لم تُثر موافقة مجلس الوزراء اللبناني، ليل الاربعاء، على طلب وزارة الأشغال قبول هبة قدمتها الشركة اللبنانية للكيماويات أي حديث عن فضيحة، على رغم أن الشركة كانت موضع إخبار تقدمت به منظمة "غرينبيس" قبل نحو سنة ضدها بتهمة تلويث البيئة المحيطة بمنشآتها في منطقة سلعاتا شمال لبنان، وادعاء القضاء على الشركة وإحالة القضية على قاضي التحقيق في البترون... ولا يزال الملف مفتوحاً. كان تحرك المنظمة لكشف حجم التلوث حظي برعاية رئيس الجمهورية اميل لحود شخصياً إذ اعترض قبل شهور على تصرف القوى الأمنية حيال الناشطين البيئيين الذين حاولوا التوجه الى منشآت الشركة للاحتجاج على التلوث الناجم عن نشاطها الصناعي، والذي يطاول الجو والتربة والبحر. ومن المفارقات أن إعلان الموافقة على الهبة المقدمة من الشركة جاء عشية مؤتمر صحافي ثلاثي عقد أمس في فندق "لو غبريال" لمسؤولة حملات "غرينبيس" في لبنان زينة الحاج ونقيب الغطاسين المحترفين في لبنان محمد السارجي وأحد صيادي الأسماك في المنطقة المتضررة توفيق عسال لكشف حجم الكارثة البيئية التي حلت بمياه خليج سلعاتا نتيجة النفايات الكيماوية التي تطرحها الشركة في البحر. وأظهر شريط مصور مدته تسع دقائق لقطات لقعر البحر وقد أصابه ما يشبه التصحر إذ غطته طبقات عدة من الجص الفوسفوري. وقال النقيب السارجي: "إن الصخور التي اشتهرت بها هذه المنطقة والتي كانت تشكل ملجأ للأسماك تفتتت تحت أيدي الغطاسين، حتى أن قضيباً بطول متر وأكثر، كان يمكن إدخاله بسهولة في الصخور". وأظهر الشريط الذي التقط من البحر قبالة منشآت الشركة، كيف أن الأخيرة لجأت الى تغطية مساربها الى البحر، وهي ثلاثة بما يشبه الستائر الحديد لحجب رؤية ما تقذفه هذه المسارب الى البحر من سوائل بيض وصفر، هي عبارة عن مواد سامة كما قالت الحاج "وهي تصب بوتيرة 25 ألف متر مكعب في اليوم وبحسب نتائج تحاليل لعينات أخذتها المنظمة من أنبوب الصرف، تحتوي نسباً مرتفعة من الكروم والزنك والكادميوم والفاناديوم وبعض الهيدروكربونات الهالوجينية، والكاديوم معروف عنه أنه سام جداً للبيئة البحرية، ويسبب تعرض الإنسان أو الحيوانات لنسب مرتفعة منه أضراراً في الكلي وضعفاً في العظام وهو سبب للسرطان". وتحدث الصياد عسال عن "فناء الحياة البحرية في هذه المنطقة التي كانت معروفة بأنواع الأسماك المقيمة والموسمية الى جانب الإسفنج الذي انقرض وبات صيادوه يسافرون الى خليج سرت في ليبيا لممارسة هذه المهنة". المعروف أن "معمل سلعاتا"، وهو الاسم المتداول لمنشآت الشركة اللبنانية للكيماويات، بدأ نشاطه عام 1957 وتوقف خلال الثمانينات بسبب الحرب، وهو يقع على رأس سلعاتا على بعد 55 كلم شمال بيروت واشتهر بمينائه الطبيعي ووفرة الحياة البحرية المميزة فيه. واسم سلعاتا يعني "الصخور الصلبة". وكانت تقوم على أرض المعمل قلعة صليبية معروفة باسم "البرج". ويعتبر المعمل بين أكبر عشر شركات صناعية في لبنان، وهو ينتج السماد الكيماوي ويستورد المواد الأولية، وأبرزها حجر الفوسفات من سورية. الشركة التي نفت مراراً تلويثها للبيئة كانت ساندتها في الرأي وزارة البيئة قبل مدة، حين حمل ناشطو "غرينبيس" عينات المياه الملوثة الى أبوابها. وكان مطلب المنظمة من الشركة اتباع تقنيات نظيفة في الإنتاج، ما يعني عملياً التحول من إنتاج السماد الكيماوي الى السماد العضوي، علماً بأن صادرات الشركة من سمادها الكيماوي يشكل نسبة 97 في المئة من إنتاجها، وتعد بلدان الاتحاد الأوروبي المستورد الأساسي لها، بعدما تراجعت القدرة الإنتاجية في هذه الدول منذ أوائل الثمانينات، نتيجة إقفال الكثير من المعامل بسبب كلفة الإنتاج المرتفعة الناجمة عن المعايير البيئية المفروضة في هذه الدول، وأول خطوة اقترحها نقيب الغطاسين أن "يغطس" الرئيس لحود شخصياً الى قعر البحر في تلك المنطقة للتأكد من حجم الكارثة وهو الذي أسرّ امام وفد "غرينبيس" نتيجة مزاولته للغطس كما قالت الحاج، ان البحر اللبناني ملوث والوضع يزداد سوءاً، وذلك الى حين إيجاد حل لتدارك الكارثة القائمة علماً أن ثمة من يهمس ان الشركة المذكورة تتمتع بغطاء سياسي.