تعد عُمان من الدول النادرة على المستوى الجيولوجي. ونظمت جامعة السلطان قابوس مؤتمراً علمياً كبيراً شارك فيه علماء من 39 دولة قدموا 200 بحث خلال خمسة أيام، وخرج بنتائج علمية كبيرة كونه قدم الى العلماء منفذاً لدراسة جيولوجيا مفتوحة وواضحة، والى عمان كشفاً علمياً يحقق مردوداً بحثياً واقتصادياً. ولمعرفة تفاصيل اكثر عن المؤتمر وعن جيولوجية عمان، التقت "الحياة" الدكتور سمير حنا من جامعة قابوس، البريطاني الجنسية، والذي حقق اكتشافات عدة خلال مسيرة عمله في السلطنة، منها اثبات وجود الديناصور ووحيد القرن فيها، وله كتابان عنها هما : كهوف عمان وجيولوجية عمان. لماذا هذا المؤتمر، وما المقومات التي تستدعي احتضان عمان مثله؟ - عمان متميزة جيولوجياً بصخور الأفيوليت التي تكون في قاع المحيطات، ومن الصعب الوصول اليها الا بحفر آبار، كلفته باهظة جداً. وفيها كميات كبيرة منها على امتداد مئات الكيلومترات وعرض عشرات الكيلومترات وسماكتها نحو 15 كيلومتراً. فكل الجيولوجيين من أنحاء العالم جاءوا لمشاهدة هذه الصخور تحديداً، وكذلك الصخور المختلفة عن كل ما على وجه الأرض: القارية والبركانية والمترسبة في أعماق البحار والمترسبة في المناطق الضحلة والمحتوية النفط أوالمعادن. نظمت الجامعة عام 1990 مؤتمراً متخصصاً عن الافيوليت، وهذا العام جاء المؤتمر ليشمل كل جيولوجية عمان. قمنا بثماني رحلات قبل المؤتمر وبسبع بعده. ثمة علماء مشاركون أجروا ابحاثاً على الافيوليت في منطقة سايبروس في اليونان، ورأوا وجوب التعرف الى الافيوليت العماني. وأثناء الرحلة أشاروا إلى أهمية البحث عن معادن أخرى، استناداً الى تجربتهم اليونانية. من هنا كانت الافادة واعطونا افكاراً جيدة جداً لتطوير طرق البحث لدينا. فوضوح جيولوجية عمان، على عكس جيولوجيات العالم المغطاة عموماً، حفزت العلماء على رؤيتها ومعاينة متغيراتها. ومنهم من وعد بالعودة للدراسة والبحث، باعتبار عمان جنة علمية جيولوجية وكان من ابرز اهداف المؤتمر السياحة العلمية التي تحقق الاتجاه العماني الى جذب سياحة كيفية لا كمية . إلام تعزو هذا التنوع في جيولوجيا عمان وهذا الثراء الذي تمتاز به؟ - موقع عمان الجغرافي مهم جداً، إذ تقع في شمال شرقي الجزيرة العربية ويحوطها ثلاثة بحار هي: خليج عمان الذي كان محيطاً كبيراً جداً يسمى التيبز وانفلق لتندفع الصخور المحيطية فيه نحو عمان" ومن الشرق بحر العرب والمحيط الهندي، وتحركت الهند مبتعدة من افريقيا وبالتحديد من مدغشقر لتصل الى حيث هي اليوم، بسبب جبال الهملايا التي اثرت اثناء زحفها في جيوليوجية عمان. كيف افادت عمان من التطور العلمي على المستوى الجيولوجي؟ - نستخدم صور الاقمار الاصطناعية او الاستشعار عن بعد في وضع خرائط جيولوجية وخرائط وزارة التجارة والصناعة. وكان هدف المؤتمر الجيولوجي الاخير معرفة المدى الذي وصل اليه علماء الجيولوجيا في ابحاثهم الدقيقة عن المياه الجوفية والمعادن والنفط. ففي عمان، يمكن عالم الجيولوجيا ان يسير ساعة من الزمن وسط مئة مليون سنة من تاريخ جيولوجية الارض. ما ابرز ما خرج به المؤتمر من نتائج وتوصيات سيكون لها مردود كبير على مستوى البحث العلمي في عمان ؟ - ثمة نتائج تبشر بوجود معادن في بعض المناطق مثل البليديوم الموجود في بعض صخور عمان، وهو الأغلى في السوق وسعره ثلاثة اضعاف سعر الذهب، ولكن لا نستطيع ان نحدد هل هو موجود بكمية اقتصادية ام لا، إذ لم تتم الدراسة النهائية بعد. وإذا ثبت وجوده بكمية اقتصادية فسيرتد ايجاباً على اقتصاد عمان. اذاً هناك مستقبل افضل للبحوث ودراسات اعمق للجيولوجية العمانية، بما يحقق ثراء افضل في المستقبل؟ - من دون شك، ووضعنا النقاط على نتيجة الابحاث التي عرضت والمناقشات، واذا كانت هناك افكار متباينة عن منطقة معينة فسنذهب اليها لدراستها اكثر. اشارت بحوث الى وجود كميات هائلة من المياه الجوفية في عمان، منها وأهمها ما قدمه الدكتور فاروق الباز، فما الجديد في ذلك؟ - يعتقد الدكتور الباز، من خلال خبرته ورؤيته صور الاستشعار عن بعد ان سلاسل عمان الشمالية تحتفظ بكمية من الامطار التي تسقط على السفوح العليا وتتجه الى المناطق الساحلية، ومنها ما يفقد في الاودية ومنها ما يتجه جنوباً، ومنها ما يتبخر. الا ان تكرار الامر منذ آلاف السنين خزن مياهاً. وننتظر الدراسة العلمية لحسم الموضوع. ما تصورك لمستقبل علم الجيولوجيا في الجامعة؟ وهل تتم هذه البحوث والدراسات بوجود اكاديميين عرب واجانب، ومن ثم ينقطع التواصل؟ - هذه نقطة مهمة جداً. فعندما نباشر مشروعاً، لا بد من مشاركة الطلبة فيه. وثمة من قدموا دراسات لنيل الماجستير او الدكتوراه، اشتغلوا على عمان ووضعنا هذا في اعتبارنا، لأننا ضيوف. وهناك خطة متكاملة لاشراك الباحثين العمانيين في كل الدراسات الخاصة بجيولوجيا السلطنة، حتى يندمجوا معنا ويكتسبوا الخبرة، وبينهم خامات ممتازة جداً، ومنهم من يجري ابحاثاً في جامعة كورنيل في الولاياتالمتحدة، ومنهم من قُبل في جامعتي اكسفورد وكامبردج. الى صور الأقمار الاصطناعية والاستشعار عن بعد، كيف يمكن تدريب الطلبة على الاكتشاف الجيولوجي؟ - بالابحاث الفردية او الجماعية التي تتم لنيل الماجستير او الدكتوراه. وبدأنا في القسم بطرح شهادة الماجستير في المياه الجوفية وهناك تسعة عمانيين يعملون على هذا الموضوع. وللمرة الاولى ستظهر تسعة ابحاث العام المقبل، بعدها ماجستير في جيولوجيا النفط. خلال عملك في الجامعة، ما ابرز الاكتشافات في مجال الجيولوجيا، وخصوصاً الكهوف؟ - بالنسبة الى الكهوف، كلمة اكتشاف غير دقيقة. اكبر كهف او حفرة في العالم اكثر من 325 مليون متر مكعب موجود في صلالة جنوبعمان. كان الاهالي يسوقون ابقارهم لسقيها، فتبعناهم في بحوثنا حتى وصلنا الى القاع واظهرنا مقومات المكان. التقطنا الصور الجوية والاستشعار عن بعد وحددنا قياسات وكبرناها ورسمنا خريطة جيولوجية وأخرى طوبوغرافية، فاكتشفنا اكبر كهف في العالم ، اذ أن اي كهف آخر في العالم لا يزيد عن 200 مليون متر مكعب. هل تدلنا الاقمار الاصطناعية الى كهوف اخرى مستقبلاً ، لنثري ما يسمى بالسياحة العلمية؟ - استخدمنا الصور الاصطناعية في كهف ضيق. أما باقي الكهوف فلم تتمكن الاقمار من رؤيتها لأنها ضيقة ومغطاة. وساعدتنا صور الاستشعار عن بعد في اشياء كثيرة، منها ان في الامكان تحديد انواع الصخور والتغيرات فيها. وهذه طريقة نعلمها للطلبة، لكننا في القسم نعمل على ان يخرج الطالب بنفسه الى الموقع ويستخدم اقل أدوات ممكنة ليتعلم رسم خريطة جيولوجية في الحقل ويقيس بيديه تفاصيل المكان ويطبق التصورات التي تعلمها نظرياً.