بعد اتصالات رسمية بعدد من العواصم العربية رشحت مصر وزير خارجيتها عمرو موسى رسمياً لشغل منصب الأمين العام للجامعة العربية. وسبق ذلك إعلان صنعاء سحب مرشحها محسن العيني لمصلحة موسى. الترشيح المصري لقي إجماعاً عربياً حسم بوادر المعركة التي كادت أن تستأثر باهتمام قمة عمّان المقبلة. وبهذا عاد المنصب إلى مصر مرة أخرى، بجدارة المرشح وأسلوب التفاهم، لا يعرف الأحقية بحكم المقر. النتيجة الممتازة التي تمخضت عنها "مناورة" ترشيح الأمين العام للجامعة جاءت بفضل الترشيح اليمني الذي أحدث تغييراً مهماً في آلية ترشيح الأمين العام، وكرس مبدأ تساوي الفرص بين الدول العربية لشغل المنصب، فضلاً عن أن الاتصالات المكثفة التي أجراها الرئيس حسني مبارك لكسب التأييد لترشيح عمرو موسى، كانت بمثابة موافقة مصرية صريحة على قبول مبدأ تداول المنصب مستقبلاً، ودعماً قوياً للمبادئ التي هدفت إليها صنعاء من وراء ترشيح محسن العيني، وتجاوزاً لحقبة التقاليد والأعراف في إدارة الجامعة العربية. إن مصر قادرة على الاحتفاظ بمنصب الأمين العام لسنوات طويلة إذا كانت ستقدم مستقبلاً مرشحين بمستوى عمرو موسى. فترشيح مهندس الخارجية المصرية رفع سقف مستوى الترشيح لهذا المنصب في المستقبل، ونقل منصب الأمين العام من مجرد وظيفة لتكريم المتقاعدين ومجاملة بعض السياسيين أو التخلص منهم، إلى منصب مهم يتطلب شخصية قادرة على التغيير وتفعيل دور الجامعة ونقلها من سكرتارية مشتركة إلى منظمة سياسية فاعلة في صناعة العمل العربي المشترك، والتعبير عنه بقوة في المحافل الدولية. لا شك أن دور القاهرة في "مناورة" تغيير الأمين العام لا يقل عن دور صنعاء. فاليمن نجح في ارساء مبدأ التغيير في منصب الأمين العام واستبدال العرف بالقانون القائم على مبادئ تكافؤ الفرص. ومصر قلبت مفاهيم شغل منصب الأمين العام، وأعلنت بترشيح موسى عهداً جديداً لهذه الوظيفة يتماشى مع الظروف الحالية ويلزم الدول العربية في المستقبل أن تقدم مرشحين على مقياس عمرو موسى، الذي يحظى بتقدير شعبي ورسمي في مصر وخارجها، ويؤدي دوره السياسي بروح المقاتل الشجاع.