قرأنا ونحن صغار بطولات عنتر وأبو زيد الهلالي وعرفنا قصة داحس والغبراء، وشرح لنا أستاذ التاريخ ماذا تعني "وامعتصماه". وتكررت على مسامعنا في الصغر كلمات غريبة عن مفردات لهجة قريتنا القدس، هيكل سليمان، فلسطين، اليهود، الصهيونية، الاستعمار، وعد بلفور، بن غوريون، احتلال، مستوطنات، نازحين، لاجئين، قرار التقسيم، وعدم القبول بقرار التقسيم. زار قريتنا في يوم بارد وممطر غريب ملابسه ممزقة وتختلف عن ما يلبسه أهل القرية، يدور في طرقات القرية يصيح بين الفينة والفينة "مصلح الأتاريك والدوافير" يبكي أحياناً يرفع صوته ويلوح بيده "طردونا وأخذوا أرضنا وبيوتنا" سأله أحدنا عن قريته أجاب بحدة: أنا فلسطيني من دير ياسين!. حفظونا في المدرسة الكثير من الأناشيد كبلاد العرب أوطاني من الشام لبغدادي ومن نجد الى يمنٍ. غنى عبدالوهاب وسمعنا في صغرنا صوت أم كلثوم وغنى للأمة العربية فريد الأطرش، ليلى مراد، صباح، أسمهان. طلب المدرس منا التبرع لتحرير فلسطين. وكتبنا في حصة التعبير عن قبة الصخرة والبراق والإسراء والمعراج. زار قريتنا ابن مصلح "الأتاريك والدوافير" أخبرنا باستشهاد والده في الحرب. سمعنا في الراديو أحمد سعيد يوصف الحرب في 1967 .... ودرسنا في التاريخ تأسيس الجامعة العربية وأهدافها في توحيد الأمة العربية. تكرر انعقاد مؤتمرات القمة وكثر الكلام عن العدو الصهيوني وتوسع قاموس المصطلحات والشعارات السياسية ولاءات الخرطوم وحرب 1973 وسلاح البترول والعبور وخط بارليف والثغرة والجسر الجوي الأميركي ونيكسون واللوبي الصهيوني ومائير وموشي ديان وفصل القوات والشجب والاستنكار والعدو الصهيوني العنصري والبترودولار. تغيرت الأمور وأخذنا نسمع تكرار الأرقام 242، 338 ومصطلحات جديدة، زيارة السادات للقدس، كامب ديفيد، مدريد، جنوبلبنان، حرب الخليج الأولى، قصف المفاعل النووي العراقي، صبرا وشتيلا، جيش لبنانالجنوبي، صدام الحضارات، حرب الخليج الثانية، عاصفة الصحراء، ثعلب الصحراء، أوسلو، وادي عربة، التطرف الاسلامي والارهاب، قانا، التطبيع، الهرولة، اتفاق واي، العولمة، نتانياهو، الأمن الاسرائيلي، أربع لاءات اسرائيلية، ويهودا باراك وجاء الفرج: القدس عاصمة اسرائيل الأبدية، اللاجئون يبقون في الدول المستضيفة، ودعم أميركي وصفقة طائرات و... الى أين نحن متجهون؟ لم تتحرر فلسطين وتفرق العرب وتوصلوا الى أن السبب في النكبات والنكسات المتتالية عدم وصول الصوت العربي الى الآخر لشرح القضية. انشاء قنوات فضائية لحل هذه المشكلة ومنافسة السيطرة الصهيونية على الإعلام. وانطلق بث الانجازات العربية في الرياضة والأغاني العربية بالموسيقى الغربية والرقص والأزياء. ربما سيصل الصوت العربي بعد هدم البيت العربي من الداخل بمظاهر العولمة. ويا هلا بالرأي المعاكس والآخر. القدس لنا... وسنرجع يوماً الى حينا أو سنفقده للأبد. جدة - علي بن أحمد الرباعي