فيلمان أميركيان رئيسيان تم انتاجهما في العام الماضي وجابهتهما عثرات كثيرة حالت دون عرضهما. وأحدهما لم يعرض الى الآن. والفيلمان هما "لوليتا" لأدريان لاين: و"اخراج آلان سميثي: احترقي، هوليوود، احترقي" لآلان سميثي. الثاني لم يعرض الى الآن تجارياً لا في أميركا ولا خارجها. بينما كان بدأ عرض "لوليتا" في صالات منتقاة في لندن، وربما بضع عواصم أوروبية قليلة، قبل بضعة أسابيع، ويشهد حالياً عروضه الأميركية الأولى بعد أكثر من عام على انتاجه. لنبدأ ب"احترقي، هوليوود، احترقي" لأنه يحتوي على قصة ذات خلفية مثيرة للاهتمام، قصة تدور عن مخرج الفيلم المدعو آلان سميثي وعن مخرج آخر له هو آرثر هيلر. في العام 1970 تم في بيروت عرض فيلم بعنوان "موت مقاتل" وسترن أعلى من عادي إنما ليس بمواصفات هوليوود البراقة يتحدث عن "شريف" بلدة في نهايات القرن الماضي رتشارد ويدمارك اشتهر عنه موقفه الصلب وغير المتهاون في شأن المجرمين. انه يقتلهم، مضطراً أحياناً ومترصداً أحياناً أخرى. أهل البلدة طالبوه بالتهاون لأن سمعة البلدة وصلت الى حد يضر بالمصالح الاستثمارية المأمول بها أن تأتي من الشرق. يتعجب بطل الفيلم من حال أبنائها لكنه يقرر أن يبدأ بتغيير سياسته عندما يقرر أهل البلدة التخلص منه قتلاً. حمل الفيلم اسم آلان سميثي مخرجاً وبحثت آنذاك عن اسم سميثي في المراجع التي كانت متوفرة فلم أجده! مخرج جديد لديه أسلوب فعال ونظرة ناقدة وقاسية على المجتمع الأميركي تذكرنا بنظرة "الظهيرة الموقدة" لفرد زنيمان، ربما كتبت. لكن الناقد الراحل سمير نصري هو الذي كشف في "النهار" آنذاك أن آلان سميثي اسم لمخرج لا وجود له. لا أدري من أين جاء بتلك المعلومة حينها لكنها دفعتني للبحث لأجد أن الفيلم في الحقيقة من تحقيق مخرجين. واحد اسمه روبرت توتن لا أعتقد أن اسمه تكرر بعد ذلك مطلقاً بدأه ثم انسحب، والثاني هو دون سيغال الذي أكمله. ولم يشأ أحد منهما وضع اسمه عليه منفرداً أو مع الآخر فتم ابتداع اسم آلان سميثي. كان هذا أول فيلم من اخراج آلان سميثي وبعده تكرر ظهور اسمه على الشاشة وفي أفلام من كل نوع وشكل. ولم لا؟ هو اسم مجاني بات يستخدم كلما وقع خلاف بين المخرج والمنتج، أو بين المخرج والأستديو، خلاف يدفع المخرج لسحب اسمه عنه تبرؤاً منه. بعض أفلام سميثي كانت - مثل "موت مقاتل" - جيدة ومنها "مدينة في الخوف" 1980 و"دعنا نقبض على هاري" 1987. "اخراج آلان سميثي" 1997 لم يكن من المفترض به أن يحمل اسم سميثي في العنوان كما في خانة المخرج، بل بدأ كمشروع لأرثر هيلر الذي شاهدنا له خليطاً من الأفلام الضعيفة والمتوسطة من بينها "الغريبان عن المدينة" 1970 و"المستشفى" 1971 و"مؤلف! مؤلف!" 1982 و"متزوج من الشيء" Married to it - 1993. ما حدث هنا هو أن جو استرهانز، كاتب "حاسة أساسية" وأشياء أخرى، وضع سيناريو فيلم ساخر وحادّ يتناول هوليوود من الداخل، شركة هوليوود بيكتشرز، من أعمال ديزني مولت الفيلم الذي قام بانتاجه أندرو فاينا، الشريك السابق لماريو قصار والذي اشترك في تمثيله عدداً كبيراً من الوجوه التي لعبت نفسها مثل جاكي شان ولاري كينغ وجو استرهاتز نفسه وروبرت ايفانز وسلفستر ستالون بين آخرين. لكن البطولة أسندت الى رايان أونيل الذي ربما لا نزال نذكره بطلاً لفيلم "قصة حب" الذي أخرجه في العام 1970... من؟... آرثر هيلر أيضاً. خلال تصوير هذا الفيلم ارتفع الخلاف حاداً بين الكاتب جو والمخرج آرثر، وتفاعل عندما وجد آرثر نفسه غير قادر على التحكم في عمليات ما بعد التصوير بينما راح الكاتب يفرض المصالحة التي يريدها للفيلم هنا، وعندما وجد آرثر المخضرم أن هوليوود تقف مع الأقوى، انسحب من الفيلم وسحب اسمه منه. وتبعاً لقانون جمعية المخرجين في هوليوود، لا يحق لأي كان وضع اسمه في خانة المخرج إذا لم يكن قد أخرج الفيلم، ويحق للمخرج حجب اسمه إذا ما أراد ووضع اسم آلان سميثي الذي صار عدد الأفلام الموكلة اليه منذ العام 1969 عندما تم تحقيق "موت مقاتل" يربو على الخمس وعشرين فيلماً. وهكذا صار الفيلم الذي أراد السخرية من ظواهر هوليوود موضع السخرية بنفسه وحمل اسم المخرج غير الموجود مرتين لتنقلب النكتة عليه. طقس رائع للدبابير أمر كهذا كان يمكن أن يواجه المخرج جيرومايا شيتشيك، بل كان من الأفضل له أن يقع. فيلمه الجديد "المنتقمون" من السوء بحيث لو كان المخرج ذكياً لدبر حجة وأخفى اسمه وراء آلان سميثي أو مليحة شُقيّلات لا فرق. هذا الفيلم مأخوذ من مسلسل بريطاني بنفس العنوان انطلق في الستينات على الشاشة الصغيرة متمثلاً بأجواء جيمس بوند الذي كان أسس سباقاً نشطاً تجاه سينما الحرب الباردة. فكرة "المنتقمون" أو "الآخذون بالثأر" بالأحرى تقوم على شخصية عميل بريطاني يعمل لجهة سرية يحارب في كل حلقة جاسوساً أو شريراً يريد الإضرار بمصالح العالم الحر. اسمه جون ستيد: رجل في الثلاثينات يرتدي البزّة الإنكليزية التقليدية ويعتمر القبعة المميزة ويحمل مظلة طويلة يستخدمها، نظرياً، للاحتماء من المطر، وعملياً في كل شيء آخر من الضرب الى المقارعة بها كالسيف أو جذب قدم أو يد عدو يريد الهجوم عليه. انه الدعاية البريطانية المحافظة المثلى. تساعده في مهمّاته امرأة شقراء يافعة القوام تجيد الجودو وتعمل لصالح جهة أخرى غير بعيدة. الحلقات عادة ما كانت تبدأ به مستعرضة مشكلة ما وتدخل هي بعد قليل وبينهما تتوزع ضروب القتال ومباريات الذكاء. في الوقت الذي كان "المنتقمون" يستوحى أجواء أسستها أفلام جيمس بوند الأولى، بقدر ما كان الجواب البريطاني الهادىء لمسلسل "المهمة مستحيلة" الأميركي والمتوغل كثيراً أيضاً في الحرب الباردة حيث كان أعداؤه عموماً من الشيوعيين والدكتاتوريين ورجال السلطة العسكريين ذوي النوايا الخبيثة. "المهمة مستحيلة" تحول الى فيلم سينمائي ناجح من بطولة توم كروز واخراج فعال من برايان دي بالما فلم لم يحدث الأمر نفسه لمسلسل "المنتقمون"؟ شركة وورنر المنتجة لم تتوقف، على ما يبدو، لتلاحظ أنه بينما انتشر المسلسل الأميركي بنجاح كبير في أوروبا وغيرها، فإن نجاح "المنتقمون" بقي محصوراً غالباً في بريطانيا. عروضه الأميركية لم تكن ناجحة. على رغم ذلك عقدت الإمر على انتاج الفيلم وعينت شيتشك هذا للمهمة الصعبة. راف فاينس الذي لم يتفوق بعد على دوره كضابط نازي في فيلم "لائحة شاندلر" يؤدي دور جون ستيد يا له من اسم يشبه ماركة زيوت سيارات وأوما ثورمان التي شهدت أيضاً أياماً أفضل سابقة تؤدي دور مساعدته ايما بيل. من المفيد، هنا، القول أن بطلي الحلقات السابقة كانا باتريك ماكني الذي يؤدي دوراً مسانداً هنا ودايانا ريغ. وكلاهما حاولا شق طريق ما في السينما لكنهما أخفقا بدرجتين متفاوتتين. الحبكة التي في هذا الفيلم تدور على النحو التالي: ستيد وبيل يحققان، بأمر من الجهتين اللتين يعملان لها، في موضوع اختراع أنجزه عالم مجنون اسمه سير أوغست دي وينتر لاحظ تفسير الإسم تبعاً للدور الذي يؤديه من شأنه التحكم في الطقس حول العالم. انه شون كونيري الذي كان في الستينات، لا يزال يتعقب أمثال هؤلاء المجانين الخطرين ويقتنص منهم في أفلام بوند... جيمس بوند. وهو هنا ينتقل لأداء دور شرير لا يصلح له ولا يستطيع أن يخلق منه صورة ذهنية أو مرئية تدعو للحذر والخوف كما فعل جاك نيكولسون مثلاً في "باتمان". ما يحاول في "اب الشتوي" أو "أوغوست دي وينتر"، القيام به هو إجبار دول العالم على شراء الطقس المعتدل منه. إذا لم ترض، أرسل عليها المطر والبرد والرياح الى أن يقضي عليها أو تستجيب له. الاختراع يبدو سخيفاً ولكن هكذا الفيلم بأسره. وكلما صورت الكاميرا شون كونيري من زاوية منخفضة أو من أخرى علوية لإبراز خصائصه النفسية أو درامية أفعاله زادته خروجاً عن الواقع من دون أن تقربه الى الخيال كما يجب. ومع أن اللغة التقنية المستخدمة في هذا الفيلم منفذة على نحو جيد، إلا أنها باردة ووحيدة لا تحوي إبداعاً في أي منحى أو على أي صعيد رئيسي. وهي البرودة نفسها التي تتأتى من العديد من المشاهد التي يرى فيها البطلان يصارعان أنابيب نحاسية حيناً وبالونات طائرة حيناً آخر، ثم دهاليز لا معنى لها في أحيان. الفصل الوحيد الذي يحمل شيئاً من الإثارة الفعلية هو ذلك الذي يدور حول دبابير معدنية كبيرة مزودة بنادق رشاشة تهاجم سيارة ستيد وبيل المسرعة فوق طريق ريفي. هنا شعرت لو أن مثل هذه الدبابير استخدمت لمهاجمة المخرج وفريق عمله لربما أيقن هؤلاء مغبة ما كانوا يفعلون. بريء من تهمة الفيلم هناك كاتب أراد حذف اسمه من الفيلم الذي اقتبس مادته عن إحدى رواياته. وحينما لم يقدر توصل مع صانعي الفيلم الى تغيير اسم بطله من أووين ميني الى سايمون بيرش، كما أقنع صانعيه، وفي مقدمتهم المخرج مارك ستيفن جونسون، بأن يتم ذكر أن الفيلم "مُقترح" من قبل روايته، وليس "مقتبس عن"... وذلك إبعاداً لشبهة أن يكون له أي علاقة فعلية أو أن يكون للفيلم أي صلة بالعمل الأدبي. هذا الكاتب هو جون أرفينغ الذي سبق للسينما أن اقتبست أو اقترحت فيلمين من أعماله هما "فندق نيو هامشاير" و"العالم حسب غارب". الفيلم الجديد مقتبس عن رواية له صدرت في العام 1989 عنوانها "دعاء من أجل أووين ميني". الفيلم الجديد تحت عنوان "سايمون بيرش" انتاج هوليوود بيكتشرز نفسها لا يريد أن يقتنع بأنه لم يكن هناك ضرورة له. فالرواية في نحو 600 صفحة وتشمل العديد من الخطوط والمفارقات وعملية سحب خط واحد وبعض الظلال المصاحبة لا يمكن أن يعوض غياب الخطوط الأخرى التي تشكل رواية شعبية ذات اطار زمني ومكاني ودرامي شاسع. بيرش هو ولد قزم يعتقد نفسه أداة ربانية ويعامله الفيلم على قدر عقله فيسيء الى مشاهديه بسذاجته. سايمون يرى أيضاً أنه قادر على أن ينقذ الناس من أوضاعهم وأزمانهم ويعامله الفيلم كما لو كان يستطيع ذلك فعلاً، وهكذا يمحي البعد الضئيل الذي كان متاحاً في الرواية للتشكيك في مفهوم ميني الذي أصبح بيرش لنفسه. يبقى الفيلم نسيجاً لصداقة بين صبي مجهول الأب جو مازيللو التلقائي وبين سايمون بيرش لكنه يحيطها في الوقت نفسه بما يفوق المطلوب من التأكيد بحيث تريد أن تصرخ في الصالة بكلمة كفى لو كان ذلك يجدي. لا يخفق الفيلم فقط في وضع أسس معالجة لها مبرراتها الفنية أو الدرامية تستطيع أن تحول مادة غليظة سريعة التلف الى بؤرة اهتمام مرحلي، بل يخفق أساساً في حشد أي عواطف إيجابية تجاه بطله القزم، ولو على نطاق انساني مفتعل. صداقة محظورة وكان الممثل تيموثي هاتون قد تحول الى الإخراج فقدم في مهرجان سندانس في مطلع هذا العام فيلمه الأول وعنوانه "الحفر الى الصين". وهو يدور عن معاق آخر ويعاني جملة من المتاعب ولو أنها مختلفة. "الحفر الى الصين" يدور حول فتاة صغيرة ايفان راشل وود تتعرف، في أحداث تقع في الستينات في منطقة غير مدنية، على شاب معاق اسمه ريكي كيفن باكون وتجد فيه خير معين للخروج من وحدتها التي أثرت عليها كثيراً ودفعتها الى حفر نفق من أميركا الى الصين، أو توسط أرض خالية انتظاراً لهبوط كواكب فضائية. انها نصف الإشكال الدرامي الذي يقدمه هذا الفيلم المتواضع لكنها محوره كله. فهي تعيش مع أمها المنسحبة تدريجاً من الحياة تنسحب حتى تموت وشقيقتها الكبرى التي تدير فندقاً وتقوم بتنظيفه أيضاً!. الى هذا الفندق، تصل سيارة معطلة أو لنقل تتعطل حال دخولها الفيلم فيها أم متعبة وابنها الذي أبقته عاهته حبيس قرارات أمه لا يجرؤ على الخروج عنها. بطلتنا الصغيرة تجد في هذا الشاب رفيقاً وتبدأ اللعب معه ما يتيح له أيضاً التعرف من خلالها على صداقة هو محروم منها. على الأقل هنا بعض ما يستأهل التقديم، وخصوصاً عندما يساء فهم الصداقة بين الإثنين وتفهم الشقيقة الكبيرة أن الشاب المعاق يريد بالفتاة الصغيرة سوءاً. لكن هذا لا ينقذ الفيلم من هوانه، من عدم وجود أحداث غير متوقعة أو مشاعر متبلورة على نحو يثير الاهتمام أو يدفع بالشخصيات للإبتكار أو الإبداع. هناك لحظات مهمة، عاطفياً، ولكن ليس منها ما هو ضروري. "الحفر الى الصين" يقدم باكون "نائمون"، "النهر المتوحش" الخ... في دور يفرض عليه إداء تدرك كم هو مفتعل لكنك لا تستطيع إلا أن تتجاوزه، فهو لا يستطيع العمل على مستوى الجسد والنفس بتوازن، وبصراحة ليس لديه، نسبة الى سيناريو رقيق الحواشي، الكثير مما يقوم بإدائه. - "المنتقمون" يعرض حالياً في أسواق أوروبية وقريباً في بيروت. - "سايمون بيرش" توزعه ديزني لكن ليس لديه حالياً موعد عرض محدد. - "الحفر الى الصين" لن يعرض تجارياً في أي مكان.