أفتى المفكر الاسلامي الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي "بأن التماثيل التي صنعها الاقدمون قبل الاسلام تمثل تراثاً تاريخياً ومادة حية من مواد التاريخ لكل امة فلا يجوز تدميرها وتحطيمها باعتبار انها محرمات او منكرات يجب تغييرها باليد" ورأى انها تماثيل الاقدمين "دلالة من نعمة الله تعالى على الامة الذي هداها للاسلام وحررها من عبادة الاصنام". وكان الداعية الاسلامي يرد على سؤال ل"الحياة" عن رأيه في قرار حركة "طالبان" ازالة كل التماثيل الاثرية التي تقود الى حقبة ما قبل الاسلام في افغانستان وبينها اكبر تمثال في العالم لبوذا واقفاً حيث قالت "طالبان" ان "الاحتفاظ بها مخالف للشريعة". وقال القرضاوي في احدث فتوى "ان للاسلام حكم معروف في اقامة التماثيل او صنع الصور المحسنة وهو التحريم الذي صمت به احاديث نبوية كثرت واستفاضت واتفق عليها علماء الامة السابقون وان اختلفوا في الصور غير المجسمة او التي لا ظل لها حسب تعبيرهم" لكنه لفت الى "ان هذا كله يتعلق بالتماثيل التي يصنعها المسلمون بعد ان منّ الله عليهم بالاسلام وعرفوا منه الحلال من الحرام" وشدد على "ان التماثيل التي صنعها الاقدمون قبل الاسلام هي تراث تاريخي". ولفت الى ان المسلمين فتحوا افغانستان منذ القرن الاول الهجري وكانت فيه هذه الاصنام ولم يفكروا في ازالتها وتدميرها وهم خير القرون من الناحية الدينية كما كانوا اعظم قوة عسكرية في العالم يومئذ، ومع ذلك وسعهم السكوت على هذه المخلفات الاثرية القديمة" ورأى "ان المهم هو تحرير العقول والانفس من عبادة غير الله تعالى". واستدل القرضاوي على فتواه قائلاً ان المسلمين فتحوا مصر في عهد عمرو بن الخطاب وفيها معابد وآثار فلم يشغل عمرو بن العاص ومن معه من الصحابة انفسهم بإزالة آثار الوثنية المصرية في المعابد بل اتجهوا الى تحرير البشر اولاً واخراجهم من عبادة العباد الى عبادة رب العباد. واضاف انه لا يكاد يخلو بلد فتحه المسلمون من بلاد الحضارات القديمة من وجود آثار جاهلية في معابده وقصوره التاريخية ومع هذا لم يهتم المسلمون الفاتحون وهم خير من اليوم بمحوها وازالتها كما يفكر بعض المسلمين اليوم. ورأى القرضاوي انه "لو كانت هذه التماثيل في افغانستان او غيرها من بلاد المسلمين تشكل خطراً عليهم في عقيدتهم ويخشى ان تفتن الناس عن عقيدة التوحيد وتردهم الى الوثنية القديمة التي حررها الاسلام منها لقلنا يجب هدم هذه التماثيل وازالتها حفاظاً على عقيدة الامة وتوحيدها لكن من المؤكد ان المسلمين اليوم في افغانستان لا ينظرون الى هذه التماثيل الا انها من آثار ابداع الاقدمين في فن النحت ونبوغهم فيه". وقال ان المصري المسلم ينظر الى تمثال رمسيس المنصوب في قلب القاهرة الى انه مجرد اثر من آثار الحضارة الفرعونية القديمة التي تفننت في صناعة هذه التماثيل ولا احسب ان هناك مصرياً واحداً ينظر الى هذا التمثال وغيره في الجيزة او الاقصر او غيرها نظرة فيها رائحة للعبادة او التقديس. وخاطب القرضاوي حركة "طالبان" عبر "الحياة" قائلاً "انصح اخواننا في حركة طالبان ان يراجعوا انفسهم من هذا القرار الذي اتخذوه لعظم خطره وبعد اثره من نواح عدة" مشيراً الى ان قرار "طالبان" "اولاً يتضمن الانكار على من سبقهم من المسلمين في افغانستان من عصر الفتح الاسلامي الى اليوم وقد كان فيهم العلماء الربانيون والرجال الصالحون ولم يزيلوا هذه الاشياء التي يريدون ازالتها اليوم وقد كانت موجودة من غير شك". ثانياً رأى القرضاوي ان قرار "طالبان" "يحرج كثيراً من اخوانهم المسلمين في اقطار شتى عندهم آثار ولم يفكروا مثل تفكيرهم ولهذا احدث قرارهم قرار تدمير الآثار في افغانستان ضجة في العالم الاسلامي كله وقوبل بدهشة واستنكار" وثالثاً ان العالم يعتبر هذه الآثار القديمة من الكنوز البشرية النفيسة التي لا تقدر قيمها ولا بمليارات بلايين الدولارات كما تعتبرها ملكاً للبشرية جمعاء ولهذا تسارع منظمة اليونيسكو بالاسهام في انقاذ ما يتعرض منها لخطر التلف او الغرق او عوامل الطبيعة او غير ذلك حماية للتراث الحضاري الانساني". وتابع "لهذا يثير هذا القرار قرار "طالبان" الخطير العالم الانساني كله ضد "طالبان" ويعتبر حركتهم خارج اطار العصر ويقود حملة تشنيع عليهم بالاضافة الى الحملات القائمة بالفعل" وقال "ان العاقل لا يفتح على نفسه باب شر يمكنه اغلاقه بشيء من الحكمة ومن هنا شرع الاسلام قاعدة "سد الذرائع" وقال تعالى في كتابه "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عَدْواً بغير علم" فنهى المسلمين عن سب الاصنام حتى لا يرد عليهم المشركون بسبّ الله تبارك وتعالى" واضاف "ان من المعروف لدى اهل العلم ان النبي صلى الله عليه وسلم ترك بناء الكعبة على قواعد ابراهيم حفاظاً على مشاعر القرشيين الذين سينكرون ذلك وهم حديثو عهد بالاسلام فترك ذلك رعاية لخواطرهم وقرر العلماء لهذا وغيره من الادلة ان المنكر لا يُزال اذا خُشي من وراء ازالته منكر اكبر منه". وقال القرضاوي انه "لا ينبغي لحكومة طالبان ان تتحدى العالم وتنفذ ما نشرته وكالات الانباء من تدمير هذه الآثار الثمينة في نظر البشرية ولفت الى "ان لدى حكومة طالبان من القضايا الخطيرة والمشكلات الكبيرة التي تتطلب الحل والعلاج الناجز الكثير الكثير فأولى بها ثم اولى ان تجعل اكبر همها في علاج هذه المشاكل وتوفير الطعام لكل جائع والكساء لكل عار والايواء لكل مشرد والدواء لكل مريض والعمل لكل عاطل والتعليم لكل جاهل والامن لكل خائف وان تعمل على وقف نزيف الدماء الذي لا يزال يسيل الى اليوم بين ابناء افغانستان الحبيبة". وشدد على "ان هذا هو ما انصح به اخواننا المشايخ في حركة طالبان ان يهتموا به اليوم ويجعلونه شغلهم الشاغل ويدعوا هذا الذي فكّروا فيه او قرروه - او على الاقل - يؤجلوه الى وقت لاحق يدعون فيه مؤتمر علمي اسلامي عالمي يمثل علماء الامة وهو الذي يقرر هذا الامر الخطير بدل ان يتحملوا مسؤوليته وحدهم وأسأل الله ان ينير بصائرهم ويهديهم وإيانا الى التي هي أقوم".