قضية ضابط "مكتب التحقيقات الاتحادي" أف بي آي روبرت هانسن المتهم بالتجسس لمصلحة موسكو، 15 عاماً، وخطة الدرع الصاروخي لوزارة الدفاع الاميركية اعادتا الاجواء بين موسكووواشنطن الى مرحلة الحرب الباردة، خصوصاً ان الضابط الاميركي أكد في احدى رسائله انه متأثر بالجاسوس الشهير كيم فيلبي. لم تعترف موسكو رسمياً بأن ضابط مكتب "التحقيقات الاتحادي" اف بي آي روبرت هانسن كان جاسوساً يعمل لمصلحتها، لكنها طلبت احتواء المضاعفات السياسية للحادث. وأكد رئيس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان ديمتري روغوزين ان واشنطن اثارت ضجة فضيحة التجسس لتصرف الانظار عن غاراتها "غير المشروعة" على العراق، فيما أشار محللون الى ان الحادث الاخير يعيد العلاقات الروسية - الاميركية الى زمان الحرب الباردة. وكشف امس عن رسالة ذكر فيها ان هانسن وجهها الى الاستخبارات الروسية قبل سنة كاملة، ووقعها باسمه الحركي "رامون غارسيا" ولام فيها الروس لعدم اكتراثهم به. وأكد انه "موال" لموسكو حتى الجنون" وليس مجنوناً كما قد يتبادر الى الذهن. وادعى انه قرر ان يصبح عميلاً للكرملين مذ كان في الرابعة عشرة من عمره، بعدما قرأ كتاباً لكيم فيلبي، اشهر جاسوس عمل لمصلحة موسكو، وتبوأ مناصب قيادية في الاستخبارات البريطانية، وهرب من بيروت الستينات. الا ان المعلومات التي كشفها رئيس مكتب التحقيقات الاتحادي لويس فريه توحي بأن هانسن لم يخدم موسكو من منطلقات عقائدية كما فعل فيلبي. بل ان الضابط الاميركي حصل من الروس على 4،1 مليون دولار منها 600 ألف نقداً و800 ألف وضعت في حساباته خارج الولاياتالمتحدة، إضافة الى حبات الماس. وبدأ هانسن حياته مع الاستخبارات السوفياتية كي جي بي اواسط الثمانينات عندما ارسل في الرابع من تشرين الاول اكتوبر 1985 رسالة غير موقعة الى عميل في الاستخبارات السوفياتية ال"كي جي بي" آنذاك يعمل في السفارة السوفياتية في واشنطن. وكتب فيها "حضرة السيد شيركاشين .. بعد بضعة ايام، سأرسل صندوقاً يحتوي على وثائق ... بعضها حساس للغاية ... واعتقد انها تستحق مبلغ مئة الف دولار مقابلاً لها". وكشف كدليل على صحة اقواله، اسماء ثلاثة جواسيس سوفيات يعملون في الولاياتالمتحدة جندتهم الاستخبارات الاميركية بدورها للعمل معها، استدعوا الى موسكو حيث اعدم اثنين منهم ويقضي الثالث محكومية طويلة. واعلن رئيس ال"اف بي آي" لويس فريه ان العملاء الروس الذين كان هانسن يتعامل معهم لم يروه ابداً كما انهم كانوا يجهلون هويته. وعمل هانسن 56 سنة في مكتب التحقيقات 27 سنة منها 15 في خدمة موسكو، ولا شك في انه قدم معلومات قيمة واعتقل خلال وضعه مغلفاً فيه وثائق سرية كي يلتقطه الروس في احدى حدائق فرجينيا، واكتشف المحققون مبلغ 50 ألف دولار في مخبأ آخر في حديقة اخرى في ارلينغتون كي يتسلمها هانسن. وفي اعتراف غير مباشر بأن هانسن كان عميلاً لموسكو، قال الناطق باسم جهاز الاستخبارات الخارجية الروسية بوريس لابوسوف ان "فضائح الجاسوسية ينبغي الا ترفع الى مستوى سياسي او تسيئ الى العلاقات بين الدول". وعلى رغم انه رفض ان يؤكد او ينفي العلاقة بين الاميركي وروسيا، ذكر ان "الاستخبارات ستبقى ما بقيت الدول". وهانسن ثاني اكبر جاسوس روسي يكشف في المدة الاخيرة. اذ يقضي الدريدج ايمز حكماً بالسجن مدى الحياة بعد ادانته بالتجسس لمصلحة موسكو. ولفت الانتباه ان مسؤولين في الاستخبارات الروسية شاركوا امس في احتفال توقيع كتاب جديد باسم "سرقوا القنبلة للسوفيات"، يتحدث عن رودلف آيل الذي يعد من اساطير التجسس، وكان عمل في المانيا الهتلرية ثم في الولاياتالمتحدة حيث اكتشف مصادفة. وتم تبادله مع ألبير باورز الذي اسقطت طائرة تجسس "يو2" قادها فوق اراضي الاتحاد السوفياتي. وفي معرض الحديث عن اسباب اعتقال هانسن، توقعت صحيفة "سيفودنيان" ان يكون اسمه ورد في وثائق سلمها الى الاميركيين سيرغي تريتياكوف الذي كان ديبلوماسياً في البعثة الروسية لدى الأممالمتحدة لكنه قرر اواخر العام الماضي البقاء في الولاياتالمتحدة مع افراد عائلته. ويتوقع ان يغدو الحادث عنصراً آخر يعكر جو العلاقات بين موسكووواشنطن. ورأى رئىس لجنة الشؤون الدولية في البرلمان الروسي ديمتري روغوزين ان الادارة الاميركية استثمرت "فضيحة تجسس روتينية" من اجل صرف الانظار عن غاراتها على العراق. وأضاف ان هناك اتفاقاً غير معلن على ان تبقى هذه الحالات طيّ الكتام الا ان الكشف عنها يأتي ضمن "لعبة سياسية" ولم يستبعد ان يكون من جو عناصر هذه اللعبة اعلان السويد واكتشاف جاسوس عمل لمصلحة روسيا. وذكر روغوزين ان تزامن الحادثين يوحي بوجود طرف يرغب في جعل العلاقات بين موسكو والغرب ضبابية.