ظهرت اسماء تونسيين مشتبه بكونهم على علاقة مع حركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة" قبل احداث 11 ايلول سبتمبر الماضي عندما اعتقلت سلطات الامن الايطالية خلية في ميلانو قيل ان عناصرها تلقوا تدريبات في افغانستان ويسعون الى انتداب اعضاء جدد الى تنظيم "القاعدة". وتركز الضوء على سامي بن خميس الصيد احد العناصر المفترضين للخلية والذي عاودت الشرطة الايطالية اعتقاله بعد تفجيرات نيويورك وواشنطن. ويُشتبه في انه اجتمع في اسبانيا مع محمد عطا أحد خاطفي الطائرتين اللتين صدمتا برجي مركز التجارة العالمية في نيويورك. وكانت اولى خيوط ظاهرة "الافغان التونسيون" طفت على السطح لدى اعتقال عناصر من تنظيم يفطلق عليه اسم "أهل السنة والجماعة" في العامين 1997 و1998. لكن يرجح انهم كانوا يتلقون تدريبات للمشاركة في اعمال جهادية في البوسنة وافغانستان وليست لديهم مخططات لزعزعة الحكم في تونس. لفت تصريح أدلى به أخيراً الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ريتشارد باوتشر الانظار الى احتمال وجود "افغان تونسيين" قد يشكلون حلقة من حلقات الارهاب الدولي. اذ انه نفى في شدة معلومات عن وجود قواعد في تونس لشبكة "القاعدة". وقال: "لا اعتقد أننا ادلينا بتصريحات رسمية بهذا الخصوص". وعلى رغم نفيه هذا، الا ان تصريحه اثار تساؤلات في شأن إمكان وجود شبكة تونسية مرتبطة ب"القاعدة". صحيح ان تونس، البلد الصغير الذي تسيطر الدولة المركزية تاريخياً على كل منطقة من مناطقه، لا يمكن ان تُزرع فيه قواعد لشبكات أصولية متشددة في ظل الحملة التي تشنها السلطات منذ مطلع التسعينات على الاسلام السياسي والتي أدت الى إحالة آلاف من انصار حركة "النهضة" الاسلامية المحظورة على المحاكم وما زال نحو الفين منهم يقبعون في السجون طبقاً لتقديرات منظمة العفو الدولية. لكن السؤال الذي تردد على الالسنة بعد كثرة التقارير التي نُشرت عن "الافغان العرب" على خلفية الاحداث الجارية في افغانستان هو: "هل هناك أفغان تونسيون؟". وطبعاً تتبادر الى الذهن اسئلة أخرى حول اعدادهم وعلاقاتهم بحركة "طالبان" وتنظيم "القاعدة"، والادوار التي يمكن ان يكونوا لعبوها في فترة الاحتلال السوفياتي لافغانستان او لاحقاً، خصوصاً موقفهم من الحكم في تونس ومدى سعيهم للعودة الى بلدهم. 400 "افغاني"؟ "لا وجود لأفغان تونسيين. هذا مجرد اختلاق من بعض الاجهزة التي تسعى الى تبرير استمرار الحملات على الاسلاميين". بهذه الكلمات يعلق المحامي عبدالرؤوف العيادي على الانباء التي ترددت حول وجود تونسيين تدربوا على استخدام الاسلحة والمتفجرات في معسكرات في افغانستان. وكان العيادي الذي يشغل منصب عضو في هيئة نقابة المحامين التونسيين، ترافع عن الاسلاميين في المحاكمات الكبيرة التي طاولات آلافاً من أنصار حركة "النهضة" المحظورة مطلع التسعينات. ولما سئل عما نسبته محاضر الشرطة الى ناشطين "نهضويين" قيل انهم كانوا يخططون للحصول على صاروخ من طراز "ستينغر" من افغانستان لاطلاقه على طائرة الرئيس زين العابدين بن علي، رد المحامي بأن المحاضر تحدثت عن "مجرد فكرة لم تنتقل ابداً الى مراحل التنفيذ. ولم يذهب أحد الى افغانستان لانهم أدركوا ان الاميركيين يتابعون كل قطعة سلاح تُسلم الى الفصائل الافغانية ويعرفون كيف استخدمت وأين". الا ان وزير الخارجية السابق محمد المستيري الذي أرسله الأمين العام السابق للامم المتحدة بطرس غالي موفداً خاصاً له الى افغانستان من السنة 1994 الى السنة 1996 أكد ل"الحياة" انه شاهد مئات التونسيين في بيشاور يعملون مع المجاهدين. وقدر المستيري عددهم ب400 شخص طبقاً لما نقل اليه مساعدوه في ذلك الوقت. واضاف ان اعدادهم أقل بكثير من اعداد "الافغان" المصريين والجزائريين واليمنيين. فالجزائريون مثلاً كانوا يقدرون ب2500 عنصر. وقال انه حاول الاجتماع معهم للتعرف اليهم لكن ذلك لم يكن ممكناً. وعزا عدم رغبتهم بملاقاته الى ان هدفهم الرئيسي كان مركزاً على المشاركة في الصراع الدائر بين الفصائل الافغانية لاقامة حكم اسلامي في البلد. مع ذلك ظهرت في الفترة الأخيرة معلومات صحافية عن وجود شبكات لتونسيين في أوروبا يُعتقد انهم على صلة بحركة "طالبان" وشبكات "القاعدة"، فيما اعتقلت سلطات الامن التونسية أربعة عناصر سيمثلون أمام القضاء قريباً بتهمة الانتماء الى جماعتي "جبهة الانقاذ" التونسية غير المعروفة سابقاً و"أهل الجماعة والسنة" وتلقي تدريبات في افغانستان. "جبهة اسلامية" قبل اندلاع أحداث 11 ايلول سبتمبر الماضي بفترة طويلة اعتقلت اجهزة الامن التونسية معز بوحوش العائد من ايطاليا. حصل ذلك في صيف 1997 وقيل وقتها انه ينتمي الى مجموعة قتالية في مقاطعة بولونيا الايطالية على علاقة ب"طالبان" ودانت محكمة عسكرية تونسية العام التالي بوحوش واعضاء التنظيم السبعة عشر وقررت حبسه ثمانية اعوام. وذكرت افادات بوحوش لدى الشرطة انه انضم الى تنظيم "الجبهة الاسلامية بتونس" في العام 1992 وان تونسياً آخر يدعى محمد سعيداني واسمه الحركي "ابو معاذ" هو الذي اقنعه اثناء اقامته في مدينة بولونيا الايطالية بالانضمام الى الجبهة التي نسب اليها "العمل الثوري المسلح لاطاحة النظام في تونس". وكذلك أفاد بوحوش انه سافر الى البوسنة في العام 1994 لدعم المسلمين في الحرب مع الصرب وتلقى تدريبات عسكرية هناك على ايدي الجزائري "ابو المعالي" ثم عاد الى تونس. بعد اعتقال معز بوحوش صيف 1997 القت السلطات التونسية القبض على ثلاثة عناصر هم مهدي خوجة وطارق بن الشيخ ومنذر حميد اضافة الى ناشط من "مجموعة بولونيا" هو محمد علي بولسين في ايلول سبتمبر 1997. وتمت مقاضاتهم مع بوحوش وشخصين آخرين يدعيان عادل الطرابلسي وعبدالعزيز العلوي امام محكمة عسكرية في العاصمة التونسية بتهمة "وضع النفس زمن السلم تحت تصرف منظمة ارهابية تعمل في الخارج" وهي التهمة التي وجهت ايضاً الى عشرة متهمين اعتبروا في حال فرار من العدالة من ضمنهم محمد سعيداني. ودانتهم المحكمة بالانتماء الى "الجبهة الاسلامية بتونس" التي قيل ان تونسياً يدعى محمد علي الحراث اسسها. وكان الحراث الذي ولد في مدينة سيد بوزيد جنوب العام 1963 من سكان ضواحي العاصمة تونس قبل هجرته. وقررت محكمة في شباط فبراير العام 1999 سجن بوحوش ثمانية اعوام وطارق بن الشيخ سبعة اعوام فيما نال كل من مهدي خوجة ومنذر حميد ومحمد علي بولسين وعبدالعزيز العلوي ستة اعوام وعادل الطرابلسي ثلاثة اعوام. كما سلط عقاب غيابي مدته عشرة اعوام على العناصر الفارة وعددها عشرة. وكانت محكمة عسكرية اولى قاضتهم في صيف العام 1998 - عدا محمد علي الحراث - بتهمة الانتماء الى تنظيم "أهل السنة والجماعة". ويصدر التنظيم نشرة من لندن اسمها "النهج" ويعتمد اعضاؤه على كتاب مرجعي للتكوين العقائدي هو "شرح العمدة في اعداد العدة" لعبد القادر عبدالعزيز اضافة الى كتاب "الجهاد" للفلسطيني الراحل عبدالله عزام. ويعتقد انه يرسل اعضاءه للقيام بنشاطات في افغانستان والبوسنة واليمن والسودان، الى جانب نشاطهم في ايطاليا. واشارت تقارير استخباراتية الى ان حركة "أهل السنة والجماعة" تشبه في تنظيمها "الجماعة الاسلامية" في مصر و"الجماعة الاسلامية المسلحة" في الجزائر و"الجماعة السلفية" في ليبيا. الا ان مصادر أخرى رأت فرقاً جوهرياً بينها على أساس ان تنظيم "اهل السنة والجماعة" تيار يركز على الدعوة مثل "حركة التبليغ" وليس حاملاً لمشروع اسلامي معارض للسلطة السياسية في تونس، وهو يوجه انظاره لدى الدعوة الى الجهاد نحو دعم المسلمين في خطوط التماس مع اعدائهم مثل البوسنة وافغانستان والشيشان. مع ذلك اكدت التقارير الاستخباراتية وجود مجموعات من "اهل السنة والجماعة" في ايطاليا بينها "مجموعة لومبارديا" التي يقودها يوسف عبداوي واسمه الحركة "ابو عبد الله" ويعمل معه في المجموعة طارق الشيخ الذي اعتقل لاحقاً في تونس، و"مجموعة مقاطعة بولونيا" التي يقودها محمد سعيداني و"مجموعة بوستر سيزو" ومن عناصرها مهدي خوجة الذي اعتقل ودانته محكمة عسكرية في العام 1999 و"مجموعة فاريزي" التي من ضمن عناصرها منذر حميد. لكن التقارير لم تشر الى حجم هذه المجموعات او ما اذا ضبطت مجموعات مماثلة في مقاطعات ايطالية اخرى. والارجح انها مجرد خلايا كانت ترسل اعضاءها الى البوسنة وافغانستان لتلقي التدريبات بغية القتال في صفوف "المجاهدين" هناك. تكوين عقائدي وافيد ان الجماعة كانت ترسل عناصرها الى اليمن للتكوين العقائدي لكن لم تحدد الجهة التي تعطي هذا النوع من التكوين ولا المنطقة التي يتم فيها التكوين، فيما ترسل اعضاءها الى افغانستان "للتدريب على حرب العصابات" بالتنسيق مع "طالبان" وذكر اسم التونسي سيف الاسلام بن حسين واسمه الحركي "ابو عبدالله" بوصفه المشرف على تدريبات التونسيين في افغانستان. ويبدو ان سامي بن خميس صيد حل محل يوسف عبداوي في قيادة المجموعة الايطالية بعدما اعتقل الاول في اطار حملة امنية احتياطية نفذتها الشرطة الايطالية قبيل انطلاق مباريات كأس العالم لكرة القدم في فرنسا العام 1998. واطلق عبداوي بعد نهاية المباريات، الا ان تلك الفرصة اتاحت لسامي بن خميس ان يطفو على السطح وهو احد العناصر التي تلقت تدريبات في افغانستان الى جانب عبدالوهاب حميد ومختار بوشوشة ورضا اليزيدي ومهدي كمون. وسرعان ما اعتقل الامن الايطالي بن خميس وتونسيين آخرين بعد الاشتباه بكونهم على علاقة بخطة لتفجير السفارة الاميركية في روما ثم عاد واطلقهم في نيسان ابريل الماضي. وفي الفترة الاخيرة تسلمت اجهزة الامن التونسية من الاجهزة الايطالية المماثلة عبدالباسط الدالي الذي اشتبه بكونه على علاقة مع تنظيم "اهل السنة والجماعة" بعدما صار يتردد على مسجد روما، وهو احد اصدقاء سعيداني وقيل انه كان مرتبطاً مع اردني مقيم في لندن يدعى "ابو قتادة" وعنصر تونسي يقيم في لندن ايضاً ويدعى ف. م. ابو الفضل. لكن الاهم هو اعتقال سعيداني بعدما سلمه الامن الايطالي الى السلطات التونسية في الاسابيع الاخيرة، ويتوقع ان يمثل قريباً امام القضاء. وتزامن اعتقاله مع تسليم السلطات الجزائرية ناشطاً آخر يدعى بشير بن زايد الى الامن التونسي، وهو احد العناصر التي انتقلت من ايطاليا الى الجزائر عبر اسبانيا للقتال مع الجماعات المسلحة. وتردد ان شبكة جزائرية متخصصة بتزوير الجوازات سبق ان أمنت لاعضاء في "أهل السنة والجماعة" جوازات للسفر الى البوسنة وافغانستان بهويات مزورة. وذكرت في هذا الاطار اسماء من ضمنها مختار بوشوشة الذي عاد من افغانستان الى ايطاليا ثم ارسل الى اسبانيا حيث انتقل من ميناء اليكانتي الى الجزائر للالتحاق بالجماعات المسلحة، الا انه اعتقل حال وصوله. وكذلك الشأن بالنسبة الى اسعد ساسي وعبدالوهاب حميد وزهير الريابي ويعتقد انهم سيمثلون قريباً امام محكمة عسكرية في تونس بعد استكمال التحقيقات معهم. "شبكة" في ميلانو في غضون ذلك القت الشرطة الايطالية القبض اواسط الشهر الماضي على خمسة عناصر في ميلانو اشتبهت في كونهم على علاقة مع تنظيم "القاعدة" وبينهم ثلاثة تونسيين. واتت الاعتقالات على خلفية حملة مماثلة قامت بها الاجهزة الايطالية في نيسان ابريل الماضي بأمر من قاضي مكافحة الارهاب في ميلانو ستيفانو دمبروزو وكان احد العناصر البازة فيها سامي بن خميس الصيد. وزعمت مصادر امنية ايطالية ان عناصر المجموعة وكلهم من التونسيين ينتمون الى خلية مؤلفة من عشرة اعضاء ومركزها في بلدة بوستو ارسيزيو الواقعة على مسافة ثلاثين كيلومتراً شمال غربي ميلانو، ونسبت اليهم انه تلقوا دورات في معسكرات تدريب تابعة لتنظيم "القاعدة" في افغانستان وكلفوا انتداب عناصر جديدة لتعزيز التنظيم في اوروبا. لكن محامين شككوا في هذه المعلومات لان "القاعدة" تعتمد في عملياتها على عدد قليل من الاشخاص ولا تسعى الى توسيع دائرة عناصرها خشية الاختراقات الامنية. اكثر من ذلك عاود القضاء الايطالي استنطاق سامي بن خميس الصيد الذي كان اعتقل في نيسان الماضي واطلق لاحقاً للاشتباه في كونه اجتماع في اسبانيا مع محمد عطا الذي حول وجهة احدى الطائرتين اللتين صدمتا برجي مركز التجارة في نيويورك. ويشتبه في كون الصيد ومجموعته لعبت دوراً في تأمين دعم لوجيستي لشبكات تابعة لتنظيم "القاعدة" في مقاطعة "لومباردي" الايطالية حيث استأجرت بيوتاً قد تكون خصصت لايواء عناصر من التنظيم. ويعتقد ان السلطات الايطالية ستقاضي اعضاء الشبكات الخمسة ثلاثة تونسيين ومصري وليبي بتهمة حيازة متفجرات وتجارة الاسلحة وتشكيل "جماعة من الاشرار".