بعد انتهاء القمة العربية الأخيرة في القاهرة كتب بعض الأقلام المصرية عن منصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، وضرورة شغله بوزراء سابقين و"تكنوقراط" وإبعاده عن الرؤساء السابقين والأمراء، وحصره في مواطني دولة المقر. وهذا الحديث لم يأت بمحض الصدفة، وإنما لاستباق الأحداث وقطع الطريق على أي ترشيحات من الدول الأخرى العربية، استناداً إلى الاقتراح الذي قدمه اليمن إلى القمة، المتضمن طرح أسماء المرشحين لمنصب الأمين العام على قمة عمان المقبلة. فحرص بعضهم في مصر على قراءة سورة "الحشر" لإبعاد أي ترشيح محتمل، وإثبات "مصرية" المنصب كحق مكتسب، وجرياً على العرف السائد منذ نصف قرن. اليمن تصرف وكأنه لم يسمع التلاوة المصرية لسورة "الحشر" وبادر بقراءة سورة "الزلزلة" وأعلن على لسان وزير خارجيته ترشيح رئيس الوزراء السابق محسن العيني لمنصب الأمين العام للجامعة، خلفاً لعصمت عبدالمجيد، تفعيلاً للاقتراح اليمني في قمة القاهرة، واستناداً إلى ميثاق عمل الجامعة الذي لا يتضمن نصاً رسمياً بأحقية دولة المقر بالمنصب. الترشيح قوبل باستغراب مصري، ونقل الجدل من التلميح إلى التصريح، وأعلن عن بوادر معركة لا تختلف كثيراً عن معركة التنافس على كرسي ال"يونيسكو"، التي جرت في شكل غير معلن بين القاهرة والرياض، وأدت إلى ضياع المنصب على العرب. إن قراءة سورة "الزلزلة" لا تعني نقل مقر الجامعة من القاهرة أو التقليل من أهمية مصر ودورها الرائد، كما أن قراءة سورة "الحشر" لا تنفي بطلان القول إن تسمية المرشح حق طبيعي لمصر، فضلاً عن أن تداول منصب الأمين العام ينسجم مع الآلية الجديدة في عقد القمة سنوياً، ويعطي حيوية لدور الجامعة العربية طال انتظارها، ويشعِر العرب بأنهم شركاء فاعلون في جامعتهم. محسن العيني مكسب لأي منظمة سياسية، وإنجازاته في التاريخ السياسي لليمن تشهد بحكمته وقدرته على ردم الفجوات وتقريب وجهات النظر، إضافة إلى أن تغيير شخص الأمين العام وجنسيته استمرار للروح الجديدة التي بدأت تدب في أروقة الجامعة منذ قمة القاهرة. فهل يقتنع بعضهم في مصر بأن تداول المنصب تأكيد لنجاح قمة القاهرة واستمرار لدور مصر في تطوير أداء الجامعة العربية.