تشكل هزيمة الحزب الديموقراطي في الولاياتالمتحدة هاجساً ملحاً على القادة الإسرائيليين سواء في حزب العمل أو ليكود، خصوصاً أن اسرائيل، ويهود الولاياتالمتحدة، دعموا مرشح الحزب الديموقراطي للرئاسة وجاءت النتائج مخيبة. لذلك برزت تخوفات كثيرة حول طبيعة العلاقات الإسرائيلية - الأميركية في ظل الادارة الجديدة، التي لا تدين لليهود الأميركيين بشيء. وأشارت الاحصاءات أن 79 في المئة من الناخبين اليهود اعطوا أصواتهم لآل غور، وانتخب 19 في المئة جورج بوش، وأيد 1 في المئة منهم مرشح الخضر رالف نادر. وتخشى إسرائيل، ومعها يهود الولاياتالمتحدة، ان تكون الادارة الجديدة أكثر وداً في التعامل مع العرب، لا سيما في ضوء العلاقات الوثيقة التي تربط بين بوش ونائبه ريتشارد شيني وبين صناعة البترول. ومن دلائل هذا التحول أن الإدارة الجديدة أقل سعياً في جهودها لإطلاق سراح اليهود الذين اتهموا في ايران بالتجسس لمصلحة إسرائيل. قضية الشراكة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، كانت مطروحة قبل انتخابات الرئاسة الأخيرة بسنوات عدة، خصوصاً بعد أن تقلص الدور الذي كان من المفروض أن تلعبه إسرائيل في اطار الاستراتيجية الدولية الأميركية كمدافعة عن مصالح واشنطن في منطقة الشرق الأوسط. وبرزت على الساحة الأميركية أسئلة حول جدوى هذه الشراكة، تطالب بالحد من فاعلياتها لما تشكله من عبء على الولاياتالمتحدة، وتحد من قدرتها على تنفيذ سياسة ثابتة في الشرق الأوسط. وطالب عدد من الباحثين السياسيين والاستراتيجيين الأميركيين بضرورة إجراء تحليل لأبعاد الشراكة في ضوء ما يمكن أن تمثله من أهمية استراتيجية للولايات المتحدة، تركزت على النقاط الآتية: أ - ما حدود المسؤولية الأميركية حيال ضمان أمن إسرائيل؟ هل هي في حدود التقسيم الدولي لفلسطين عام 1949، أم حدود عدوان 1967، أم حدود "إسرائيل الكبرى" التي يطالب بها ليكود والأحزاب اليمنية الأخرى، أم "إسرائيل العظمى" التي كان يتطلع لها اسحق رابين من المحيط الى الخليج؟ وما حدود التزامات الولاياتالمتحدة تجاه إسرائيل في كل حالة؟ ب - ما المساعدة الاستراتيجية الحقيقية التي يمكن أن تقدمها إسرائيل للولايات المتحدة حماية لمصالح الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، خصوصاً بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وما الثمن المقابل الذي يمكن أن تدفعه إسرائيل للولايات المتحدة نظير ما تقدمه الأخيرة لها من دعم سياسي واقتصادي وعسكري مطلق، اذا ما تجدد الصراع بين الولاياتالمتحدةوروسيا. ج - هل ينبغي ان تسلح الولاياتالمتحدة إسرائيل بما يفوق ما هو ضروري للدفاع عن كيانها، وبالتالي تورطها في مغامرات عسكرية في المنطقة تقوض مصالح الولاياتالمتحدة فيها، كما هو الحال اليوم، ويزيد من تعنتها ازاء عملية التسوية السلمية، وانتهاك المقدسات الإسلامية في القدس، واستمرار عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة... الخ. د - ما التأثير المستقبلي الذي يمكن ان تسببه الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل والولاياتالمتحدة على نفوذ الأخيرة في الشرق الأوسط، في ضوء تصميم العرب على خوض سباق التسلح مع إسرائيل الى نهايته بما في ذلك اسلحة الدمار الشامل، ودخول دول منافسة مثل فرنساوالصينوروسيا في سباق توريد الأسلحة للدول العربية؟ الى ذلك هناك عمليات التجسس المستمرة التي تمارسها إسرائيل على الولاياتالمتحدة، وتسريب التكنولوجيا العسكرية الأميركية لدول معادية مثل الصين التي باعتها إسرائيل تكنولوجيا صاروخ باتريوت المضاد للصواريخ، فالكون للإنذار المبكر، الى جانب المطالب الاسرائيلية المالية والعسكرية، وآخرها 30 بليون دولار لدعم عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة، وتغطية كلفة انسحابها من جنوبلبنان... الخ، وهو ما يتحمله دافع الضرائب الأميركي من دون عائد مقابل. شارون والعلاقات مع واشنطن سيكون رئيس حكومة اسرائيل الجديد مطالباً، في اطار وضع أولويات عمل حكومته، أن يسعى الى رأب التصدعات في علاقات بلاده مع الولاياتالمتحدة وخصوصاً انه كان أحد أسباب المشكلات أثناء عمله وزيراً لخارجية إسرائيل في حكومة نتانياهو العام 1999. فهو سعى الى تشكيل حلف استراتيجي مع روسيا، وأعلن تأييده للجانب الصربي في ضرب كوسوفو واعتبر محللون استراتيجيون أن شارون بهذا الموقف عرّض مصالحها الاستراتيجية للخطر. فهو من جانبه لا يرتاح لأسلوب أميركا في التعامل مع إسرائيل، ولطالما ردد "أن إسرائيل ليست جمهورية موز"، وفي حرب لبنان 1982 تجاوز الخط الأحمر الذي رسمه الأميركيون وتقدم من صيدا الى بيروت. سيكون على شارون أن يواجه المشكلات التي ترتبت على أخطاء سلفه باراك عندما تورط في مواجهة مع الولاياتالمتحدة في قضية بيع نظام الإنذار المبكر فالكون الذي تصنعه إسرائيل، بترخيص أميركي، الى الصين على رغم القيود التي تفرضها على هذه المبيعات. وهو ما دفع وزير الدفاع الأميركي السابق ويليام كوهين الى الاعتراض واصفاً وزارة الدفاع الإسرائيلية بعنصر معادٍ لإسرائيل. حرص باراك على أن يأخذ من ادارة كلينتون كل ما كان يرغب فيه من دعم مادي وعسكري في مقابل وعود قدمها إزاء عملية التسوية على الصعيدين الفلسطيني والسوري، كما أصر على التمسك بالحرم الشريف في القدس، مما قوّض صدقية الولاياتالمتحدة في العالمين العربي والإسلامي، وعرض المدمرة الأميركية كول الى عملية عسكرية في 12 تشرين الأول اكتوبر الماضي في ميناء عدن، كتعبير عن اعتراض الرأي العام العربي على السياسة الأميركية. وكان من نتيجة أخطاء باراك في تعامله مع الولاياتالمتحدة، أن تعثرت أعمال اللجنة الاستراتيجية الأميركية - الاسرائيلية، التي فشلت في تنفيذ المهمات المكلفة بها، وانزلقت المحادثات بين البلدين الى التسويف والجمود، الى درجة أن ممثل باراك في هذه اللجنة تسفي شتاوبر سمع في واشنطن عبارات مثل: "عندما نرغب في ايضاحات اضافية سوف نتصل بكم". كما اتسمت سياسة الولاياتالمتحدة تجاه التعاون التكنولوجي بين روسياوالصين بالبرود حرصاً على الحوار الأميركي - الروسي. إن شارون مطالب بأن يسعى - في الرواية الإسرائيلية - الى ازالة الكثير من الرواسب السلبية التي شابت العلاقات الاستراتيجية بين الدولتين، ولكن هناك شكاً في أن ينجح في ذلك. لأن الجمهوريين في الادارة الأميركية أكثر تشدداً في معارضتهم لنقل التكنولوجيا الأميركية لدول مثل الصين، وفي رفضهم طلبات وزارة الدفاع الإسرائيلية للحصول على المقاتلة الأميركية الحديثة ف -22، كذلك رفضهم تمويل نظام هجومي إسرائيلي مضاد لمنصات اطلاق الصواريخ. لذلك لم يكن غريباً ان يرفض بوش التحدث مع باراك عندما أراد الأخير تهنئته، وأحاله على وزير الخارجية كولن باول.. تعلق صحيفة "هاآرتس" في مقال لها بتاريخ 27/12/2000 على هذا الأمر فتقول: "إن الأيام التي أبرزت فيها واشنطن تأييدها لإسرائيل طواها النسيان منذ فترة، وذلك من أجل مهمتها كوسيط منطقي. وأصبح النظر الى إسرائيل أكثر مما كان في الماضي كجزء من منظومة العلاقات الاقليمية للولايات المتحدة التي تتركز حول زعامة رئيس مصر حسني مبارك. وفي الوقت نفسه أقل من وضعها كالإبنة الوحيدة المدللة". وفي المحاضرة التي ألقاها عضو الكنيست أوري سافير في مؤتمر هرتسليا في الأسبوع الثاني من كانون الأول ديسمبر 2000، أشار الى الثمن الذي دفعته اسرائيل بفقدانها مكانتها لدى واشنطن، اذ أصبح في امكان ياسر عرفات أن يرفع سماعة الهاتف ويتكلم مع البيت الأبيض مباشرة من دون حاجة الى السكرتارية الإسرائيلية. * لواء ركن متقاعد. خبير استراتيجي مصري.