} يرى محللون للشؤون الحزبية في إسرائيل أن زعيم ليكود جاد في قوله انه سيسعى الى تشكيل حكومة "وحدة وطنية" بمشاركة حزب "العمل" الذي يتزعمه ايهود باراك، لأنه يعي جيداً أن حكومة كهذه أفضل له من حكومة يمينية ضيقة لن يطول عمرها كثيراً. لكن الواضح أن تشكيل حكومة وحدة ليس رهناً برغبته فقط، إنما بما سيدور داخل حزب "العمل" غداة هزيمة باراك المتوقعة. وعليه، فالسيناريوهات متعددة ويصعب حصرها ازاء "الميوعة" التي تميز الحال السياسية في إسرائيل، خصوصاً في ظل كنيست منقسمة على نفسها، فيما تتهدد حالات انقسام أخرى عدداً من كتله البرلمانية. بات واضحاً أن المهاتفة الأولى التي سيجريها مرشح اليمين ارييل شارون، فور إعلان فوزه في الانتخابات، ستكون مع ايهود باراك ليدعوه إلى الانضمام إلى حكومة برئاسته. والواضح أن شارون لن ينتظر حتى اليوم الأخير من الموعد القانوني لتشكيل الحكومة 45 يوماً بعد الإعلان الرسمي عن فوزه، أي في النصف الثاني من آذار مارس المقبل، إذ يتحتم عليه أن يقدم للكنسيت مشروع الموازنة لسنة 2001 لإقراره قبل نهاية الشهر المقبل ليتحاشى الذهاب إلى انتخابات عامة، حسب ما ينص عليه القانون الإسرائيلي. ومن المتوقع أن يمهل شارون حزب "العمل" أياماً فقط للرد على اقتراحه الانضمام لحكومته، وإذا ما تبين له أن "العمل" غير جاهز لذلك، فإنه سيتجه نحو تشكيل حكومة يمينية ضيقة ذات برنامج سياسي متطرف لإرضاء شركائه من "الاتحاد القومي" و"إسرائيل بيتنا". ولا تبدو مهمة شارون سهلة ازاء التركيبة المعقدة للكنسيت الحالية، وقد ينجح في تشكيل ائتلاف يدعمه نواب كتل اليمين وعددهم 58 نائباً، لكنه سيواجه معارضة تتشكل من "العمل" والنواب العرب وحركات اليسار وحزب "شينوي" 75 نائباً، علما أن الأخير لن ينضم إلى حكومته لمعارضته المبدئية دخول حكومة يجلس فيها المتدينون المتزمتون شاس ويهدوت هتوراه. وازاء هذه الحال، سيسعى شارون إلى اقناع ديفيد ليفي وشقيقه ودان مريدور وروني ميلو، الذين كانوا جزءاً من ائتلاف باراك في أول طريقه، بالانضمام لحكومته مقابل منحهم حقائب وزارية ذات شأن. وذكر اسم مريدور مرشحاً لحقيبة الخارجية أو الأمن. وفي هذه الحال، فإن المتدينين من الاصوليين أو أنصار المستوطنين، سيتبوَّأون مناصب رفيعة في حكومة كهذه، لكنها لن تكون خالية من صراعات داخلية بين الاصوليين ونواب حركة "إسرائيل بعلياه" العلمانية التي تمثل قطاعات واسعة من "رابطة الدول المستقلة". ولفت بعض المراقبين السياسيين إلى أن "ليكود" سيكون الحزب الأكثر اعتدالاً في حكومة ضيقة كهذه. ويعترف أقطاب "ليكود" أنفسهم أن حكومة كهذه لن يكتب لها العمر المديد، لا بل أن عمرها سيكون الأقصر في تاريخ حكومات إسرائيل، ومن هنا تأييدهم مساعي شارون تشكيل حكومة وحدة يكون "العمل" قطباً مركزياً فيها، خصوصاً أنه الكتلة البرلمانية الأكبر في الكنيست 26 نائباً. لكن إمكان تشكيل حكومة وحدة رهن بقرار حزب العمل وما سيشهده غداة الهزيمة. والواضح أن تنحي باراك عن زعامة الحزب، سواء اعتزل بمحض إرادته أو اطيح به، سيسدل الستار سريعاً على محاولات شارون. إذ يتوقع أن يخلف باراك أحد أقطاب الحزب اليساريين الذي سيرفض الدخول في حكومة من المتوقع أن تعلن رفضها لما توصل إليه باراك في مفاوضاته مع الفلسطينيين. وإذ ينفي مقربو باراك بشدة أنه يفكر بالاستقالة من زعامة الحزب أو اعتزال الحياة السياسية، الا انه ليس واضحاً إذا كان باراك، في حال نجح في نيل ثقة حزبه مجدداً لمواصلة تزعمه، ينوي فعلاً الدخول في شراكة مع شارون. ويسعى باراك في الساعات القليلة المقبلة لموعد الانتخابات إلى تقليص الفارق بينه وبين شارون لئلا يتعرض لهزيمة ماحقة قد تطيح به عن كرسي زعامة الحزب، وإذا ما نجح في جهده هذا، فإنه يعد للائحة دفاع عن نفسه، سيجعل منها لائحة اتهام ضد عدد من أقطاب الحزب الذين لم يعملوا بتفان واخلاص من أجل انتخابه. ويعوّل باراك على فارق بسيط ليقول لحزبه إن تردد عدد من أوساط اليسار في دعمه وامتناع المواطنين العرب بنسبة كبيرة عن التصويت له، كانا وراء خسارته، وان هؤلاء المترددين والمقاطعين سيعون سريعاً، بعدما يروا أفعال حكومة شارون، انهم اخطأوا. وحسب أحد السيناريوهات، فإن باراك سيتجنب دخول ائتلاف مع شارون لثقته أن حكومته لن تعيش طويلاً، إذ ستخضع لصراعات داخلية عنيفة وتتعرض إلى ضغوط من كل جانب. كما ان حكومة كهذه ستكون عاجزة عن وقف تدهور أمني متوقع ولن يكون نزع الثقة عنها أمراً مستعصياً، وعليه يرد في حسابات باراك اجراء انتخابات عامة في خريف العام الحالي يخوضها ممثلاً عن "العمل" أمام بنيامين نتانياهو، لكن بعدما يرى الجمهور الإسرائيلي أن طريقه فقط تقود إلى السلام، على حد زعمه. لكن أوساطاً في قيادة "العمل" والتي سبق أن فاجأها باراك بقرارات من دون استشارتها، لا تركن إلى الاحتمال المذكور، إنما تشكك في نيات باراك ولا تستبعد ان يكون راغباً، ولانقاذ مستقبله السياسي، في دخول الشراكة مع شارون. وتنوي هذه الأوساط أن تتخذ قراراً سريعاً في اللجنة المركزية في الحزب يقضي بألا يقتصر اجراء المفاوضات مع شارون على باراك وحده إنما تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض. ويقود الوزير يوسي بيلين نواب "العمل" المعارضين دخول حكومة وحدة برئاسة شارون في كل الأحوال. وتتردد اشاعات مفادها أن بيلين وآخرين من النواب قد ينسلخون عن حزب العمل في حال قرار باراك دخول حكومة وحدة، وانهم سيسعون إلى تشكيل كتلة برلمانية مع حركة ميرتس التي تعارض بشدة حكومة كهذه، ونواب يساريين آخرين، تكون الكتلة الأكبر في الكنيست وتحول دون دخول كتلة "العمل" المقلصة إلى الحكومة. ويحتاج باراك، إذا ما أراد حقاً دخول حكومة وحدة، إلى دعم الوزير شمعون بيريز القادر على اقناع حزبه برأيه لما يحظى به من احترام، خصوصاً من النواب المعارضين لباراك وسلوكه. ويرى معلق الشؤون الحزبية في الاذاعة الإسرائيلية يارون ديكل إن شارون قد "يغري" العمل للدخول إلى حكومته بتسلم ممثلين عنه حقيبتي الأمن باراك والخارجية بيريز على أن تكون الخطوط العريضة للحكومة عامة ومبهمة من دون التطرق إلى المسائل الشائكة. ويبقى ما تقدم مرهوناً باجتياز باراك "ليلة السكاكين" التي تنتظره داخل حزبه.