خطت حركة "طالبان" الأفغانية خطوة جديدة اثارت ردود فعل دولية واسعة، بقرارها تدمير كل التماثيل التاريخية وعلى رأسها اكبر تمثال لبوذا في افغانستان وأقدمه. راجع ص8 ولم يستجب رئيس الحركة الملا عمر أياً من المناشدات العالمية مؤكداً ان الحركة تطبّق الشريعة الاسلامية، وهو ما ترجمته سابقاً إقفالا لمدارس البنات، وتسريحاً لجميع النساء العاملات في الدوائر الرسمية، واقفالا لمحطة التلفزيون. وبدورها قورنت الخطوة ب"الهوس التدميري" الذي ساد "الثورة الثقافية" الصينية، فيما لفت نظر المراقبين بيان للتحالف المناهض للحركة شمالاً، أكد ان تدمير التماثيل يهدف الى التغطية على عمليات واسعة لتهريب الآثار الى الخارج. وأفاد بيان صادر عن السفارة الافغانية في طهران التابعة للرئيس المخلوع برهان الدين رباني أن "الكل يعلم فساد قادة طالبان وتورطهم في شبكات تهريب القطع الأثرية". ولا شك في ان خطوة "طالبان" تؤلّب ضدها دولاً معنية مباشرة بذلك، مثل الهند وسري لانكا وتايلندا وغيرها، باعتبار ان التدمير يطاول تمثال بوذا في باميان وسط افغانستان وهو الاكبر من نوعه، اضافة الى معالم بوذية اخرى لا تُقدّر بثمن وتُعدّ إرثا تاريخيا وحضاريا. وقوبل القرار باستنكار عالمي. وكانت ايران دانت تدمير تماثيل بوذا، ودعت رئيس منظمة "يونيسكو" الياباني كويشيرو ماتسورا الى نقل "احتجاج العالم من أجل حماية هذه الآثار العظيمة". وبدورها دعت "يونيسكو" طالبان الى التخلي عن القرار. وفي القاهرة استغرب مفتي مصر الدكتور نصر فريد واصل إعلان حركة "طالبان" ازالة كل التماثيل الأثرية التي تعود الى حقبة ما قبل الاسلام، وقال ل"الحياة" إنها "مجرد تسجيل للتاريخ وليس لها أي تأثير سلبي على عقيدة المسلمين". وقارن واصل بين التماثيل الموجودة في افغانستان والآثار الفرعونية في مصر، مؤكداً أن الإبقاء عليها "ليس حراماً، خصوصاً أنها تدر مصالح اقتصادية للبلد الاسلامي من خلال تنشيط السياحة فيه". وأشار واصل الى ما ذكره القرآن الكريم من قصص الأولين ومنهم مشركون "لكي نتخذ منهم العبرة والعظة"، مضيفاً أن هذه القصص باقية ومعروفة على رغم غياب أصحابها المشركين منذ آلاف السنين. وتابع: "قياساً عليه فإن الآثار اذا كانت تدخل تحت مبدأ "تلك آثارهم تدل عليهم" فلا مانع شرعاً من الإبقاء عليها ولا يجوز الأخذ بظواهر النصوص". ولاحظ واصل أنها كانت موجودة في كل العصور السابقة على دخول الاسلام أفغانستان ثم استمرت ولم يحطمها أحد من حكام أفغانستان الاسلامية لأنهم لم يروا فيها ضرراً على عقيدة المسلمين، وإنما هي مجرد آثار. وتساءل: "ألم يكن يحكم افغانستان طوال القرون العشرة الماضية مسلمون حتى جاءت حركة طالبان؟!". وأضاف واصل: "اذا كان هناك من البوذيين من يعبد تلك التماثيل البوذية ويُخشى أن يؤثر ذلك على عقيدة المسلمين أو يقوي جانب غير المسلمين عليهم، جازت ازالتها". لكنه اشترط أن يتأكد هذا الضرر على العقيدة من قبل علماء الاسلام الثقات في افغانستان نفسها "لأنهم هم الذين يعايشون المشكلة وهم الأقدر على علاجها. وبعد التأكد من أن الدستور يحمي الطوائف الدينية هناك ويمنحها حريتها الدينية تأسيساً على قاعدة: لا ضرر ولا ضرار". ونوّه واصل برأي طهران في المسألة ورأى أن ايران دولة اسلامية متمسكة بدينها، ولو كانت ترى أن هذه التماثيل خطر على عقيدة المسلمين ما وقفت هذا الموقف المؤيد لبقائها باعتبارها آثاراً انسانية ليس لها أي تأثير على عقيدة المسلمين هناك. ورجّح هذا الرأي "ما لم يكن الواقع في افغانستان غير ذلك"، داعياً طالبان الى عدم اتخاذ مواقف غير مدروسة لأنها بذلك تسيء الى الإسلام. كما دعا الحركة إلى "التأنّي وسؤال أهل الاختصاص والمشورة من دون تعصب أو تسرع". واستطراداً أكد رفضه أي مساس بالآثار الفرعونية لأن فيها فائدة سياحية لمصر، وأي مساس بها يؤثر سلباً على الاقتصاد. وأشار واصل إلى أن كل مصري يعلم أن الآثار الفرعونية قديمة وليس لها أي قداسة الآن في نفوس المصريين، وإنما هي تسجيل للتاريخ فقط، مضيفاً أنه لم ير مصرياً مسلماً تأثرت عقيدته بتلك التماثيل أو اتجه بالعبادة إليها. وفي الدوحة صرّح الشيخ يوسف القرضاوي إلى "الحياة": "ان التماثيل التي صنعها الاقدمون قبل الاسلام تراث تاريخي"، مشيراً الى ان المسلمين "فتحوا افغانستان منذ القرن الاول الهجري، وكانت فيه هذه التماثيل، ولم يفكروا في ازالتها وتدميرها". وخاطب "طالبان": "انصح اخواننا في حركة طالبان بان يراجعوا انفسهم في هذا القرار الذي اتخذوه لعظم خطره. وبُعد اثره من نواح عدة" رأي الشيخ القرضاوي ص 8. وفي القاهرة قال الدكتور صبري عبدالرؤوف، رئيس قسم الدراسات الاسلامية في جامعة الازهر ل"الحياة" ان التماثيل التي تصنع من اجل العبادة او التعظيم تكون محرّمة لأنها لا تتفق وتعاليم الاسلام، اما التماثيل غير المعظمة فلا تكون محرمة.