عن دار الزاهرة و"بيت الشعر" في رام الله، صدر حديثاً كتاب العدد لفصلية "الشعراء" الثقافية المتخصصة حاملاً عنوان "مدفن الأحياء - شهادات من المعتقل" للأسير في سجون الاحتلال الاسرائيلي وليد الهودلي... يقع الكتاب في 134 صفحة من القطع المتوسط. واستهلّ المؤلف كتابه قائلاً: "مرضى على وشك الرحيل، أجساد وأرواح تعتصر ألماً في مستشفى الرملة - فلسطين". وفي المقدمة يتناول المؤلف أوضاع المعتقلين والمرض الذي يفتك بهم فيقول: "تلاشت آهات يوسف العرعيد المكبوتة... لم تجد طريقها إلى نخوة المعتصم ولا إلى نخوة أبي جهل... انضم إلى الركب ورحل بصمت... شهداء قُتلوا بدم بارد على أسرّة المرض في سجون الاحتلال... عبد القادر أبو الفحم، عمر القاسم، يحيى الناطور، حسين عبيدات، معزوز دلال، رياض عدوان، والركب طويل... وإذا كان هناك من ينتظر الانضمام وينطوي على لهيب معاناته، فلا أقلّ من أنّ نقصَّ عليكم قبساً يسيراً من هذه المعاناة... صحيح أنّ صفحات الجرائد كثيراً ما شهدت ذكرهم، ولكن الجديد الآن هو ندخل إلى عالمهم، ونشاركهم خلجات قلوبهم، ونتفيأ ظلال أرواحهم... لن نثقل عليكم، سنعودهم بصحبتكم، ففي عيادة المريض أجر ومن السنّة أنّ تكون عيادة المريض قصيرة...". اثنتا عشرة "شهادة" مالحة وجارحة، كاوية تنزّ منها أفانين الوجع وطرائق الموت المعلن... حيث آلة الاحتلال تبدع ما استحدث من صنوف التعذيب والمرض يتسلّل إلى فراش المعتقلين، ويتسلّق الأجساد الغضّة الطريّة، ويهشّم طاقة الروح... عيادة السجن صورة أخرى للزنازين... معتقلون فلسطينيون وعرب يقبعون وراء القضبان، محمد أبو هدوان، عمر الخطيب، ياسر المؤذن، جمعة إسماعيل، علي شلالدة، نضال أبو عليا، فتحي زقوت، علي عياش البياتي، علاء الدين البازيان، ربحي هرشة، جلال رمّانة، ووليد الهودلي". أسرى الحرب العربية - الصهيونية فوق أرض فلسطين، هم موضوع كتاب ولدي الهودلي. وهو عاش التجربة العنيدة تلك، فقدّمها مثل رسالة. أعمار يقصفها الاحتلال يوماً بعد يوم، يحوّل العدو السجون إلى مدافن حقيقية تغيّب في دهاليز الحياة التي ما فتئ الاحتلال ينهبها وينهشها. أكثر من مانديلا ما زال رنين القيود في أيديهم، والعتمة توزع سوادها على المكان... ظلال في زوايا الزنازين تخرج أشباحها ونذرها القيامية... توحي بغبش تتكاثر دوائره وتتسع كشبكة عنكبوت. أخبار الأهل التي تترنّح عبر الهاتف... الدموع التي تثقب جدران الصمت والسكون... الحنين إلى الخارج والعيش أسوة بباقي عباد الله... كل ذلك وغيره يحدث هنا على أرض فلسطين... أيام قاسية وصعبة تلك التي تمرّ على هؤلاء الأبطال وهم يصفون ملحمة الفداء كلّ يوم، ويسطّرون في سفر البطولة أروع الأمثال. "في هذا الكتاب يقرّر الهودلي الذهاب إلى تلك المناطق السريّة مع المشروع الصهيوني، النقاط العميقة المملوءة بالدلالات والإشارات المذهلة. في الشهادات التي سجّلت بين دفتي الكتاب يأخذنا الهودلي من أيدينا ويهبط بنا درجات العتمة نحو مصائر وحيوات أخوة كدنا أن ننساهم هناك في الاعتقال الذي يبدو مثل مدفن الأحياء كما هو بالفعل، سيتّسع المشهد ويذهب إلى منابعه واسمه وكلامه".