دخلت الحرب في أفغانستان منعطفاً جديداً بسقوط قاعدة تورا بورا والجبال المحيطة بها في أيدي المقاتلين البشتون الموالين للولايات المتحدة، وأسر 49 من مقاتلي تنظيم "القاعدة" بزعامة أسامة بن لادن، وقتل عشرات آخرون. لكن هذا النصر الذي يأتي بعد سقوط كابول وقندهار، لم يكن مكتملاً، إذ أخفقت القوات البشتونية في القبض على قادة "القاعدة" وفي مقدمهم بن لادن ورفاقه، ما أوجد نوعاً من خيبة أمل لدى واشنطن إزاء القادة الميدانيين الذين تحالفت معهم في المنطقة. واعترفت وزارة الدفاع الأميركية أمس أنها فقدت منذ أيام آثار أسامة بن لادن. وأشارت إلى أن قوات أفغانية مناهضة ل"طالبان" تتولى حالياً بمساعدة جنود من الوحدات الخاصة الأميركية عملية البحث عن الملا محمد عمر الذي يعتقد أنه يتحصن مع مئات من رجاله في مخابئ في منطقة قندهار. ونفى وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد أن تكون مهمة القضاء على شبكة "القاعدة" في افغانستان قد انتهت، مؤكداً أن ذلك يتطلب بعض الوقت للانتهاء من مقاتليها الذين ما زالوا يقاومون في الجبال. وفي المقابل، رفع العلم الاميركي فوق مقر السفارة الاميركية في كابول للمرة الأولى منذ عام 1989 في مراسم حضرها المبعوث الاميركي جيمس دوبنز وكبار المسؤولين المحليين، كما رفع العلم التركي فوق السفارة التركية في المدينة بحضور وزير الخارجية التركي اسماعيل جيم. وتزامن ذلك مع تسارع الترتيبات لنشر قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات في كابول، يبدأ وصول طلائعها في 22 الشهر الجاري موعد تسلم الحكومة الانتقالية برئاسة حميد كارزاي مهماتها. ويتوقع ان يصوت مجلس الامن اليوم على مشروع لنشر هذه القوة التي ستتولى بريطانيا قيادتها. وقال رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إن فترة تفويض تلك القوة لن تتجاوز بضعة أشهر. تورا بورا وسادت حال من الشك والقلق في باكستان إزاء إفلات مقاتلي تنظيم "القاعدة" من منطقة تورا بورا، وانباء عن لجوئهم الى حزام محاذ للحدود مع باكستان. وأفيد أن المنطقة التي لجأ إليها "الأفغان العرب" تكثر فيها الغابات والأحراج ويصعب رصدها من الجو كما يصعب اقتحامها. وعلمت "الحياة" أن عدد الأسرى العرب في جلال آباد وصل إلى 49 أسيراً، موزعين بين حاكم الولاية حاجي عبدالقدير 19 والقائد العسكري للولاية محمد زمان خان 14، والقائد الامني حضرت علي 16. وعرض بعض الاسرى لفترة وجيزة امس، أمام عشرات الصحافيين الذين ابقتهم القوات المحلية على مسافة بعيدة، وذلك في مدينة آغام كبرى مدن المنطقة التي تحمل الاسم نفسه على بعد كيلومترات من شمال تورا بورا. واحتشد سكان مدينة آغام لهذه المناسبة أيضاً. وبين الاسرى تسعة افغان وعشرة اجانب لم تحدد جنسياتهم. ولم يتسن للصحافيين التحدث إليهم. وبدت ملامح غالبية أولئك الأجانب عربية. واقتيدوا بمجموعات من ثلاثة أفراد من قبل حراسهم وحاولوا تغطية وجوههم كي لا تظهر في الصور. وبدت علامات الارهاق عليهم جميعاً، فيما كان عدد منهم مصاباً بجروح وبعضهم كان يعرج ويواجه صعوبة في السير. وترددت في جلال آباد امس، إشاعات عن تعرض "الأفغان العرب" في تورا بورا لمجزرة على غرار ما حصل في مزار الشريف، خصوصاً بعدما تحدثت حكومة جلال آباد المحلية عن مقتل 200 من القاعدة من دون ظهور جثثهم، فيما كانت ادعت خلال الأيام الماضية أن 300 من عناصر "القاعدة" استسلموا. وأفيد أن العشرات من "الأفغان العرب" تمكنوا من اللجوء إلى باكستان في ظل حال من الفوضى سادت جبهة القتال في تورا بورا، إذ أبلغت مصادر باكستانية موثوق بها "الحياة" أمس أن عدد العرب الذين تسللوا إلى باكستان وألقي القبض عليهم حتى الآن، زاد على تسعين مقاتلاً ثلثهم من المصابين. وبدا ان حال الفوضى تلك، امتدت إلى قندهار حيث تمكن أربعة من جرحى "القاعدة" الذين يرقدون في مستشفى ميرويس في المدينة من الهروب بمساعدة حراس المستشفى، ما استدعى استنفار القوات الأميركية الموجودة في المنطقة خوفاً من اقدام الفارين على تنفيذ هجمات انتحارية. وكان الجرحى العرب في مستشفى ميرويس والبالغ عددهم 13 زنروا انفسهم بأحزمة متفجرة، وذلك خشية تسليمهم الى القوات الأميركية. في غضون ذلك، تحدثت مصادر تحالف الشمال الأفغاني عن عثورها على مكان اختفاء زعيم حركة "طالبان" الملا محمد عمر في منطقة باجران في إقليم هلمند جنوب غربي أفغانستان حيث قالت إنه يتحصن مع 500 من أتباعه. وهددت بمهاجمته لتقديمه للمحاكمة خصوصاً أن الإدارة الأميركية ربطت نهاية حملتها على أفغانستان بالقبض على بن لادن والملا عمر. وأعلن ناطق في واشنطن ان وزارة الدفاع الاميركية لا تزال تجهل مكان وجود بن لادن والملا عمر، مؤكداً أن المعارك لا تزال متواصلة في تورا بورا حيث لجأت فلول قوات "القاعدة" بحسب الناطق الذي قال إن "العملية متواصلة والقصف مستمر". رامسفيلد وقال رامسفيلد لصحافيين على متن طائرة نقلته الى بروكسيل حيث سيشارك في اجتماع لوزراء دفاع دول حلف شمال الاطلسي ان "اولى قواعد الحرب هي أن قرار تحقيق هدف ما يعود للرؤساء". وتراجع وزير الدفاع عن التصريحات التي أدلى بها أول من أمس، وزير الخارجية كولن باول في مقابلة مع شبكة "فوكس" التلفزيونية التي اعتبر فيها أن شبكة "القاعدة" في أفغانستان سحقت. وبعدما أكد رغبته في ألا تتعارض تصريحاته مع تصريحات "صديقه"، قال رامسفيلد: "لا يزال هناك عناصر من القاعدة أحراراً في هذا البلد كما يعلم الوزير باول". وأضاف: "لهذا السبب نحن هناك، ولهذا السبب نقاتلهم ونقصفهم. ولذلك أيضاً نعمل مع القوات الافغانية على إخراجهم من الانفاق". وتابع: "صحيح انهم يفرون ويختبئون ولا يهيمنون على افغانستان كما كانوا يفعلون. ومن الصحيح أيضاً ان حركة "طالبان" لم تعد تشكل الحكومة الشرعية في افغانستان، على افتراض انها كانت كذلك في أحد الأيام". وأوضح رامسفيلد: "لكن لا يزال هناك الكثير من عناصر "طالبان" في البلاد وما زالوا مسلحين. إن ذلك سيستلزم وقتاًً وطاقة وجهداًً، وهناك اشخاص سيقتلون لدى محاولتهم العثور عليهم واعتقالهم او التوصل الى استسلامهم". وقال إن القوات الاميركية الخاصة تقوم حالياً بالبحث عن عناصر "القاعدة" في الجبال وعن وثائق في الملاجئ تحت الأرض. وتابع: "يجدر القول إنه يبدو أنهم صادروا عدداً لا يستهان به من الذخائر الصينية". وأوضح أن نحو 30 مقاتلاً من "القاعدة" اعتقلوا في المعارك من دون ان يتسنى له تحديد هوياتهم أو أهميتهم في شبكة "القاعدة". وقال: "لا نزال نحاول معرفة من هم الاشخاص الذين اعتقلوا وكذلك الذين لم يعتقلوا إضافة الى القتلى. وذلك ليس أمراً سهلاً".