عزت أوساط سياسية إسرائيلية إرجاء الموفد الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشيل زيارته إسرائيل أمس، إلى عدم تلقي الأميركيين رداً من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو على المطالب التي طرحتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون في «مكالمة التوبيخ» معه الجمعة الماضي، وفي مقدمها إعلان إسرائيل وقف البناء الاستيطاني في القدس وأن تتناول المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين القضايا الجوهرية. وقالت الإذاعة العسكرية إن تعليق زيارة ميتشيل هو «إشارة غضب» من الإدارة الأميركية من عدم إلغاء إسرائيل قرار بناء الوحدات السكنية الجديدة في مستوطنة «رمات شلومو» شمال القدسالشرقيةالمحتلة. ونقلت عن صحيفة «واشنطن بوست» تأكيد موظفين في الإدارة الأميركية أن زيارة ميتشيل «ستبقى معلقة إلى أن يتلقى البيت الأبيض رداً إسرائيلياً رسمياً على المطالب الأميركية». واعتبر هؤلاء الرد الإسرائيلي المتوقع على المطالب الأميركية «امتحاناً لالتزام نتانياهو بمجمل العلاقات مع الولاياتالمتحدة». وأضافوا أن على إسرائيل أن تلغي قرار البناء في المستوطنة المذكورة وأن تقوم ب «بادرة حسن نية كبيرة» تجاه الفلسطينيين وتلتزم على الملأ بأن تشمل المفاوضات كل القضايا الجوهرية في الصراع، بما فيها قضية القدس. وأفادت صحيفة «إسرائيل اليوم» القريبة من نتانياهو والداعمة سياسته، بأن أوساط الأخير نقلت إلى واشنطن رسالة واضحة تقول إن «إسرائيل لن توقف البناء في القدس ولن تعلن تعليقه كما فعلت في شأن مستوطنات الضفة الغربية». وأبرزت ارتفاع أصوات شخصيات أميركية سياسية وإعلامية تؤيد رئيس الحكومة الإسرائيلية وتنتقد إدارة الرئيس باراك أوباما «على تشددها مع حكومة نتانياهو». وأشارت تحديداً إلى تصريحات مرشح الرئاسة السابق الجمهوري جون ماكين بأنه «كان حرياً بالإدارة الأميركية ان تركز جهودها في عملية السلام»، ودعوة السيناتور جوزيف ليبرمان إلى «وضع حد للخلاف العائلي لأنه غير مفيد بل هدام»، واعتبار عضو الكونغرس عن الحزب الجمهوري أريك كنتور «مقاربة البيت الأبيض تجاه إسرائيل غير مسؤولة». كما اقتبست من افتتاحية صحيفة «وول ستريت جورنال» التي اتهمت الرئيس الأميركي ب «إشعال أزمة ديبلوماسية خطيرة مع الحليف الأقوى لواشنطن في الشرق الأوسط، على رغم الاعتذارات المتكررة لنتانياهو». ويرى بعض المراقبين أن نتانياهو، بتحديه الولاياتالمتحدة من خلال إعلانه أمام حزبه «ليكود» أول من أمس أن البناء في القدس سيتواصل، إنما يعوّل على مثل هذه الأوساط داخل الولاياتالمتحدة لاعتقاده أن الإدارة الأميركية لا يمكنها الذهاب بعيداً في توتير العلاقات مع إسرائيل عشية الانتخابات النصفية لمجلسي النواب والشيوخ. وهاجم نائب مستشار الأمن القومي الأميركي السابق اليوت ابرامز في حديث للإذاعة العسكرية الرئيس الأميركي، معتبراً أن الأزمة بين إسرائيل والولاياتالمتحدة لم تنشأ بسبب نتانياهو وإنما بسبب أوباما «الذي لم تكن لديه أية حجة حقيقية لهذه الأزمة». وأضاف أنه في حال استمرت الأزمة «فسيكون هذا خطأ استراتيجياً سيمس بالعلاقات بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل». وتابع أن إدارة أوباما تناصب نتانياهو العداء «حتى قبل أن يقوم بشيء، وبرأيي فإن الإدارة وبكل بساطة لا تحب نتانياهو ولا تريد مواجهته فتبحث عن كيفية التخلص منه وإسقاط ائتلافه اليميني». ورأى أن التوبيخات الأخيرة من مسؤولين أميركيين كبار لإسرائيل «تتسبب في أن يتسلق الفلسطينيون شجرة أعلى ويطالبوا بمزيد من الشروط المسبقة». وذكر بأن الإدارة السابقة لم تضع وقف البناء في المستوطنات شرطاً لإسرائيل «ليقينها بأن ذلك فكرة غير واقعية. وإدارة (الرئيس السابق جورج) بوش أدركت أن الحديث هو عن عاصمة إسرائيل وأن فكرة فرض وقف للبناء في العاصمة وحصر ذلك في اليهود فقط غير واقعية». وقال الكاتب في «نيويورك تايمز» اليهودي الأميركي توماس فريدمان، الذي سبق أن وصف نتانياهو ب «السائق السكّير»، للإذاعة ذاتها إن حكومة نتانياهو بتركيبتها الحالية ليست قادرة على تبني استراتيجية سلام، «وهذه التركيبة لا تتيح له أن يفحص ما إذا كان لإسرائيل شريك فلسطيني حقيقي للسلام». وزاد أنه لا يعتقد أن نتانياهو أراد أو خطط لإحراج نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن، «لكن ما حصل هو عمى سياسي لعدد من الأحزاب في إسرائيل التي لا تفقه أي ضرر سببته للعلاقات مع الولاياتالمتحدة». وأفادت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في عنوانها الرئيس أمس أن أوساط نتانياهو تسعى إلى ترتيب «لقاء مصالحة» بينه وبين بايدن في واشنطن الأسبوع المقبل على هامش مشاركة نتانياهو في مؤتمر اللوبي اليهودي الأميركي (ايباك). وأضافت أن نتانياهو يأمل أيضاً في لقاء كلينتون التي ستلقي هي أيضاً كلمة أمام مؤتمر «ايباك». وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان إن إسرائيل على اتصال مستمر مع واشنطن «على جميع القنوات» وأنها ستواصل هذه الاتصالات، «لكن المطالب الأميركية والدولية غير معقولة وليست مقبولة علينا». وأضاف أن إسرائيل تسعى إلى تهدئة الخواطر، لكنه أضاف متسائلاً: «هل يعتقد أحد أنه حتى في حال عدنا إلى حدود العام 1967 سنرى هنا الأمن والاستقرار ويمكن أن نثق بالطرف الآخر؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن يطرح». ودخل الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي يتمتع بثقل سياسي كبير في واشنطن، على خط «تهدئة الخواطر» بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية، فأشاد أمس بالدعم الذي تقدمه الولاياتالمتحدة للدولة العبرية، وقال إن «على إسرائيل أن تحذر فتق نسيج العلاقات مع واشنطن» وأنه ينبغي عليها بناء علاقات الصداقة مع دول أخرى في مقدمها الولاياتالمتحدة «من أجل ضمان الدعم السياسي في أوقات الحاجة وخلق التوازن الأمني الضروري لدولة صغيرة لمواجهة المخاطر». وأضاف: «علينا بذل جهود جبارة كي لا نبقى وحدنا. ويتعين علينا أن نجند الأخيار من أجل تحقيق أفضل النتائج».