مع اقتراب موعد الدورة الثانية للانتخابات البلدية بعد غد الأحد تطغى على أوساط المرشحين اليمينيين واليساريين حال من القلق والتوتر بسبب غموض النتائج المرتقبة. فالدورة الأولى الأحد الماضي لم تسمح لأي من القوتين، بترجيح كفتها، وأدت الى تقدم غير حاسم لليسار ولم تسفر عن الانهيار الذي كان متوقعاً لليمين. وفي ضوء هذه النتائج، بدا لكلا الطرفين ان السيطرة على باريس لا تزال ممكنة، إذا عرف كيف يعدل لوائحه بما يؤدي الى تعزيزها في الدوائر المختلفة. وبالفعل نجح مرشح اليسار الى رئاسة بلدية باريس برتران دولانويه، الذي أحرزت لوائحه 32 في المئة من الأصوات، في الاتفاق مع مرشح انصار البيئة الخضر، أيف كونتاسو الذي حازت لوائحه 5،12 في المئة، لخوض الدورة الانتخابية الثانية بلوائح موحدة. وفي المقابل، اتسمت حال اليمين بالتعقيد خصوصاً أنه خاض انتخابات باريس منقسماً، ووزعت أصوات قواعده على لائحتي المرشح الرسمي فيليب سيغان والمرشح المتمرد رئيس البلدية الحالي جان تيبيري. وبادر تيبيري، عقب الدورة الأولى التي أظهرت تماسكاً في صفوف مؤيديه، وقد بلغت نسبتهم 5،12 في المئة، بالدعوة الى دمج لوائحه وتوحيدها مع لوائح سيغان باعتبار ان ذلك هو السبيل الوحيد لتجنب الهزيمة في الدورة الثانية، ومنع اليسار من وضع يده على المعقل اليميني التقليدي المتمثل في بلدية باريس. واعتبر تيبيري ان نسبة الأصوات التي أحرزها تمكنه من طرح نفسه حليفاً حتمياً للوائح اليمين الرسمي، وتحقق له نوعاً من الانتقام الشخصي من أسرته السياسية وحزبه "التجمع من أجل الجمهورية" الديغولي، بعد الازدراء الذي لقيه منه، وبلغ حد فصله من الحزب لإصراره على ترشيح نفسه. لكن سيغان الذي تعمد طوال حملته الانتخابية إبراز تميزه عن تيبيري، وتقديم نفسه بصفته مرشح القطيعة مع رئيس بلدية باريس والأساليب التي يعتمدها وأدت الى الزج باسمه واسم أفراد عائلته في الكثير من قضايا الفساد، رأى الأمور بطريقة مختلفة. وستضع عودته الى التحالف مع تيبيري في تناقض مع مجمل ما قاله وتعهده في الحملة الانتخابية، وتقضي على الجهد، ولو المتواضع، الذي بذله لتأسيس توجه جديد. ويرى سيغان ان على تيبيري، إذا كان يحرص فعلاً على تفويت فرصة سيطرة اليسار على العاصمة، أن يسحب مرشحيه من تسع من دوائرها، لتكون المنافسة في الدورة الثانية محصورة بمرشحي اليمين الرسمي واليسار. وأصر على هذا الموقف على رغم الصفقة التي تلقاها من جراء النتيجة الهزيلة التي أحرزها شخصياً في الدائرة ال18، في مواجهة منافسه اليساري وزير الداخلية دانيال فايان اقتصرت نسبة الأصوات التي حصل عليها على 18 في المئة. وبقي سيغان متمسكاً بهذا الموقف على رغم تلقيه صفعة ثانية جاءته هذه المرة على لسان رئيسة حزب التجمع ميشال اليو - ماري التي دعت عقب لقاء عقدته مع الرئيس جاك شيراك في قصر الإليزيه الثلثاء الماضي سيغان وتيبيري الى العمل معاً "من أجل التوصل الى صيغ الوحدة المناسبة" لتأمين فوز اليمين في انتخابات الأحد المقبل. وفي النتيجة، تبادل مرشحو سيغان وتيبيري انسحابات محدودة في ثلاث دوائر باريسية، بعيداً من أي اتفاق كامل. وبذلك تتوزع صورة الدوائر الباريسية العشرين، على النحو الآتي جاءت نتائجها في الدورة الأولى مؤاتية لليسار، وخمس مؤاتية لليمين، فيما كانت الدوائر الست المتبقية مبهمة. ويقتضي الفوز برئاسة بلدية باريس، السيطرة على 82 مقعداً من أصل 163 تشكل المجلس البلدي، المنبثق من اعضاء المجالس البلدية في الدوائر المختلفة، الذين يختلف عددهم باختلاف عدد سكان الدوائر.