أحيا الفلسطينيون في الوطن والشتات أمس الذكرى ال66 لنكبة عام 1948 التي تمثلت في احتلال الجزء الأكبر من فلسطين التاريخية (78 في المئة منها)، وتشريد الجزء الأكبر من الشعب الفلسطيني (800 ألف نسمة)، وإقامة دولة إسرائيل على أنقاضهم. وأقيمت مسيرات ومهرجانات في التجمعات السكانية المختلفة، وأُطلقت صافرات الحداد من المساجد لمدة 66 ثانية عند منتصف النهار لتمثل سنوات النكبة ال66، في وقت سقط شهيدان في منطقة رام الله في مواجهات أثناء إحياء هذه الذكرى. وقال أطباء في مستشفى رام الله إن الشهيدين هما محمد أبو ظاهر (15 عاماً) ونديم نوارة (17 عاماً)، وكلاهما تلميذان في الثانوية، علماً بأن الأول أصيب بعيار ناري في القلب، والثاني بعيار ناري في الصدر، فيما أصيب ثلاثة فتية آخرون بأعيرة نارية، ووصفت إصابة احدهم، وهو محمد عزة، بأنها بالغة الخطورة. وقال شهود ل «الحياة» إن الجنود الإسرائيليين أطلقوا النار على نحو 150 فتى وشاباً كانوا يتظاهرون إحياء ليوم النكبة أمام معسكر للجيش يسمى «عوفر» غربي مدينة رام الله، وأصابوا الفتية الخمسة برصاص حي. وأضافوا أن الجنود تعمدوا إطلاق النار الحي على المتظاهرين بهدف إيقاع إصابات مباشرة بينهم. خطاب عباس وقال الرئيس محمود عباس في خطاب إلى الشعب الفلسطيني، إن السياسة الإسرائيلية «تغلق فرصة الوصول إلى حل الدولتين، لتفتح الطريق أمام أحد احتمالين، دولة ثنائية القومية أو نظام أبرتهايد عنصري على النمط الذي كان سائداً في جنوب إفريقيا». وقال إن الحكومة الإسرائيلية الحالية «لا تزال تعيش عقلية الماضي» و «تزداد تطرفاً وتعصباً»، مشيراً إلى تراجعها عن اتفاقات والتزامات سابقة، ووضعها شروطاً وصفها بأنها «تعجيزية»، مثل المطالبة بالاعتراف بيهودية إسرائيل. وقال إن هذه الحكومة «تسابق الزمن لتهويد القدس والتوسع في المخططات الاستيطانية». وأضاف: «في الذكرى السادسة والستين للنكبة، ندخل عاماً جديداً نأمل في أن يكون عام النهاية لمعاناتنا الطويلة، وبداية لمستقبل جديد لشعبنا ولأمتنا ولمنطقتنا. آن الأوان لإنهاء أطول احتلال في التاريخ الحديث، وآن الأوان لقادة إسرائيل أن يفهموا بأنه لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين، فهنا باقون وإلى هنا تتطلع أبصار اللاجئين الفلسطينيين وتخفق قلوبهم». وقال إن «فلسطين باتت على رأس جدول اهتمام العالم وقادته، ليس كقضية لاجئين، ولكن كقضية تحرر وطني واستقلال لشعب عظيم وعريق، برهنت عليه نتائج التصويت على مشروع قرار منح فلسطين صفة دولة مراقب غير عضو في الأممالمتحدة». وأقيمت في مدينة رام الله مسيرة شاحنات قديمة تعود إلى أربعينات القرن الماضي للتعبير عن عملية التهجير التي تعرض لها مئات آلاف الفلسطينيين في النكبة والذين أقاموا في 69 مخيماً للاجئين في باقي الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة، مثل الأردن ولبنان وسورية. ورفعت على تلك الشاحنات والسيارات الأعلام السود والأعلام الفلسطينية وشعارات تؤكد تمسك الشعب الفلسطيني بحق العودة. وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» محمود العالول في كلمة في مهرجان أقيم في نابلس: «إن شعبنا في أماكن وجوده يحيي هذا اليوم الذكرى ال66 من النكبة بالنضال من أجل العودة». ورفع أهالي الأسرى المضربين عن الطعام في السجون الإسرائيلية منذ 23 يوماً صور أبنائهم في المسيرات، مطالبين المجتمع الدولي بسرعة التدخل لإنقاذ حياتهم. وقال محافظ أريحا والأغوار ماجد الفتياني في كلمة في مهرجان في المدينة: «جئنا لنقول للقاصي والداني إن الأرض الفلسطينية أرضنا، وإن المارقين والغزاة لا بد يأتي يوم ويرحلوا عن أرضنا وأرض أجدادنا، وإن حق العودة مقدس لا تنازل عنه ولا يمكن أحداً أن يتنازل عنه فهو حق شخصي، ولنؤكد للاحتلال الإسرائيلي أن رهانه على الزمن فاشل، فها نحن بعد أكثر من ستة عقود أولادنا وأحفادنا يحفظون ويعرفون أزقة وحواري قرانا وبلداتنا في أراضي عام 1948 وكأنهم كانوا هناك ولعبوا بين أزقتها». وقال عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» سلطان أبو العينين في كلمة له: «لن يكون لنا وطن دون تعزيز الوحدة الوطنية». وشاركت حركة «حماس» في فعاليات إحياء النكبة في الضفة، كما شاركت حركة «فتح» في فعاليات إحيائها في قطاع غزة، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مصالحة بين الحركتين. مسيرات موحدة في غزة وفي قطاع غزة، أحيا آلاف الفلسطينيين ذكرى النكبة، ونظمت الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية مسيرات موحدة في هذه الذكرى رفعوا خلالها أعلام فلسطين وأسماء مدنهم وقراهم وبلداتهم المدمرة، وصوراً من الأرشيف تُظهر اللاجئين أثناء طردهم إلى الضفة وقطاع غزة ولبنان والأردن وسورية وغيرها من الدول. وجاءت المسيرة الأكبر قرب معبر بيت حانون (إيرز) الإسرائيلي شمال القطاع، فيما كانت الثانية شرق حي الشجاعية شرق مدينة غزة قرب معبر (ناحال عوز) الإسرائيلي. وعلى رغم أن فعاليات إحياء ذكرى النكبة جاءت في ظل أجواء وحدوية عقب توقيع اتفاق المصالحة، إلا أن ذلك لم يشفع للمواطنين المنكوبين الذين شاركوا في المسيرة شرق غزة. وقال صحافيون ل «الحياة» إن «عدداً من أفراد قوات الأمن الوطني (التابعة لحكومة حماس) اعتدوا بالضرب بالهراوات على عشرات المواطنين لمنعهم من الوصول إلى الشريط الحدودي» مع إسرائيل، ومن بين الصحافيين الذين تعرضوا للضرب مصور وكالة الصحافة الفرنسية محمد البابا ومصور وكالة «رويترز» للأنباء محمد جاد الله، الذي قال ل «الحياة» إن أفراد قوات الأمن الوطني اعتدوا عليه وعلى عدد آخر من الصحافيين «بالهراوات من دون أي سبب أو مبرر». وختمت اللجنة الوطنية العليا لإحياء ذكرى النكبة المسيرة الجماهيرية بمهرجان خطابي قرب مدخل بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، بمشاركة قادة من الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية، بما فيها «فتح» و «حماس». وجدد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح» الدكتور زكريا الأغا تمسك منظمة التحرير بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعدم التفريط به، كما جدد التمسك بعدم الاعتراف بإسرائيل «دولة يهودية». وقال في كلمته إن «الشعب الفلسطيني بعد إنجازه المصالحة أصبح أكثر قوة، وأكثر تمسكاً بحق العودة ورحيل الاحتلال عن أرض فلسطين»، مشدداً على أن «النضال سيستمر للأجيال المقبلة حتى عودة كل اللاجئين الفلسطينيين». بدوره، قال النائب الأول لرئيس المجلس التشريعي أحمد بحر، إن عودة كل اللاجئين تقترب يوماً بعد يوم، وإن المقاومة هي التي ستعيد الأرض والعرض. وأضاف في كلمته أن «الاحتلال لن يدوم طويلاً في احتلاله وغطرسته وعنجهيته ضد شعبنا، لأن تحرير الأرض أقرب من أي وقت مضى، وستعمل المقاومة على تسريع وتيرة عودة الأرض وإنهاء نكبة الشعب الفلسطيني». وطالب السلطة «بإنهاء المفاوضات التي لا خير منها والتي مل منها الشعب الفلسطيني، لأنها لا تحرر شبراً من أرض فلسطين». ولمناسبة ذكرى النكبة، أصدرت الفصائل بيانات شددت فيها على حق العودة وإنهاء الانقسام والتمسك بالثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني في وطنه وأرضه ومقدساته. ودعا بعض الفصائل الرئيس عباس إلى إنهاء المفاوضات مع إسرائيل وعدم العودة إليها مرة أخرى والتمسك بالمقاومة خياراً استراتيجياً لتحرير فلسطين، ومواجهة «المشروع الصهيوني» من خلال تجديد التمسك بالحقوق التاريخية والأهداف الوطنية لشعبنا، ورفض كل المشاريع السياسية التي تنتقص منها. من جهتها، أحيت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» ذكرى النكبة من خلال فعالية مركزية بمشاركة شعبية واسعة تحت عنوان «حملة تسليم الأمانة من جيل إلى جيل جسراً نحو العودة والتحرير». وجاءت الفعالية للمساهمة في بقاء الوطن حياً في الذاكرة عصياً على النسيان لدى الأجيال المقبلة. كما نصبت الجبهة في كل محافظة خيمة تحمل اسم مدينة من مدن فلسطين المدمرة التي تم تهجير أهلها منها عام 1948 «تأكيداً على أن حقنا في أرضنا لا يسقط بالتقادم، وأنه مهما طال الزمن فإن الحق سيعاد إلى أصحابه الأصليين». وبدأت الفعاليات من خيمة في مخيم رفح أقصى جنوب القطاع وامتدت إلى محافظات القطاع الأربع الأخرى. وأعلن عضو اللجنة المركزية العامة ل «الشعبية» محمد مكاوي، انطلاق الحملة الرمزية من مدينة رفح. وألقى «وصية الأمانة»، وقال فيها: «هذه حملة الوصية من جيل لجيل جسراً نحو العودة والتحرير... هذه يا ولدي وصية الشهداء... وصية الأجداد والآباء للأبناء نحملها من جيل لجيل أيقونة في الروح... فلسطين يا فلسطين أرواحنا لك الفداء». وأضاف: «خذ الوصية يا ولدي واحفظها كي لا تضيع ... اطوِ عليها شغاف قلبك... ذات صباح يا ولدي سنعبر الطريق الشاق على هدير الصدى... ووقع الخطى نرتل آيات العودة». وعقب ذلك، توجه وفد من الخيمة يتقدمهم المخاتير والأعيان إلى مدينة خان يونس من أجل تسليم الأمانة. وبموجب الحملة تم تسليم «الأمانة» بعد ذلك إلى محافظة وسط القطاع، ثم غزة، ثم شمال القطاع. عرب الداخل وفي الداخل الفلسطيني، شارك المئات من الفلسطينيين مساء أمس في مسيرة لإحياء النكبة في مدينة عكا التي يتعرض أهلها الفلسطينيون إلى مشاريع اقتلاع جديدة، تلاها مهرجان فنّي فلسطيني أكد صمود أهالي المدينة منذ 66 عاماً أمام ممارسات السلطات الإسرائيلية ومشاريعها لتهويد المدينة. ورفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية وشعارات «عكا ليست للبيع»، و «العودة حق مقدس»، و «من عكا مش طالعين، ولعكا وكل مدننا وقرانا في فلسطين اللاجئون راجعون». من جهة أخرى، قررت إدارة جامعة حيفا حظر النشاطات السياسية للطلاب العرب في أعقاب قيامهم بنشاط لإحياء النكبة، وقدمت خمسة طلاب عرب لمحكمة تأديبية. ورفع جيش الاحتلال في الضفة حال التأهب في صفوفه إلى أقصى درجة تحسباً لاندلاع «أعمال عنف» في مناسبة إحياء ذكرى يوم النكبة، حسب بيان للجيش. وأصدرت قيادة «المنطقة العسكرية الوسطى» المكلفة إدارة شؤون الأراضي المحتلة أوامر إلى القادة الميدانيين باتخاذ أقصى درجات الحذر واليقظة والتزوّد الوسائل اللازمة لتفريق تظاهرات.