من يهول اليوم في الغرب وبين بعض العرب من خطر شارون رئيسا للوزراء سيقف في الطليعة غداً لاعادة النظر في اسلوب محاسبة "شارون الجديد". فبعد ان يقوم الجنرال بمصافحة الرئيس الفلسطيني للمرة الاولى! سيدعي البعض ان الحاجز النفسي الاهم بين الشعبين قد سقط، فها هو اليمين المتطرف يعترف بالشعب الفلسطيني، وكأننا بحاجة الى اعترافه. وستقدم قمة شارون - عرفات على انها انجاز تاريخي، وسيقال ان مداعبة وابتسامة الدموي الاسرائيلي للرئيس الفلسطيني تشكلان خطوة مهمة على صعيد المصالحة التاريخية! ومن ثم يقوم شارون ببعض الخطوات المطمئنة، مثل سحب بعض المستوطنين في المناطق الساخنة في "نتساريم" في قلب قطاع غزة او من "كفار دروم" وغيرها من مناطق التماس القاتلة مع الفلسطينيين والتي لا يزيد عدد المستوطنين فيها عن بعض المئات، حتى نرجع لمقولة ان اليمين هو القادر فقط على صنع "السلام" وانه لا بد من اعطاء شارون فرصة. ولنتذكر ان شارون هو الذي اخلى مستوطنة "يميت" في سيناء بعد اتفاق كامب ديفيد في حين ان باراك رفع من وتيرة الاستيطان! وبهذا المعنى تنقلب التوقعات المتدنية من شارون ليطالبنا الغربيون من اصدقاء اسرائيل بان نعطيه فرصة، تماما كما طالبونا باعطاء بنيامين نتانياهو فرصة سنة 1996 وسندخل دوامة جديدة ومرحلة جديدة من العنف. والفارق السياسي الاهم بين باراك وشارون يمكن ان يسمح بمثل هذا الانقلاب في الرأي العام الغربي. فعلى خلاف باراك المتعجرف الذي يعتبر ان بامكانه التوصل الى سلام شامل ودائم مع الفلسطينيين ضمن الخطوط الحمر الاسرائيلية، فان شارون سيعرض اتفاقات مرحلية جديدة على العرب والفلسطينيين ستقدم على انها تراجع في موقف اليمين. الا ان شارون على درجة من العنصرية والكراهية للعرب تجعله ينفر من فكرة الحل النهائي باعتبار ان لا حل ممكناً معهم يكون مقبولاً للطرفين، وبذلك فهو يحضر عمليا لحرب استنزاف يمكن ان تشهد فترات من الهدوء النسبي اذا امكن التوصل الى بعض الاتفاقات المرحلية. وهذا بالذات ما سيعرضه شارون على الفلسطينيين: المزيد من المرحلية المشروطة بالاداء الامني او التعامل مع عرفات على انه سعد حداد. وسيحظى شارون بدعم الاحزاب اليمينية والدينية والوسطية التي ستؤيد عدم تخليه عن القدس والمستوطنات او عن "ارض اسرائيل" في "يهودا والسامرة"، اي الضفة الغربية. واذا استطاع لجم الفلسطينيين من دون ثمن باهظ دوليا او محليا فستعلو شعبيته بين الاسرائيليين. تكمن خطورة التعامل الايجابي مع شارون بصورة اساسية في مغزى ذلك عند الاسرائيليين. فاذا ما اعتبر الرأي العام الاسرائيلي ان سياسة انهاء الاحتلال مكلفة وان هناك طريقة ما للحفاظ على الاحتلال والقدس وعدم الاعتراف بحق العودة للاجئين الفلسطينيين فيما تحافظ اسرائيل على علاقات حسنة مع الغرب وبعض العرب، فان ذلك سيقف حاجزا امام ظهور تيار او قيادة اسرائيلية بديلة قادرة بالفعل على ان تصنع سلاما مع العرب. والسؤال هل سيضغط الغرب والعرب على الفلسطينيين بالقبول بالامر الواقع الاسرائيلي بعد الانتخابات وسيتعاملون مع شارون بحسب تصريحاته وتكتيكاته، ام بحسب استراتيجيته؟ وهل سيفرض العرب والغرب على اسرائيل انتاج قيادة بديلة من نوع ديكليرك تنهي التفرقة العنصرية او شارل ديغول ينهي الاحتلال، من خلال عملية مقاطعة ومحاصرة محلية ودولية مثلما جرى في جنوب افريقيا والجزائر وغيرها من الدول التي تحررت من الاحتلال والهيمنة؟ اذا فاز شارون، وهو الامر المرجح، فان سياسته ستؤدي لا محالة الى تثبيت وتعميق الكولونيالية الاسرائيلية على طريق التفرقة العنصرية المستعصية. وكلما طال أجلها كلما تحول الصراع الفلسطيني من صراع من اجل الدولة المستقلة الى صراع للوصول الى الدولة الثنائية القومية، وهذه ستتطلب نضالا من نوع جديد.