بعد أربع سنوات من الصمت تخللها البحث عن حفيدته المفقودة، أصدر شاعر الأورغواي الكبير خوان جلمان ديواناً جديداً: "ثمن العناد". والقصائد التي تؤلف هذا الديوان كانت كتبت بين 1996 و2000. ولد جلمان عام 1930، دخل عالم الشعر من خلال كتابه "كمان ومسائل أخرى" 1956. أصدر منذ ذلك الحين أربعة وعشرين ديواناً شعرياً، عاش جلمان تحت رمز الشعر والنضال السياسي. وأمضى في المنفى اثني عشر عاماً من 1976 الى 1988 وعرف أهوال الحكم الديكتاتوري عندما اختطف ابنه مارسيلو وزوجته كلوديا التي كانت حاملاً ثم قُتلا. لم يُعرف شيء عن مصير الطفل ولم يستطع العثور على حفيدته التي بلغت الثالثة والعشرين من عمرها إلا من فترة قريبة وهي تجهل كل شيء عن أصولها... صدرت له في الفرنسية ثلاثة دواوين: "قصائد سيدني وست" 1997 و"مظلم بما يسعه" 1997 و"تبقى لنا الذاكرة" 1983. يقول الشاعر عن ديوانه الجديد: "ما يمكن ان ينتهي في شكل ديوان هو نتيجة هاجس يدفعك الى الكتابة، وهذا الهاجس يصعب فهمه أو تحديده. الكتاب ينتهي بانتهاء الهاجس. والقصائد التي جمعتها في هذا الديوان كتبت على مدى سنوات عدة. أدهشتني وحدة النبرة على رغم الانقطاع الذي كان يفرضه البحث عن حفيدتي والعثور عليها، كانت الكتابة قفزات فجائية متقطعة غالباً. خلال بحثي، وجدتني دفعة واحدة في مكان آخر بمواجهة عقلي وقلبي ومشاعري. ان استمرار هذه النبرة أو هذا الهاجس أمر لافت في ديوان "ثمن العناد"، استمرار غذّاه ربما البحث نفسه مما افترض استثماراً نفسياً وعاطفياً هائلاً". وعن مدى وفائه لشعاره: "أكتب كثيراً، صحّحْ قليلاً وارمِ الكثير جانباً" يقول: "في الواقع، القصيدة لا تنتهي. وكما يقول اوكتافيو باث، لا ننهي قصيدة بل نتخلى عنها. التصحيح مشروع وضروري. في ما مضى، كنت أكتب كل ليلة وأرمي جانباً كل ما لا أراه جيداً، خصوصاً عندما كنت أشعر انني اتحول الى آلة صغيرة لصناعة القصائد. كنت أكتب مجموعات من القصائد التي تصبح كتباً أو لا يقدر لها ذلك. لكن هذا العمل لم يكن يستغرق مني إلا شهرين أو ثلاثة على الأكثر، انها المرة الأولى التي استغرق العمل مني سنوات لأنهي كتاباً أقصد: "ثمن العناد". أما بالنسبة الى الجزء الثالث من الشعار، فلتكن الأشياء واضحة: رمي القصائد يعني القاءها في سلة المهملات ومن دون ندم". وعن عنوان ديوانه الجديد يقول: "هذا يعني لي أمرين: ان المعنى الشائع لهذا التعبير هو ما يستحق العناد أو لا. والمعنى الآخر يعبّر عن فكرة القيمة. لا أعرف إذا كان الأمر قابلاً للفهم. انه بشكل ما يعني ان نكون في مستوى الجهد وأن نستحقه وألا نتوقف عند حدود الألم البسيط". وعن سؤال حول أن قسماً كبيراً من قرائه لا يتوانى عن وصفه بالشاعر الملتزم، ومع ذلك نادرة هي القصائد التي كتبها ويمكن وصفها صراحة بأنها سياسية، فهل هو ضحية هذه السمعة، يجيب: "يتبادر الى ذهني تلقائياً بودلير الذي كان يعتبر ان العالم يقوم على سوء الفهم. هناك سوء فهم اضافي لكن ما همَّ؟ في رأيي، الشيء الوحيد الذي يساوي شيئاً في الشعر هو الشعر، والشعر يمكنه الكلام على كل شيء، على السياسة والثورة والاضرابات والحب والفراق، المهم ان يكون شعراً، كل شعر هو شعر مناسبات كما يقول غوته وهذا ما يعتقده ايلوار ايضاً". ويردّ على سؤال مفاده ان كان يفكر يوماً انه لن يكتب أبداً: "امضيت سنوات لم أكتب فيها شيئاً لأن الشعر في رأيي هو نتاج الضرورة. هناك جروح عميقة جداً في حياتي والمنفى أحدها، لكن الرغبة في الكتابة لم تفارقني، وعندما أضع خاتمة لمرحلة ما كما فعلت في هذا الكتاب، أجهل ان كنت سأعاود الكتابة أم لا". تبدو عناوين دواوين خوان جلمان معبّرة: "انقطاعات" 1988، "ناقصاً" 1997... يقول عن هذه الظاهرة: "المسألة هي اننا كل ما نفعله يعيد النظر في ما فعلناه سابقاً ويطرحه على بساط البحث، وما يدفعنا للكتابة هو عدم الرضى عمّا فعلناه سابقاً. وعدم عثورنا على ما كنا نبحث عنه. في الشعر، لا يمكننا ان نمنح أنفسنا ترفاً، لأننا على عجلة من أمرنا. الشعر يأتي أو لا يأتي، هناك شعراء يتركون الشعر وآخرون يتوقفون لأنه لم يعد لديهم ما يقولونه، يحدث ان يصيبنا التعب أو الوهن أحياناً". إعداد: ماري طوق