق، ومعرفتها بالشرق الاوسط محدودة، مع انه يقال انها تتعلم بسرعة. ويبقى ريتشارد ارميتدج، الذي نشرت له "الحياة" مقالات عدة، سبباً لبعض الاطمئنان فهو معقول معتدل، عرفه العرب كمبعوث لريغان وبوش، وهو يقول اليوم ان السياسة السابقة، ضد صدام حسين خاطئة، ويجب اسقاطه لأنه اثبت انه لم يتعلم شيئاً، وسيظل خطراً على شعبه والمنطقة. وهذا منطق لا سبيل لدفعه