الأخضر يغادر إلى أستراليا السبت استعدادا لتصفيات مونديال 2026    القبض على مواطن في جازان لترويجه (11) كجم "حشيش"    نونو سانتو يفوز بجائزة مدرب شهر أكتوبر بالدوري الإنجليزي    أربع ملايين زائر ل «موسم الرياض» في أقل من شهر    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    بطلة عام 2023 تودّع نهائيات رابطة محترفات التنس.. وقمة مرتقبة تجمع سابالينكا بكوكو جوف    نيمار: 3 أخبار كاذبة شاهدتها عني    رفع الإيقاف عن 50 مليون متر مربع من أراضي شمال الرياض ومشروع تطوير المربع الجديد    أمانة الطائف تجهز أكثر من 200 حديقة عامة لاستقبال الزوار في الإجازة    المودة عضواً مراقباً في موتمر COP16 بالرياض    مبارة كرة قدم تفجر أزمة بين هولندا وإسرائيل    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    5 طرق للتخلص من النعاس    «مهاجمون حُراس»    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    «التعليم»: تسليم إشعارات إكمال الطلاب الراسبين بالمواد الدراسية قبل إجازة الخريف    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    الموسيقى.. عقيدة الشعر    في شعرية المقدمات الروائية    الهايكو رحلة شعرية في ضيافة كرسي الأدب السعودي    ما سطر في صفحات الكتمان    الهلال يهدي النصر نقطة    البنك المركزي السعودي يخفّض معدل اتفاقيات إعادة الشراء وإعادة الشراء المعاكس    حديقة ثلجية    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    «الدبلوماسية الدولية» تقف عاجزة أمام التصعيد في لبنان    لصوص الثواني !    مهجورة سهواً.. أم حنين للماضي؟    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    جودة خدمات ورفاهية    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    من توثيق الذكريات إلى القصص اليومية    الأزرق في حضن نيمار    نائب أمير الشرقية يطلع على جهود اللجنة اللوجستية بغرفة الشرقية    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأساطير الأدبية الى الشاشة وملايين المتفرجين . هاري بوتر الساحر بابتسامة عريضة ونفس بلا روح
نشر في الحياة يوم 30 - 11 - 2001

عندما تم التباحث مع المخرج ستيفن سبيلبرغ في إنجاز الفيلم الأول من السلسلة المزمع انتاجها من روايات "هاري بوتر"، بدا أن شركة وورنر، التي موّلت المشروع ب125 مليون دولار، اختارت أفضل من يمكن له تحقيق مثل هذا العمل. سبيلبرغ عمل سابقاً مع معطيات الفيلم الترفيهي المستمد من أحداث يقودها الصغار، كما أنه تعامل دائماً مع ذلك النوع من الخيال البريء ولو ظاهراً وأبعاده. "إي تي" و"لقاءات قريبة من النوع الثالث" ليسا الفيلمين الوحيدين اللذين صرف سبيلبرغ الوقت والجهد لإنجاز عالم كلي من الغرابة والترفيه فيهما، بل هناك أيضاً "هوك" الذي غازل رواية "بيتر بان" وشخصياتها وهناك أفضل أفلامه ومن أقلها شهرة "امبراطورية الشمس" الذي دفع فيه بطله الشاب كريستيان بايل الآن ممثل جاد وموهوب الى مغامرة تنتقل من فانتازيا البراءة الى جحيم الحرب.
لكن سبيلبرغ الذي وافق مبدئيا على إخراج "هاري بوتر"، عاد فأعلن انسحابه منه. لم يكشف عن السبب آنذاك، لكن حين سألناه تفسيراً خلال المقابلة التي تمت على مشارف عرض "ذكاء اصطناعي" ايضاً مغامرة ولادية بين الفانتازيا والجحيم قال: "لم أشعر بأن "هاري بوتر" يشكل تحدياً ما بالنسبة إليَّ. لقد أخرجت مثل هذه القصص من قبل. كنت أبحث عن شيء جديد و"ذكاء اصطناعي" الذي أخرجه سبيلبرغ عوضاً عن "هاري بوتر" بدا لي الاختيار الصحيح".
ساحر أم فيلسوف؟
الآن يصل "هاري بوتر" من توقيع مخرج آخر عُرف بتعامله مع الأطفال هو كريس كولومبوس كان يُوَقِّع في مطلع عهده بإسم كريستوفر كولومبوس ثم امتنع - السبب واضح!. فكولومبوس أنجز - في ما أنجز - فيلمين من أنجح الأعمال التي قاد بطولتها صغار، هما "في البيت وحده" و"في البيت وحده 2" اللذان قام ببطولتهما مولكهاي كولكين كبر بدوره واختفى بعد متاعب عائلية و"وورنر" وجدت أن كولومبوس هو اختيار صالح. لقد حقق الفيلمان المذكوران أكثر من 300 مليون دولار عالمياً - وهذا كل ما يهم في الواقع. هل تستطيع أن تفكر بشيء آخر أهم من ذلك لدى هوليوود، كالمستوى الفني؟ المعالجة الإبداعية؟ الضرورة الثقافية؟
كولومبوس يتحدث الآن عن مجد جديد في عالمه: اذا نجح هذا الفيلم، وهو حتى الآن حصد في غضون أسابيع ثلاثة من العرض، قرابة 100 مليون دولار، فإنه هو المرشح الوحيد يا للعجب لإخراج السلسلة بكاملها ستة أعمال لاحقة، او بالطبع الى أن يبرهن كولومبوس عن فشله، وهذا صعب. صعب أن يفشل في تقديم قصص مسلية أخرى طالما انه يستند، حرفياً تقريباً، الى الوارد في روايات الكاتبة ج. ك. رولينغز التي نشرت تباعاً منذ العام 1997 وبيع منها عشرات ملايين النسخ، لكن الفشل قد يأتي من الجمهور لاحقاً اذا اكتفى بعد الجزءين الأولين او نحوهما. هذا احتمال ضعيف، لكنه وارد.
المشكلة مع كريس كولومبوس هي أنه مخرج لا يمنح العمل الذي بين يديه اي ميزة نابعة من ابداع فني أو من خصائص ذاتية. كولومبوس مستوى آخر من المخرجين، واذا قارنته بسبيلبرغ بدا الأخير أورسن ويلز عصره. انه ينفذ جيداً طالما المطلوب صوغ فيلم تجاري بحسب كل التقاليد السارية في هوليوود. اما حين يتطلب الأمر عمقاً فإن صاحب "مسز داوتفاير" و"رجل المِئوية الثانية"، ليست لديه اي فكرة عن كيفية تحقيق هذا البعد المهم.
على أن هذا العمق لا تسأل عنه هوليوود كثيراً. انها تنظر الآن الى تجربة ستيفن سبيلبرغ الأخيرة "ذكاء اصطناعي" وفشله في السوقين الأميركي والعالمي، على أن هذا ما يحدث اذا حاول مخرج، حتى بشهرة سبيلبرغ، تجاوز الظاهر الى الباطن، والاستعراض الترفيهي الى عمق المادة وجوهرها. الخوف من الفشل في مهمة نقل "هاري بوتر" من الكتاب الرائج وصنع فيلم أكثر رواجاً من الأصل اذا أمكن، بلغ الحد الذي دفع صانعيه الى قرار غريب: في أوروبا سمي الفيلم ب"هاري بوتر وحجر الفيلسوف" وهو عنوان الكتاب أصلاً، اما في أميركا فقد هربت كلمة "فيلسوف" واستبدلت بكلمة "ساحر".
لا يخفى أن وورنر وشركاءها في هذا العمل اعتبروا أن كلمة "فلسفة" صعبة القبول في أميركا البسيطة. من ناحية قد يكون هذا تفكيراً تجارياً مثالياً و"متفهماً"، ومن ناحية أخرى سيبدو أقرب الى أن يكون إهانة.
بريد غير مفتوح
لكن القصة ذاتها بسيطة التركيب وليس هناك من عقل صغير او كبيراميركياً كان أم سويدياً لا يستطيع استيعابها. الاقتباس الذي أقدم عليه السيناريست ستيف كلوفز جاء أميناً بمقارنة الفيلم بالرواية قدر ما يتيحه الوقت الذي يستغرفه العرض. النسخة الأصلية تجاوزت الأربع ساعات وهو أمر مرفوض من نواح تجارية ما فرض اقتطاع مشاهد كثيرة والاكتفاء بساعتين و32 دقيقة. واذا سألت وجدت أن كولومبوس يؤكد أنه دافع عن التوقيت الذي وصل اليه الفيلم. قال حين قابلناه: "بعد اقتطاع نحو ساعة ونصف منه تداولنا قطع عشر دقائق أخرى، لكنني كنت أعتمد على ابنتي وزميلاتها في المدرسة اللواتي قرأن الرواية من أجل أن أقنع "وورنر" بأن المزيد من القطع سيؤدي الى حجب شخصيات وأحداث مهمة بكاملها ما سيعود بالضرر على الفيلم".
ينطلق الفيلم موجزاً الفصل الأول من الرواية: رسائل تبدأ بالوصول الى الصبي اليتيم هاري دانيال ردكليف الآتي من بطولة نسخة جديدة من "ديفيد كوبرفيلد" بُثّت تلفزيونياً لكن عمّه يستولي عليها ويمنعها عنه ويعامله بخشونة، وابن عمّه يستمد من أبيه الصنف نفسه من المعاملة. انهما صنوان مناقضان لطيبة الصبي هاري وحيويته الذي لا يبكي ولا يمتعض بل يستقبل المعاملة الفظة بابتسامة دائمة وفطنة. وبعد أن يمتنع العم طويلاً عن تسليم اي من الخطابات المتشابهة حجماً وشكلاً الى هاري، والتي كانت تلقي بها طير البوم على نحو متواصل ويلقي بها العم الى النار متبرماً، يأتي رجل ضخم اسمه هغريد روبي كولترين بنفسه لينفذ ما في الخطابات. فهاري المحروم من الحياة الطبيعية وسط تلك العائلة الطبيعية، ليس سوى ابن ساحرين توفيا، ولديه قدرات السحر الخفية التي عليه أن يشحذها ويطوّرها في المدرسة الخاصة خارج المدينة. هغريد يأخذ الصبي في ليلة عيد ميلاده الحادي عشر ويوصله الى محطة قطار على الرصيف 9 ونصف، الواقع بين الرصيفين تسعة وعشرة. وذوو القوى السحرية فقط هم الذين يستطيعون دخول الجدار الواقع بين الرصيفين والذي يخفي محطة أخرى تنطلق بهاري وأمثاله الى القلعة البعيدة التي سيدرس فيها علوم السحر وأدواته.
هناك مشاهد مسلية تقع ما بين خروج هاري من بيت عمّه ودخوله المدرسة، وأخرى مع وصوله الى هناك وبدء التدريبات الخاصة. لكن هذه المشاهد ليست أكثر من مسلية. انها ليست حتى ترفيهية تماماً. والساعة الأولى من الفيلم تمضي بأقل ما يمكن من إثارة وتشويق.
عند وصوله يتعرف هاري الى رفاقه الكثيرين وخصوصاً هرموين ممثلة صغيرة جيدة ايما واتسون ودراكو ممثل أشقر يشبه ميكي روني صغيراً اسمه روبرت غلينت اللذان سيشاركانه مغامراته اللاحقة. بقية تلاميذ المدرسة ينقسمون الى فرق تتنافس في ما بينها وبعضهم يكن لهاري منذ البداية شعوراً عدائياً ستنتج منه مفارقات متوقعة. كذلك يتعرف الى المدرِّسة الصارمة مكغوناغول ماغي سميث والبروفسور الغامض سناب آلان ريكمن ومدير المدرسة الطيّب ألبوس ريتشارد هاريس.
ترتفع الحرارة المفقودة في الساعة الأولى من الفيلم قليلاً وذلك حالما يحين موعد الصراع الأول الذي يواجهه هاري في محيطه الجديد، فعليه الفوز في المسابقات الدائرة ومن ثم دخول مرحلة جديدة من التحدي يواجه فيها معركة مع جنود من حجارة الشطرنج للوصول الى الجوهرة الثمينة. التحدي هو بمثابة الامتحان الأخير قبل ارتقاء هاري بوتر الى مرحلة متقدمة لاحقة في فيلم مقبل.
لا أدري كيف داهمتني خيالات من فيلم "سندباد ورحلته السابعة" أخرجه ناتان جوليان سنة 1958 عند مشاهدة الفصل الخاص بالمعركة بين هاري وحجارة الشطرنج. هناك تشابه في صوغ الفصلين المتشابهين حدثا، فالسندباد وصل الى جزيرة تحوي كهفاً كبيراً مسحوراً هناك غرفة كبيرة مسحورة في "هاري بوتر" مما أجل الحصول على جوهرة صعبة المنال. وللحصول عليها فإن على السندباد مواجهة وحش من الصخر ومخلوق بثماني أذرع مع سيف بتار في كل ذراع وتنين رابض وينتصر عليها جميعاً. مثل "هاري بوتر" ايضاً فإن "سندباد ورحلته السابعة" صاحبه في مغامرته داخل الكهف صديقان يصابان بجروح ورضوض لكي يخلو الجو للسندباد وحده في المعركة المصيرية. سبب المقارنة يمتد من ظروف التمهيد للحدث - المعركة الى صوغ نوعية المعارك. ففي الفيلمين هناك جماد يتحرك من موقعه ليهاجم هاري. لكن بامكانات الخمسينات تستطيع اليوم مشاهدة "سندباد ورحلته العجيبة" لتتساءل كيف يمكن لفيلم حديث توافرات له امكانات أضخم بكثير من تلك التي تمتع بها الفيلم السابق، ان يفشل في تقديم فصل حاسم تقديماً مثيراً ومشوّقاً الى حد الذهول. أيامها كان فن تحريك المخلوقات الغريبة لا يزال مناطاً بالدمى التي كان يصممها الفنان الفريد راي هاريهاوزن بنجاح وذكاء. تحريك تلك الجمادات كان يحافظ في الوقت نفسه على طبيعتها وعلى خروجها المثير عن تلك الطبيعة متحولة الى آلة فتاكة تنذر بالحطر. هنا، وعلى رغم تنفيذ كل مؤثرات الفيلم بالكومبيوتر غرافيكس - ما يفترض به أن يعكس تقدماً تكنولوجياً بعيداً - تأتي مشاهد الفصل الحاسم ذاك كما لو كانت "تحفاً" انتيكات محافظاً عليها في جِرار تحت الأرض. انه فصل سريع الوقع ليس لأنه سريع الإيقاع باهت الدلالات ولا تعكس مخلوقاته المفترض بها ان تكون فتاكة اي حس بخطر حقيقي. بأجمعه، الفصل فرصة ضائعة تطوش في فضاء المكان مثل صدى لا يُعرف مصدره.
في "هاري بوتر"، وبمعية كومبيوتر غرافيك يتدخل طوال الفيلم، هناك ضياع فرصة رائعة. المخرج كولومبوس نزع عنه كل تشويق ممكن ومنحه شكلاً مجرداً من الإثارة لا يتجاوز ضربة من هنا وضربة من هناك كما لو أنه كان يصوّر مباراة في لعبة التنس.
تمثيل خدمات
"هاري بوتر" هو "منتوج" أكثر منه إنتاج سينمائي. غايته تجارية وليست ثقافية. لكن "وورنر" حسناً فعلت إبقاء الفيلم في طبيعته الإنكليزية. لم "تؤمركه" والا لخسرت ما تبقى من جذور العلاقة بين الأصل وهواة ذلك الأصل ومحبيه وبين الفيلم ومشاهديه، وحسنة كولومبوس الأساسية والوحيدة هي أنه حرص على منح الفيلم طابعه المحلي الإنكليزي ولم يتدخل لجلب ممثلين أميركيين منح الفيلم طابعه المحلي جداً. لكن كولومبوس ايضاً هو المسؤول عن أن الفيلم بلا روح خاصة به. وهو المسؤول أكثر من ذلك عن أن شخصيات الفيلم تبدو - في أفضل حالاتها - نسخا "كربونية" وليست شخصيات لها حياتها الخاصة بالفيلم الذي تظهر فيه.
كذلك بدا التفاوت في القدرات التمثيلية واضحاً: كل المشتركين ممثلين جيدين: ريتشارد هاريس، ماغي سميث، جون هيرت، آلان ريكمان، ريتشارد غريفيثز، روبي غولترين، والأولاد هم ذ،، مواهب لا زيف فيها. لكن معظم هؤلاء يبدون كما لو أنهم يقدمون أنفسهم كخدمات وليس كصياغات فنية. في الحقيقة جون هيرت وآلان ريكمان هما الوحيدان اللذان يميزان ظهورهما بتمثيل ينطلق من الذات. الأول على صغر دوره، يعكس الإلمام المطلوب بالقصة ويمنح شخصيته حدة خفية تنبع من ممثل قرأ الرواية بأسرها من أجل أن يبلور هذا الدور المحدود، والثاني يمنح دور الشرير تلك الكثافة المهدورة لدى الشخصيات الأخرى. انه خطأ الفيلم وليس خطأ هيرت أن دوره قصير، وخطأ الفيلم وليس خطأ ريكمان أنه يريد مفاجأتنا بأن شخصية ريكمان ليست شريرة في نهاية الأمر بل نحن - المشاهدين - الذين، ويا للأسف، فهمناها على هذا النحو!
كذلك ليست غلطة الممثل الصغير دانيال ردكليف أنه يبدو أكبر سنا من عمره. في الرواية كما في الفيلم هو ابن الحادية عشرة. اما على الشاشة، وبسبب تلميع صورته ودفعه الى حالات ود بينه وبين الفتاة الصغيرة هرموين، فيبدو كما لو كان في الخامسة عشرة. ويزيد ذلك الشعور أن شخصية هاري هنا تبدو كما لو كانت تعلم كل شيء من الوهلة الأولى. حتى عذابات عمّه وابنه تمر عليه كما لو كان متأكداً أن عليه تحمّلها لربع ساعة اضافية قبل أن تنقله الأحداث الى بلاد العجائب.
السحرة الطيّبون
نعم هاري هو "أليس" في البداية، لكنه يبقى هاري المكتشف والسبّاق الى المعرفة والمؤثر في سياق الأحداث وليس المستقبل والمندهش. ايضاً هو الابن اليتيم. ولو أحصيت الحكايات الكلاسيكية تجد أن معظمها يحاول خطف القلوب الواعية والصغيرة ايضاً بتقديم حكاية الصبي يتيماً وهذا منتشر ايضاً في افلام الرسوم المتحركة خصوصاً الأخيرة مثل "الملك الأسد" و"طارزان" و"دايناصورات".
في الحالتين، إن تقديم صبي يتيم او تحت رعاية عم فظ وقاس هو الوضع الذي يمهّد دوماً لولادة بطل يشعر المرء بالعاطفة تجاهه. كذلك يشعر البطل، تجاه المحيط الاجتماعي، بالرغبة في إنصاف الآخرين وإنقاذ المظلومين من المتسلطين والأشرار.
صاحبنا هاري لا يعكس أياً من هذه النوازع. انه شخصية بلا ظلال. ابتسامته التي ترتسم على وجهه طوال الفيلم كافية لتبدد أي هم محتمل وبالتالي أي تعاطف تجاهه. تطرحه كما لو كان أحد ممثلي إعلانات حليب البودرة.
كولومبوس لم يكتنز في أعماله السابقة خبرات إدارة الممثلين، لكن أحداً كان عليه أن يلحظ أن هاري عليه أن يتحسس ظاهرياً، على الأقل، بعض ما يحيط به. هاري سعيد، سعادة من قرأ السيناريو وأعجبته الحكاية. مع مخرج سعى الى تبرير عنف وشقاوة بطله السابق في "في البيت وحده" حيث يرتكب الصبي أفعالاً عنيفة مؤذية بحق الراشدين الذين حاولوا سرقة بيت العائلة فإن المقارنة بين بطليه الصغيرين جائزة مع فارق ان سعادة هاري لها علاقة ايضاً بموضوع آخر مهم: تلميع صورة السحرة.
عملياً ليس هناك من أشرار في هذا الفيلم باستثنائنا نحن الذين لا نتمتع بأي قدرات سحرية. ومن يمثلنا في الفيلم هم أفراد العائلة التي عاش هاري في كنفها: عمه وزوجته وابن عمه. هم ايضاًً "طبيعيون" مثلنا والفيلم يوصمهم. بعد ذلك ومع انتقال الفيلم الى شخصيات كلها تمارس السحر، ليس هناك من شرير باستثناء واحد لا بد منه. هذا الواحد ليس مثلهم ايضاً. لديه خلفية غريبة. ربما سحنته بيضاء لكنه يرتدي فوق رأسه لفة نصف عربية - نصف هندية. لا بد أن يكون شرير الفيلم اذاً!
هذا كله مرتبط بالتحوّلات التي طرأت على العالم تبعاً لانحسار المدرسة الأخلاقية القديمة التي كانت عاداتها ومفاهيمها تمنعها من قبول أن يكون السحرة أخياراً ومن ثم ابطال المنتوج "الإبداعي". بحسب المفهوم الكنسي فإن التقليد الحديث لا يزال مكروها، لكن الطاغي اجتماعياً هو قلب كل المعايير السابقة واعتباراتها. وكنا شاهدنا عدداً كبيراً من تلك الأفلام التي قلبت تلك المعادلات المحسومة سابقاً. مثلاً في "مصاص الدماء الصغير" قدي دراكولا مخلوقاً يستحق العطف، فهو لا يسفك الدماء او يشربها للذة شريرة مخيفة، بل يحاول البقاء حياً في عالم عدائي الأشرار فيه هم الأناس الساعون الى قتله. وفي "نيكي الصغير" قدم الشيطان ذاته مخلوقاً طيّباً يكره الشر ويسعى الى تقديم الخير واستقبال حب البشر كيفما أمكن. بل هو الذي يمنع دمار الدنيا.
"هاري بوتر" هو أكثر سذاجة من أن يشكل نواة لجدال حول هذه النقطة. هي موجودة لأنها تأتي ضمن الاقتباس الكبير ذاته مغلفة بأن ملايين القراء لا يمكن أن يكونوا على خطأ. ولأن الفيلم ينتمي، من هذه الناحية، الى تلك الحالات التي يتحول فيها ما كان شراً أيام "طارد الأرواح" و"الفأل" و"ساحر أوز" وغيرها من أفلام الأمس، الى حالة خالية من شجون النزاع الأبدي.
سيد الحلقات
هذا الوضع سيختلف كثيراً حين يأتي موعد عرض فيلم آخر من الفانتازيا الموجهة الى الصغار والكبار معاً هو "سيد الحلقات"، ذلك أن أبطال الكاتب ج. ر. تولكين ينتمون الى ذلك الصراع الكلاسيكي بين الخير والشر. عالمه الفانتازي أكثر رحابة من عالم الكاتبة رولينغ. أكثر غرابة. وأكثر تحرراً من وجوب اتباع الحديث من تكوينات الخير والشر وهجران التقليدي. كما وجدناه في فيلم ديفيد لينش "كثوب" الاقتباس السينمائي الأول عن رواية لتولكين، هو كاتب يسافر في الزمان والمكان وبعدهما الثالث صوب اللامنظور. شخصياته الآدمية تواجه حالات مستمدة من شروط الفانتازيا الأصعب: ايجاد عالم لا يعرف التوقعات يجول فيه البطل في مهمة تأخذه الى أبعاد قد تكون داكنة لكنها لا تزال إنسانية.
من وحي عشرين دقيقة كانت عرضت في "كان" لبعض النقاد والصحافيين، ومن وحي ما بوشر ببثه على المواقع الالكترونية فإن "سيد الحلقات" يختلف في الطريقة التي يعالج بها الفيلم كل تلك المؤثرات الخاصة التي يحتويها وهي كثيرة. ففي "هاري بوتر" تتحول المؤثرات الى نوع من الاعتماد التلقائي والسهل من دون إبهار او تميز، تعيدنا مؤثرات "سيد الحلقات" الى ضروريات سينما الخيال العلمي والفانتازيا: الدهشة.
أخرجه النيوزلاندي بيتر جاكسون مصوّراً الأجزاء الثلاثة للرواية واحداً تلو الآخر ترشيداً للنفقات. وجلب اليه ممثلين آخرين ذوي قدرات مشهودة: كيت بلانشيت، اليجا وود ابن السابعة عشرة الذي يلعب دور البطولة إيان ماكيلان، شون أستين وآخرون. مما شوهد، فإن هذا الجمع يمثّل جدياً ولا يكتفي باحتلال مقعد من الايماءات المبرمجة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.