نيكي من مناضلة شابة تبلغ من العمر ثلاثين ربيعاً، محجبة - وفقاً لقوانين بلادها - واستطاعت النفاذ الى أعماق مجتمعها والتعبير عن حقوق أفراده. تقول إن نساء بلادها متحضرات ليبراليات مثقفات ومناضلات. ترفض الطرح الهوليوودي للسينما، وتنحاز الى الفن الجميل وتتعاطف مع توجهات السينما الأوروبية والأميركية المستقلة. درست في الولاياتالمتحدة وتعيش بمفردها في ايران، تعمل ممثلة عادة، ومخرجة لبعض الوقت. وآخر انجازاتها الفوز بلقب "أحسن ممثلة" في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ال25. "الحياة" التقتها وكان هذا الحوار: منذ متى احترفت التمثيل؟ - بدأت التمثيل وأنا في العاشرة وأعمل في السينما منذ 12 عاماً. وهل درست التمثيل؟ - درست التمثيل المسرحي، وأنا في الثامنة عشرة، ثم توجهت الى السينما وما زلت اعمل فيها حتى الآن، ولم أظن أن دراسة السينما ضرورية، لذلك لم أقدم عليها على رغم اعتزامي القيام بالإخراج وكتابة السيناريو وبدأت ذلك بالفعل. إذن انت معنية بفن السينما في المطلق ولست مجرد ممثلة او مجسدة ادوار تُكتب لها وتُخرج؟ - نعم فالسينما فن متكامل، وعلى من يحبه أو يعمل فيه أن يعي كل مفرداته ويمارسها، لذلك قمت في العام الماضي بكتابة فيلم تسجيلي عنوانه "أن تملك أو لا تملك" واخراجه. وهل هو استيحاء للفيلم الايراني "أن تكون او لا تكون" للمخرج كيانوش عياري؟ - هي مجرد مصادفة وإن كان المعنى واحداً في المطلق. ففيلمي يحكي معاناة سيدة بسبب عدم مقدرتها على الانجاب وفقدان المتعة في الحصول على طفل. أما فيلم المخرج كينانوش عياري فيحكي مأساة سيدة تحتضر وتبحث عن متطوع يتبرع لها بعضو من جسده لينقذ حياتها. وكلا الفيلمين يحاول الوصول بالمتلقي حال الرضى بمقدّرات الحياة والبحث عن السعادة والرضى الداخليين بثقة كبيرة بالنفس وفهم واع لسنن الله والكون. فكرة امرأة من أين جئت بهذه الفكرة؟ - ذات يوم أوقفني بكاء سيدة وأنا أقود سيارتي عائدة الى المنزل واذا بها تحكي لي بأسى ومرارة عن عدم مقدرتها على تحمل حياتها وبقائها هكذا من دون انجاب طفل، وهنا لمعت الفكرة في عقلي وقررت تحقيق فيلم يحكي مأساة هذه المرأة ومثيلاتها، صورته بالكامل في ايران وعرضته في نيويورك واوهايو ولوس انجليس. ألا تظنين أن تلك الأحاسيس ما زالت مبكرة على فتاة في عمرك. ومن ثم ألم يصعب عليك استيعابها بعمق والتعبير عنها؟ - أنا في الثلاثين من عمري، وتزوجت في سن الرابعة والعشرين لمدة شهر وطلقت ولم أتزوج للآن. ولا أظن أن الأمومة بعيدة مني. بل أرى ان انجاب طفل يعد مسؤولية كبيرة علينا جميعاً التفكير فيها طويلاً. لذلك أخاف من الفكرة ولا اظنني قادرة على خوض تلك التجربة الخطيرة. فإنجاب طفل في هذا العالم القاسي مسألة تستوجب الحذر والتفكير الطويل ولا اعتزم القيام بها الآن، وأكتفي بمعايشة اللحظة وجعلها ضمن الخطط البعيدة المدى والتي قد لا تتم. من الكتابة الى الاخراج ولماذا اقدمت على إخراج الفيلم وكتابته؟ - السنوات الثلاث الاخيرة شهدت أسوأ مرحلة بالنسبة الى السيناريوات التي قرأتها، فكل ما عرض عليّ كان من دون المستوى ولم ترضني لذلك اطلقت العنان لخيالي وابداعي الخاص في هذا العمل التسجيلي. وماذا بعد ذلك؟ - سأستمر في الإخراج والكتابة للسينما والبحث عن مواضيع لتجسيدها على الشاشة وبدأت ذلك بأفلام تجريبية انجزتها في مراحل سابقة بعد دراستي للفنون والتصميم في لوس انجليس في الولاياتالمتحدة، وحتى تصقل موهبتي سأستمر في انجاز الاعمال التسجيلية كمقدمة تؤهلني لإخراج الأفلام الروائية في ما بعد. انها خطوة مؤجلة لكنها مطروحة وبقوة في ذهني وخططي الفنية. أما العودة الى مقاعد التلاميذ واستكمال الدراسة فهي فكرة بعيدة كل البعد من مفكرتي العملية. ان تجاوزت الاطار الاكاديمي منذ وقت طويل ولا أنوي العودة اليه مجدداً. كم فيلماً في حياة نيكي كاريمي الفنية؟ - فيلم واحد اخرجته وسبعة عشر فيلماً جسدتها على شريط سينما، وكنت في جميعها الفتاة المناضلة من أجل الحق. حق الجميع في الحياة وحق المرأة في العيش بكرامة وعدالة كلفتني احياناً الكثير، فنضال المرأة في مجتمعنا الشرقي يعد خرقاً للقوانين والممنوعات المتعارف عليها، ولولا بقائي في المملكة المتحدة أثناء عرض فيلمي الاخير لكنت قابعة الآن خلف قضبان السجن. نفهم من ذلك ان المجتمع الايراني يرفض السينما ويحتقر مهنة التمثيل خصوصاً للمرأة؟ - الايرانيات في المجمل مثقفات ليبراليات ومناضلات بالفطرة، والمرأة الايرانية شريك شرعي في الحياة العامة ولا تتخلى ابداً عن قضايا مجتمعها وهموم وطنها. والسينما قناة فكر وثقافة ونضال على مدى التاريخ، لذلك كان ولا يزال لها وجود حقيقي بين سينمات العالم، بل تحتل السينما الايرانية مكاناً مهماً وفريداً على قمة اولويات المهرجانات الدولية وتحصد عادة اهم الجوائز. لذلك يحترم الجمهور فن السينما وينظر الى العاملين فيها - سواء كانوا رجالاً أم نساء - باحترام شديد. ولا اذكر انني تعرضت لأي إهانات أو تلميحات تخص مزاولتي فن التمثيل من أحد، حتى جيراني. هل تنوين ترك ايران في مرحلة معينة والاستقرار مع الاسرة في المملكة المتحدة أو الولاياتالمتحدة؟ - لن أترك ايران ابداً، فأنا أحب العيش فيها على رغم مشكلاتها وما نعانيه فيها أحياناً. أما السفر فهو للتعلم أو عرض الأفلام وزيارة الأهل، لا أكثر. ما نوعية الأفلام التي تستهوي نيكي كاريمي؟ - أحب السينما الجيدة واشجع العمل المتقن إخراجاً وكتابة، ولا توجد نوعية معينة من الافلام أميل اليها من دون غيرها. لذلك أقدر توجهات السينما الأوروبية والأميركية المستقلة ولا تستهويني السينما الهوليوودية بصناعتها وانتاجها الضخم. أما السينما العربية فلم أر منها شيئا وإن شاهدت أثناء فترة وجودي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي فيلم "أسرار البنات" ولمست جرأته واتقانه على مستوى الكتابة والتنفيذ، وشاهدت كذلك فيلم "السادات". هل من الممكن ان تشاركي في فيلم عربي؟ - إن كان حاجز اللغة غير مؤثر في العمل فلا مانع لدي شرط ان اظهر بغطاء الرأس وفقاً لتعاليم الإسلام التي تلتزم بها ايران ومنعاً لأي حرج قد يحدث نتيجة الإخلال بذلك. ما الذي أهلك للفوز بجائزة أحسن ممثلة في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال25؟ - ايماني الشديد بالدور وبشخصية الفتاة الايرانية التي جسدتها في العمل وهي نموذج موجود في المجتمع الايراني اردت التعبير عنه والتحدث بلسانه تضامناً مع افكاره وتوحداً مع مواقفه وتعاطفاً مع قضيته ونضاله من أجل الحرية والعدالة، واعجاباً ايضاً بجودة السيناريو واحكامه. فمنذ ثلاث سنوات عرض عليّ سيناريو فيلم "النصف الخفي" وهو مأخوذ عن كتاب صدر منذ سنوات وكنت قرأته ايضاً واعجبت به بشدة، وذلك في اعتقادي هو ما أهلني للقيام بهذا الدور بشكل جيد استحقيت عليه جائزة "أحسن ممثلة" في مهرجان القاهرة السينمائي.