مع تحول العاصمة الأندونيسية، جاكرتا، ساحة يومية للتظاهرات المؤيدة للرئيس عبدالرحمن وحيد والتظاهرات المضادة، يتساءل الأندونيسيون: ما الذي تغير خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة التي أمضوها من دون سوهارتو، بعدما حكم البلاد بقبضة حديد من 1968 الى 1998؟ غابت عن الأندونيسيين مشاعر الارتياح الى تحرك طلبتهم قبل ثلاثة أعوام عندما نجحوا في إخراج سوهارتو من القصر الرئاسي... إذ نقلوا على ما يبدو سلطة القمع من يده الى أيدي ملايين الشبان وعشرات المنظمات والأجهزة المتنازعة. وبدلاً من رفع لافتات الاحتجاج يرفع المتظاهرون الأندونيسيون السواطير والفؤوس تهديداً لمن يطالب بعزل وحيد. وفي المقابل يرفع معارضوه أسلحة مماثلة لغرض مضاد. وعلى رغم الأزمات السياسية التي تواجهها جاكرتا وأخطرها تقسيم أندونيسيا البلد الرابع في تعداد السكان والأول إسلامياً، والذي بدأت بوادره باستقلال تيمور الشرقية في حين تنتظر أقاليم اتشيه والمولوك وبابوانا مصيراً مماثلاً، يتصرف وحيد كأن هذه الأزمات عابرة. ويتعامل مع مساءلته في فضيحة مالية باستفزاز واضح توّجه امس بتهديده المدعي العام بالإقالة. ويرى وحيد الملقب ب"غوس دور" في التظاهرات الأخيرة نزقاً سببه نجاح الطلبة في إطاحة سوهارتو، وعدم اعتيادهم النظام الديموقراطي. فجل ما يعرفونه انهم بالتظاهر يطيحون رئيس البلاد. ويظن الرئيس الأندونيسي الدائم السفر ان الجيش الذي خذله في تيمور والحريص على المصالح الاقتصادية للبلاد لن يتجرأ على أمر مماثل في اتشيه، خصوصاً أن شركات النفط تهدد بوقف استثماراتها في الإقليم المضطرب، وبالفعل انسحبت "اكسون" الأميركية قبل أسبوع. وعليه أوقف وحيد المحادثات مع زعماء المعارضة هناك وطالب بتعزيز الوجود العسكري في اتشيه. وفي مواجهة أزمة البلاد المالية التي بدأت بانهيارات النمور الآسيوية عام 1994، رفع موازنة رحلاته الى أرقام فلكية لم يتجرأ سوهارتو على مقاربتها. وتضج الصحف الأندونيسية بانتقادات لوحيد بعدما كلفت جولته الأخيرة اكثر من 300 ألف دولار. وفي حين بلغت ديون اندونيسيا 152 بليون دولار، أو ما يوازي 99 في المئة من دخلها الوطني، لا تزال جاكرتا تعاني بلاء العنف الاقتصادي الذي ورثته من الاستعمار الهولندي. وآخر مظاهر هذا العنف سقوط أكثر من 400 شخص في إقليم كالنميتان - الجزء الأندونيسي من جزيرة بورنيو - بعد صدامات بين السكان الأصليين من قبائل الدياك والمهاجرين من المادوريين الذين وُطنوا قسراً في إطار خطط توزيع السكان على المناطق الغنية بالموارد الطبيعية لاستثمارها بيد عاملة رخيصة. ويبدو ان معرفة وحيد بالديموقراطية كمعرفة الطلبة الأندونيسيين بها. وقد أُعلن ان اعضاء حزب "نهضة العلماء" الإسلامي الذي ترأسه لأكثر من 15 عاماً، وأسسه جده، سينظمون تظاهرة في جاكرتا، مطلع الشهر المقبل، يشارك فيها ملايين المؤيدين الذين سيتقاطرون على العاصمة من جزيرة جاوه. ولا يبخل وحيد بالتذكير خلال أحاديثه ان حزبه يضم أربعين مليون منتسب. إذاً خرجت أندونيسيا من حكم الفرد ودخلت مرحلة فوضى الأفراد التي لا يبدو انها مجرد مرحلة انتقالية.