ربطت واشنطن بين طرد الديبلوماسيين الروس وبين اعتقال خبير مكافحة التجسس في مكتب التحقيقات الاتحادي روبرت هانسن، الذي كان يعمل لمصلحة موسكو، لكن تزامن الأزمة مع خلافات أميركية - روسية حول ملفات ساخنة ليس آخرها تسليح إيران، يجعل الربط الأميركي غير مقنع. لا خلاف على أن اعتقال هانسن هو مفتاح الأزمة أو عنوانها، لكن تزايد عدد الجواسيس الروس في أميركا موضوع قديم، والتصريحات الأميركية تلمح إلى أن الشبكة الروسية موجودة قبل فضيحة هانسن. فلماذا تجاهلتها الإدارة الأميركية كل هذا الوقت، ولماذا يجري الآن تضخيم القضية على نحو ينذر بعودة أجواء الحرب الباردة، على رغم أن بالإمكان معاملة الجواسيس بالطريقة ذاتها التي عومل بها سفير واشنطن في تل أبيب مارتن إنديك الذي اتهم بالتورط بتسريب معلومات، ومنع من مغادرة البلاد لفترة وفرضت عليه رقابة صارمة، ثم فجأة برئ من التهمة، اعتماداً على قاعدة أن التجسس يصعب اعتباره شيئاً أكيداً؟ بوتين هو السبب. فنزوع الرئيس الروسي إلى الاستقلالية وتنفيذ وعده للروس بإعادة هيبة الدولة العظمى، ورفضه مشروع الدفاع الأميركي، وعدم اكتراثه بتوتر العلاقات مع واشنطن، وتأييده مواقف الهند والصين والعراق وإيران، كل ذلك جعل الإدارة الأميركية تغير سياستها المهادنة التي كانت سائدة أيام يلتسن، وتصعّد أزمة الجواسيس وتحولها مناسبة لإعادة تقويم علاقاتها مع موسكو، التي يسرها تكدير خاطر واشنطن ومخالفة سياستها الدولية. لا شك أن المرحلة العاصفة التي تمر بها العلاقات الروسية - الأميركية اسعدت كثيرين. بعضهم نظر إلى الأزمة كمؤشر إلى عودة مرحلة الأقطاب، وتلميع مصطلح الحرب الباردة، أو على الأقل بداية عهد قطب "المتمردين على المرحلة الأميركية". وآخرون نظروا إلى الأزمة من باب أن الإرادة السياسية كفيلة بصنع هيبة الدولة حتى مع الفقر. فروسيا في عهد يلتسن هي روسيا في عهد بوتين، ومع ذلك استطاع الأخير أن يعيد صورتها القديمة ويجعل واشنطن تتحدث عن تحذيرات و"خطوط في الرمال" بعدما كانت تهدد موسكو وتتعامل معها كأحد مصارف الإعانة الأميركية، وتنظر إليها كتمثال متصدع لإمبراطورية قديمة.