خلال نكبة 1948، اتخذ الجيش العراقي مناطق وسط فلسطين وشمال الضفة الغربية ومنطقة المثلث مسرحاً لعملياته العسكرية، وشكل من أبناء بعض قرى مناطق جنوب مدينة حيفا والمثلث "فوج الكرمل الفلسطيني" بقيادة الضابط العراقي الرائد مصطفى عبدالجبار للاسهام في قتال عصابات "الهاغاناه" و"البالماخ" الصهيونية. وبعد انحسار العمليات العسكرية وانسحاب الجيش العراقي من الأرض الفلسطينية أعلن عن ضم "فوج الكرمل" الى صفوفه فقام بنقل عائلاتهم الى بغداد عبر الاردن. وهكذا دخلت فعلياً أولى دفعات اللاجئين الفلسطينيين الى الأراضي العراقية نهاية حزيران يونيو/ تموز يوليو 1948 وحتى العام 1949 بتعداد يقارب 5 آلاف نسمة بينما أشارت تقارير بعثة للأمم المتحدة في 30 حزيران 1949، ان اعدادهم لم تتجاوز 4000 نسمة يعودون الى قرى منطقة حيفا والمثلث وتحديداً البلدات الآتية: جبع، عين عوض، كفرلام، أجزم، أم الفحم، عاره، عرعرة، المزار، طيرة حيفا، الطنطورة، عتليت، أم الزينات، الصرفند، وبعض العائلات من حيفا ويافا. وافترق اللاجئون الى العراق عن أقاربهم الذين توجهوا نحو سورية مخيم اليرموك والأردن. وبقيت منهم أعداد ليست بالقليلة على أرض فلسطين 1948 في منطقة حيفا والمثلث وقرى أم الفحم، سيرين، كوكب أبو الهيجا، الحدثة، وجنين. وضع اللاجئون الفلسطينيون الذين وفدوا الى العراق من عام 1948 الى عام 1950 تحت رعاية وزارة الدفاع واشرافها. وجرى تجميعهم في معسكر الشعيبة قرب البصرة، وقدمت لهم الرعاية الصحية والاجتماعية والكساء والغذاء والمساعدات المادية وفق شروط وأسس حددتها الحكومة العراقية. وبعد ذلك تم تشكيل "المديرية العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين" في العراق التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وهي الجهة المشرفة الى الآن على شؤونهم، بينما تتولى دائرة الاقامة منحهم الهويات ووثائق السفر. بعد العام 1950 جرى اعادة توزيع اللاجئين الفلسطينيين ونقلهم من معسكر الشعيبة قرب البصرة الى مناطق بغداد، وتم اسكانهم وفق نظام السكن الجماعي في الملاجئ والنوادي والمواقع المستملكة من قبل الحكومة العراقية، وقفزت أعدادهم نتيجة محددات النمو الطبيعي المواليد - الوفيات فأصبح العراق يضم بسحب سجلات مديرية شؤون اللاجئين في عام 1969، 13747 فلسطينياً. وهو ما أكدته دراسة مدير مكتب منظمة التحرير في بغداد آنذاك عصام سخنيني مجلة شؤون فلسطينية - العدد 13 عام 1972 ص 90. وفي عام 1979 وصل العدد ما مجموعه الى 19184 نسمة وفق المكتب المركزي للاحصاء في منظمة التحرير، ووصل العدد الى 27 ألفاً عام 1986 وفق هيئة الاحصاء في وزارة التخطيط العراقية ومكتب الاحصاء الفلسطيني في دمشق، ووصل هذا الرقم الى 35 ألفاً عام 2000 وفق غالبية التقديرات وباحتساب نسبة النمو السكاني. ويشكل اللاجئون الفلسطينيون في العراق ما نسبته 4،0 في المئة من مجموع الشعب الفلسطيني. واذا أردنا احتساب أعداد الذين قدموا الى العراق بعد العام 1967 من الأردن ومناطق غزة والضفة الفلسطينية، ومن الكويت بعد عام 1991، فإن عددهم أصبح يقارب 80 ألف نسمة، مسجل منهم 35 ألفاً كلاجئين منذ العام 1948. ويتوزع اللاجئون في العراق في مناطق بغداد التي تضم النسبة الأكبر ثم البصرة والموصل وفق المواقع الآتية: 1 - بغداد تضم 87 في المئة ويتوزعون في مناطق: - البلديات: تضم مساكن شعبية الى الشرق من بغداد. - بغداد الجديدة: شرق بغداد، ملاجئ متوسطة الحجم كانت أبنيتها عبارة عن مؤسسات حكومية. - حي الأمين: الذي يضم ثلاثة ملاجئ وهي مهاجع للسكن الجماعي. - الزعفرانية: جنوب شرقي بغداد وتضم ثلاثة ملاجئ سابقة للمكفوفين والأحداث الى مشغل للخدمات الاجتماعية. - حي الحرية: ويضم ثلاثة ملاجئ متوسطة ومجموعة بيوت شعبية. - حي السلام: غرب بغداد، ويضم ثلاثة ملاجئ متوسطة وبيوت مؤجرة. - حي الصحة: جنوببغداد، في الدورة ويضم شققاً سكنية حكومية شعبية. - تل محمد. 2 - الموصل وتضم 3 في المئة من مجموع اللاجئين يقطنون في حي الكرامة الشعبي بتعداد يقارب 8500 نسمة. 3 - البصرة وتضم بحدود 4 في المئة من مجموع اللاجئين الفلسطينيين في العراق، ويقطنون في أحياء: الزبير، المربد، العشار والموفقية، وبتعداد يقارب 1000 نسمة. وتتوزع بعض العائلات في مدن: تكريت، العمارة، الحلة بقصد العمل بنسبة تقارب 6 في المئة من مجموعهم. بينما يقيم الفلسطينيون الذين قدموا من الكويت بعد العام 1991 في منطقة الغزلانية غرب بغداد ومنطقة البتاوين وسط العاصمة العراقية بواقع 150 عائلة تعود في أصولها الى قطاع غزة وتحمل وثائق السفر المصرية. ويشار الى ان نظام الملاجئ هو نظام السكن الجماعي الذي ما زال معمولاً به بالنسبة للكم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في العراق، ويعتبر نظام سكن غير صحي ويفتقد للحد الأدنى من مقومات الحياة وشروطها. فبعض هذه الملاجئ عبارة عن مهجع يضم 80 غرفة تسكن فيها 24 عائلة وبمرافق صحية كانت الى حين ليس بالبعيد مرافق جماعية. وفي الدور المجمدة من قبل الحكومة العراقية التي تم اسكان أعداد من اللاجئين فيها فتضم من خمس الى ست عوائل موزعة على ست غرف. أما الدور المستأجرة فهي مساكن شعبية تؤجرها دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين وغالبيتها كانت مدارس سابقة. بينما أضحت العمارات السكنية التي أنجزتها الحكومة العراقية بعد العام 1970 هي الطريقة الأخيرة لحل أزمة السكن عند اللاجئين الفلسطينيين، وهي عبارة عن مساكن شعبية تتوافر فيها الخدمات الأساسية، وأنجز منها خلال 30 عاماً 16 عمارة في حي البلديات في منطقة شرق بغداد بواقع 1750 عائلة موزعة على 768 شقة، وعمارة واحدة في حي الكرامة في الموصل. وبقي الكم الأكبر من اللاجئين الفلسطينيين في مواقع سكنهم التي حلوا بها بعد نقلهم من معسكر الشعيبة في البصرة بعد العام 1950. وبسبب من سوء الأوضاع الاقتصادية فإن الاستئجار الخاص بقي محدوداً، وتمانع الحكومة العراقية بالكامل أي تملك سكني أو أرض زراعية أو عقارات أو أملاك محمولة للاجئ الفلسطيني بذريعة مقاومة التوطين وتعلق اللاجئ بوطنه. من جانب آخر منحت الحكومة العراقية اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لديها منذ العام 1948 الى العام 1950 بطاقات هوية تحمل سمة الاقامة الدائمة، كما منحتهم وثيقة سفر تجدد كل خمس سنوات، ولا يحق لحاملها بالسفر أكثر من مرة في السنة بعد الحصول على تأشيرتي الخروج والدخول من قبل الدولة التي يرغب بالذهاب اليها، ويجري ترقيم قيد اللاجئ في حال غيابه لفترة تتجاوز السنوات الثلاث خارج أراضي الجمهورية العراقية. في المقابل فإن الفلسطينيين الذين قدموا العراق بعد عام 1967 أو بعد عام 1970 أو بعد حرب الخليج الثانية ومن الكويت تحديداً فإنهم يقيمون في العراق بصفة عربي وافد وجلهم يحمل وثيقة السفر السورية واللبنانية والمصرية اضافة الى جواز السفر الأردني ما عدا الذين قدموا من الكويت فاعتبروا عربي مقيم. على المستوى الانتاجي وشروط العمل والوضع الحياتي والاقتصادي، باستثناء المشكلة الأكبر المتعلقة بظروف السكن الصعبة ومنع التملك اضافة الى التدهور العام في مستوى المعيشة بفعل الحصار المضروب على العراق، تعامل الحكومة العراقية اللاجئين عموماً أسوة بالمواطن العراقي من حيث العمل وفرص التوظيف في مختلف قطاعات ووزارات الدولة بما في ذلك التطوع في القوات المسلحة والارتقاء في المراتب الوظيفية الى مرتبة مدير عام أو عميد ركن بالقوات المسلحة ولكن خدمة العلم مسقطة عنهم، ويستطيع اللاجئ الحصول على كل الخدمات الصحية والتعليمية بشكل مجاني أسوة بالمواطن العراقي الأمر الذي أدى الى انحسار وتراجع الأمية التي تكاد تكون شبه معدومة بعد أن كانت 54،6 في المئة بين الذكور و23،23 في المئة بين الإناث قبل ثلاثة عقود من الزمن، إذ هناك أعداد واسعة من الشبان والشابات حاصلون على الشهادات الجامعية الأولى، وعلى شهادات الدراسة العليا بشكل أقل. والمشكلة تتمثل هنا في غياب فرص العمل وشبه البطالة المنتشرة بين حملة الشهادات الجامعية. وتقدم الحكومة العراقية وفق مصادر فلسطينية مسؤولة ومطلعة في قيادة منظمة التحرير منذ الثمانينات 50 منحة دراسية لمنظمة التحرير الفلسطينية بكل فصائلها و30 منحة للفلسطينيين الذين غادروا الكويت إثر حرب الخليج الثانية في 1991. بينما تحظى جبهة التحرير العربية وهي التنظيم الفلسطيني العضو في منظمة التحرير والمؤيد للعراق على 200 منحة دراسية كل عام منها 85 منحة لطلبة فلسطينيين من الأراضي المحتلة في الضفة والقدس والقطاع. ويعتبر تجمع اللاجئين في العراق مجتمع فتي تبلغ نسبة ما دون ال14 عاماً 05،41 في المئة وفق دراسة الدكتورة هدى حمودة أي الارقام المستخلصة من الاحصاء السكاني لتوزيع اللاجئين الفلسطينيين في العراق عام 1977. وهو رقم يكاد يحافظ على نفسه إذ شهد هذا التجمع الفلسطيني زيادة ملحوظة في النمو السكاني. وتبلغ نسبة الذكور 36،57 في المئة، ونسبة الاناث 63،42 في المئة وفق الاحصاء السكاني المتضمن توزيع السكان بحسب الجنس عام 1977 والمنشور في دراسة حمودة المعنونة "الفلسطينيون في العراق - مدخل ديموغرافي اجتماعي اقتصادي" الصادرة عن شرق برس عام 1987. وفي الجانب المتعلق بالعمل السياسي والتنظيمي، فإن كل فصائل منظمة التحرير تملك مقرات مركزية وتتمتع نسبياً بحرية العمل بين صفوف اللاجئين، وتحديداً حركة فتح، الجبهة الديموقراطية، الجبهة الشعبية، جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، جبهة التحرير الفلسطينية، وجبهة التحرير العربية، بينما يحظر نشاط فصيلين من فصائل منظمة التحرير هما: الجبهة الشعبية - القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة التي لم تعمل في العراق إلا لفترة محدودة عام 1969، ويتمتع التنظيم الفلسطيني لحزب البعث وجناحه العسكري جبهة التحرير العربية برعاية كبيرة من قبل الحكومة العراقية وحزب البعث. الى نشاط فصائل منظمة التحرير يملك بعض الأندية والمؤسسات الفلسطينية حضوراً ملموساً، خصوصاً نادي حيفا الثقافي والاجتماعي وبيت الطفل الفلسطيني، اضافة الى مستوصف فلسطين الجراحي التابع للهلال الأحمر الفلسطيني. قدم التجمع الفلسطيني اللاجئ في العراق قرابة 200 شهيد عبر مسيرة منظمة التحرير سقط غالبيتهم في معاركها وينتمون الى حركة فتح، الجبهة الديموقراطية، جبهة التحرير العربية وجيش التحرير الفلسطيني، اضافة الى 65 شهيداً في حروب العراق المختلفة. ان هاجس الانتماء للوطن الفلسطيني والتمسك بحق العودة مهما طال الزمن وتعقد الظروف والمعطيات يخيم على التجمع الفلسطيني اللاجئ على أرض العراق. فما زال اللاجئون هناك يحافظون على رغم مرور أكثر من نصف قرن على ميراثهم الثقافي الوطني والاجتماعي عبر نقله للأجيال التي رأت النور في مواقع الشتات واللجوء. وأنجب هذا التجمع الكثير من الأسماء اللامعة والمعروفة في عالم الثقافة والفنون والابداع، ولعل الروائي جبرا ابراهيم جبرا. والشاعر أديب ناصر شقيق الشهيد كمال ناصر، والشهيد الدكتور عبدالوهاب الكيالي، والفنان التشكيلي حسن أبو الهيجاء، والمؤرخ والباحث برهان الدين العبوشي بعض منهم. ويحتفل الشعب الفلسطيني كل عام بذكرى شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا على أرض فلسطين عام 1948. وقبل فترة قصيرة كما في كل عام توجه المئات من أبناء فلسطين لوضع أكاليل الزهور على قبور شهداء الجيش العراقي الذين سقطوا في 1947 - 1948 في جنين ونابلس. وتأمل المنظمات الفلسطينية من الحكومة العراقية ضرورة اتخاذ خطوات ملموسة تخفف من معاناة ابناء فلسطين المقيمين على أرض العراق منذ عام 1948، وأولها: - حل مشكلة السكن والغاء ما تبقى من نظام السكن الجماعي في الملاجئ، ومنح الفلسطيني امكانات التملك، ووقف العمل بالقرار 23 الذي يقيد تملك الفلسطيني. - فتح فرص العمل ومنع تضييقها أمام الفلسطيني، فالحياة الكريمة اللائقة تسلحه وتزيده اصراراً على البقاء وتنزع من داخله التفكير بالهجرة الى أصقاع الأرض، وتجعل من حلمه في العودة واقعاً يومياً يذكره بأرض فلسطين. - الغاء القرار الذي ينص على ترقيم قيد أي لاجئ يغادر العراق لمدة ثلاث سنوات متواصلة. أخيراً لا بد من القول بأن الخطأ الكبير الذي تم ارتكابه عام 1951 تمثل برفض العراق لأسباب تنبع من موقع قومي، السماح لوكالة الاغاثة الدولية التابعة للأمم المتحدة الأونروا بتسجيل اللاجئين والاشراف على رعايتهم وتقديم الخدمات الصحية والاجتماعية والتعليمية لهم، وبذلك بقوا خارج سجلات اللاجئين المعتمدة لدى الأممالمتحدة، خصوصاً أنها الجهة الدولية الوحيدة التي تحتفظ بسجلات اللاجئين وذريتهم منذ عام النكبة. * كاتب فلسطيني، دمشق.