يحكى في زمن الإقطاع الجائر، ان حصاناً أبيض أصيلاً وصل ذات مساء الى دار صاحبه "البيك" هائجاً، وشعر غرّته منبوش. وراح يدقّ الأبواب بحافره الأمامي. ويصهل هلعاً. ويشرئب واقفاً وسط الباحة الفسيحة، كأنّه يشيع خبراً. انتبه سائس الخيل الى أن أمراً عظيماً حصل. ومن دون ان يشرح للعيون الشاخصة من نوافذ القصر وشرفاته، امتطى فرسه ومضى سريعاً يلاحق الغبار الذي خلّفه حصان "البيك" وراءه. ثم بان الحصان للسائس متسمّراً في أحد الحقول، وسط سهل شاسع تملؤه خيرات وغلال. فتسارع خفقات قلب الرجل، وأحسّ من بعيد، بهول المصيبة. وإذ بلغ المكان، وجد "البيك" جثة. "إنها فعلة هؤلاء الفلاحين الأوغاد"، أكد مدير شؤون القصر بحزم. وتحت عتمة الليل، جاء الأزلام بالرجال ودكّوهم في القبو السفلي للقصر، على أن يُبتّ امرهم بعد العزاء. ووسط الموكب الجنائزي الحاشد، مشى الحصان وراء النعش، يغطيه وشاح اسود مهيب. وبكى بكاء مرّاً، على مرأى من الناس. وروى من ساروا في جواره انهم سمعوه ينتحب. لم يثر تصرف الحصان العجب عند من عايشوا الودّ الذي جمع بينه وبين "البيك". كان هذا الأخير يُطعمه ويسوسه بيديه. وكان الحصان يحضر إليه عندما يصفر... يرتعش عندما يسمع وقع خطواته. ويتراقص حوله قبل الانطلاق الى النزهات ورحلات الصيد ومشاوير الإشراف على الأرزاق. وما أن انحسر سيل المعزّين حتى تجمّعت وجوه متجهّمة تضمر شراً، امام عيون شائحة وحائرة ودامعة، تُرك اصحابها طوال أسبوع، مشلوحين في القبو السفلي. في ذلك اليوم المشؤوم، طالب بعض الفلاحين "البيك" بأن يرأف بحالهم، فردّ "البيك" طلبهم. لكنّ الفلاحين اصروا وألحّوا، وبينهم شاب توعّد. اعتبرها "البيك" إهانة. هجم على الجماعة بحصانه، رافعاً عصاه لتأديبهم. فانبطحوا ارضاً عند اشارة كبيرهم، "لأن الخيل لا تدوس اجساد البشر"، على ما قال. وبالفعل، ما ان وصل الحصان الجامح عند كومة الأجساد حتى جمد فجأة، ورفض ان يطأها. ضربه "البيك" بعصاه ليكسر عناده المستغرب، فانتصب واقفاً من شدة الصدمة، رامياً عن ظهره راكبه "الخائن" الذي اصطدم رأسه بحجر ومات... بعدما سمع سائس الخيل القصة، انسحب من حلقة المحاكمة الظالمة وتسلّل الى الاسطبل، فلم يجد الحصان. زكي محفوض