مفاوضات السلام العربي - الاسرائيلي أغرقتنا منذ أوسلو بمفردات يطلقها الأقوياء عادة تستحق جمعاً في قاموس، فلعلها تساعد في تتبع وفهم الطرف الآخر الذي استعصى علينا سبر غور عقليته حتى الوهلة. فوضع تلك المفردات مرتبة بظرفها الزمني أمام محللين سياسيين يجعلنا إزاء رواية فصول أقرب الى سلسلة تحمل ترتيباً معيناً وربما منطقياً، ما يوحي أن اطلاقها من قبل الطرف الآخر بين حين وحين لم يكن جزافاً بل خاضعاً لمنطق مرتكز على أبعاد نفسية، بغية احراز اغراض محددة. وبالطبع فالمفاوض العربي يأخذ تلك المفردة في وقتها كما هي من دون اخضاعها لاستقراء وتحليل واستنتاج لكشف صلتها بما سبق من مفردات، فتبدو أمامه الصورة مبتورة ويبقى بدوره عاجزاً عن رد فعل مماثل من التخطيط، فحسن النيات مفهوم لا مكان له في وحل السياسة. استهلت مفاوضات أوسلو اعلان المصطلح الأول في سلسلة المصطلحات وكان من أربع مفردات "مبدأ الأرض مقابل السلام"، وتوالت مصطلحات من كل شاكلة ولون بعد ذاك مثل "آخر فرصة"، "ساعة الصفر"، "لن يحصل أي طرف على ما يريد 100 في المئة، "تضييق الهوة بين الطرفين" "أزمة المياه"، "تعليق المفاوضات"، "اللاءات الأربع"، "الخطوط الحمر"، "عودة اللاجئين"، "التطبيع"، "مسير السلامة في كارثة"، "القدس عاصمة أبدية لإسرائيل"، "مسارات التفاوض"، "تعليق المسار السوري"، "13 في المئة من الأرض"، "المفاوضات الثنائية"، وهلم جرا. ومن أكثر المفردات طرافة في هذا المسلسل اللانهائي بالطبع: "اتفاق قليلاً قبل النهائي" تعبيراً عن سير مفاوضات كامب ديفيد 2. وعلى أن ذلك المصطلح من النوع "الكروي"، نسبة الى كرة القدم، إلا أنه من ضرب "المضحك المبكي" فمفردة "قليلاً" أقحمت بشكل مضحك ليس من قبيل النكتة فحسب، بل على "الذقون"، حيث تدل الى كمية غير محددة كونها نسبية فقد يكون ذلك القليل "كثيراً" في دالة الزمن اذا ما ارتبط بالسنوات العشر الخوالي من المفاوضات. أما الجانب المبكي، وما أكثر بكائيات العرب في وقتنا، فهو ذلك الازدراء الذي يلقونه في المفاوضات من تمطيط لها فتبدو كأنها في حكم اللامنتهي في حين لا يحصل العرب على شيء، لا أرض ولا سلام ولا مياه ولا عودة للاجئين ولا قدس، فمضيّ عقد على المفاوضات لم يحقق، ولو جزءاً من كل ذلك، فالعتب على ذلك "القليل" ليس إلا. وفي تزايد المصطلحات وتواليها علينا الدفع باتجاه جمع سائر المفردات "السلامية" ورصدها ثم حفظها في قاموس "للتاريخ"، على رغم ان ذلك القاموس، على ما تبدى حتى الآن، سيكون في مجلدات تسلسلية، في ظل المضي قدماً في سنوات المفاوضات اللامنتهية. فحفظاً للأجيال القادمة ولكي يحملوا من جهتهم راية إكمال مسيرة المفاوضات ومفرداته في عقود مقبلة، علينا البدء وجه السرعة بتبني إصدار أول مجلدات ذاك القاموس الذي ربما يليق به مسمى: "مفردات المفاوضات الأبدية بين اسرائيل والبلاد العربية". * كاتب سعودي.