فيلم "طائرة الورق"، خطوة جديدة تخطوها المخرجة رندة الشهال صباغ، إذ تطرق هذه المرة باب "الانتماء" و"الهوية". فمن خلال قصة زواج عبر حدود معينة، تتعامل شهال مع عملية تغيير هوية شابة، سعياً للوقوف على معنى "الحدود" وكيفية تحديدها "للهوية"، وامكان تحطيمها ل"الانتماء" أولاً. وقائع الفيلم تدور بين بلدتين درزيتين، إحداهما عربية والثانية خاضعة للاحتلال الاسرائيلي، حيث الفتاة لميا التي تنتقل من المنطقة العربية الى المنطقة الاسرائيلية لتتزوج أحد أفراد أسرتها. وبهذا الانتقال تفقد لميا الثوابت التي نشأت عليها، لأن أسرتها الجديدة أصبح انتماؤها اسرائيلياً - غربياً بفعل خضوعها للاحتلال وبالتالي ابتعادها عن تقاليدها. وتنشأ لدى لميا حال من الرفض لهذا الواقع، ليس رفضاً سياسياً وانما رفض عفوي، رفض فتاة مراهقة لم تنضج ينفتح أمامها بين ليلة وضحاها عالم جديد بأكمله لم تتمكن من استيعابه. وعلى رغم ان الأسرتين درزيتين وعربيتين، وتقيمان على مسافة قريبة الواحدة من الأخرى فإن الحدود التي تفصل بينهما جعلتهما مختلفتين. وخلت علاقة لميا مع اسرتها الجديدة من أي تشابه مع علاقتها بأسرتها، ما جعلها تختار لنفسها العزلة والانغلاق. وتقول الشهال انها لا تسعى عبر تناولها لهذه القضايا الى توجيه رسائل أو صوغ مواقف أو أجوبة، فالفيلم لا يحمل أي شيء من هذا النوع بل يكتفي بطرح الأفكار والتساؤلات. "فما معنى الحدود؟" تتساءل الشهال: "وهل ان رسمها في مكان محدد يجعلها كفيلة بتغيير سلوك شعب معين وعادات؟ وما هو تأثير الحدود على الانتماء؟ هل يضعفه أم يعززه؟". واختارت الشهال طرح هذه الأسئلة عبر جيل من المراهقين الذين يختلفون عن الأكبر منهم سناً في كونهم ولدوا في ظل أمر واقع، فتشير الى ان هؤلاء لا يعرفون تماماً انتماءاتهم، إذ انهم خاضعون لأحداث خارجية مفروضة عليهم ولا يسعون الى فهمها أو توضيح أسبابها. في الفيلم، تجد لميا نفسها في أسرة جديدة تنطق بالعبرية، أما هي فلغتها عربية. ان هذا أمر واقع تلمسه من دون أن تطرح على نفسها أسئلة بشأنه. فتكتفي بالاستسلام لشعورها في الغربة، الى أن تقرر التخلص منه بمحاولة العودة الى بلدتها، حيث تجد نفسها في مواجهة ما هو أقسى من الغربة. فقد بات هناك شرخ بينها وبين اسرتها، التي لم تعد تتقبلها، لأنها فقدت مكانها وسطها وباتت تنتمي الى الجانب الآخر. استخدمت الشهال في تصويرها "طائرة الورق" في منطقة البقاع الغربي تقنية "سكوب" نظراً لكون لقطات الفيلم تتطلب قدراً من العمق والمسافة، ما أضفى على المشاهد درجة بالغة من الدقة والوضوح. اضافة الى ذلك تتسم لقطات الفيلم بلمسة جمالية استثنائية، مردها، على حد قول الشهال، الى توافر الوقت امامها هذه المرة، للتفكير ملياً بالمشاهد المختلفة وبالزاوية التي تريد اعتمادها. الفيلم من انتاج همبير بلزان الذي سبق أن أنتج أفلاماً عدة عن العالم العربي منها الفيلم الأخير للمخرج المصري يوسف شاهين.