إسلام آباد، طهران - "الحياة"، رويترز، أ ف ب - شهدت طهران امس اتصالات مكثفة في شأن الوضع في افغانستان، اهمها لقاء وزير خارجية "تحالف الشمال" عبدالله عبدالله ووزير الخارجية البريطاني جاك سترو، مما أسفر عن اتفاق على انتشار محدود للقوات البريطانية في محيط قاعدة باغرام شمال كابول. في غضون ذلك، اغلقت باكستان السفارة الأفغانية في إسلام آباد، والتي كانت "طالبان" تديرها وهي آخر ممثلية للحركة في الخارج. وقال الناطق باسم الخارجية الباكستانية عزيز خان ان الديبلوماسيين التابعين للحركة سيمنحون وقتًا معقولاً لحزم أمتعتهم والعودة الى بلادهم. وجاء قرار اغلاق السفارة في إسلام آباد تجاوباً مع طلب اميركي، بعدما اعلن ناطق باسم الخارجية الاميركية ان الولاياتالمتحدة ابلغت باكستان انها لم تعد ترى سبباً لبقاء سفارة "طالبان" في إسلام آباد. وقال خان إن باكستان لا تعتزم اقامة اتصالات ديبلوماسية بديلة مع اي سلطة افغانية قبل تشكيل حكومة موسعة في كابول. لكن الخطوة لم ترقَ إلى اعلان قطع العلاقات مع "طالبان"، لمصلحة اقامة علاقات مع "تحالف الشمال" المناهض للحركة. وتزامنت الخطوة مع قلق واضح لدى المسؤولين الباكستانيين من تنامي العلاقات بين نيودلهي و"تحالف الشمال"، إذ تعتزم الهند فتح سفارتها في كابول بعد محادثات اجراها مبعوثها الخاص ساتيش لامبا مع الرئيس الأفغاني برهان الدين رباني. وكانت إيران أقدمت على فتح سفارتها في كابول، وبدت روسيا عازمة على خطوة مماثلة، مما يقلق باكستان لأن ذلك قد يكون انتصاراً للحلف الثلاثي المعادي لها. وأعربت أوساط باكستانية شبه رسمية عن اعتقادها أن التنافس الاقليمي قد يؤثر في مجريات مؤتمر بون الذي دعت إليه الأممالمتحدة ويتوقع فشله، في ظل تمسك قادة التحالف بمناقشة الأمور الأساسية داخل أفغانستان. ومما ضاعف القلق الباكستاني تصريحات السفير الأميركي لدى الهند حين اعتبر المقاتلين الكشميريين إرهابيين، مما يعني أن كشمير قد تكون الهدف الثاني بعد أفغانستان، ما دام الرئيس جورج بوش اعتبر كل من يؤوي الإرهابيين إرهابياً. محادثات طهران في غضون ذلك، رفض وزير خارجية "تحالف الشمال" عبدالله عبدالله أمس، اشراك عناصر معتدلة من "طالبان" في حكومة في افغانستان. وقال للصحافيين بعد محادثات مع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو في طهران: "ستكون قاعدة عريضة جداً إذا وافقنا على اشراك عناصر معتدلة من طالبان". وأوضح السفير الافغاني لدى ايران محمد خيرالله أن عبدالله أبدى "موافقته على انتشار محدود لمئة جندي" بريطاني، مشيراً ضمنياً إلى أن "تحالف الشمال" لم يعد يعارض انتشار عناصر القوات الخاصة البريطانية، المرابطين حالياً في قاعدة باغرام شمال كابول، والمكلفين ضمان أمن هذا الموقع الاستراتيجي. وزاد السعيد: "إذا تعلق الامر بانتشار أكبر يجب اجراء المزيد من المناقشات"، مضيفاً انه لم يتخذ أي قرار في هذا الشأن. وبدأ وزير الخارجية البريطاني جولة على إيران وباكستان، لتشجيع البلدين المجاورين لأفغانستان على تأييد حكومة هناك لها قاعدة تأييد عريضة. وسيضم مؤتمر بون للأطراف الأفغانية ممثلين من فصائل وجماعات عرقية رئيسية، بما فيها عدد كبير من البشتون الذين يشكلون غالبية، باستثناء "طالبان". وقال زعماء أفغان وباكستانيون إن الحكومة المقبلة في افغانستان في حاجة الى تضمينها عناصر معتدلة من "طالبان" إذا أريد لها ان تكون ذات قاعدة عريضة. وأكد عبدالله أنه بحث مع سترو في تشكيل حكومة ذات قاعدة عريضة تمثل كل الاعراق، و"كررنا التزامنا في هذا الصدد ونعتبر الاجتماع في بون خطوة مهمة لتحقيق ذلك الهدف". وذكر سترو أنه أعرب في المحادثات عن تقدير بريطانيا موقف "تحالف الشمال" الذي وصفه بأنه "مسؤول جداً" بعد الاستيلاء على كابول، والتزامه تشكيل حكومة موسعة. كذلك أجرى سترو محادثات مع وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي، وبحثا في تصور إيران لكيفية خروج افغانستان من الأزمة، والشروط التي تعتبرها طهران ضرورية لتشعر بالأمان تجاه أفغانستان. وكان سترو أشار إلى أن إيران التي تدعم تحالف الشمال "عانت معاناة بالغة" من موجة اللاجئين وآثار تجارة المخدرات من أفغانستان، في عهد حكومة "طالبان". وتظهر زيارة سترو طهران والتي ستعقبها زيارات وزراء من فرنسا وهولندا واسبانيا، الأهمية المتزايدة التي يعلقها الاوروبيون على المشاورات مع ايران حول افغانستان. وكان وزير الخارجية في تحالف الشمال بحث في طهران مساء أول من أمس مع الوزير خرازي في مرحلة ما بعد "طالبان" وإعادة إعمار افغانستان. وشدد عبدالله على "ضرورة تشكيل حكومة افغانية موسعة تضم ممثلين عن كل الأحزاب السياسية والأعراق"، داعياً إلى جهد دولي لإعادة إعمار بلاده. وأعرب خرازي عن استعداد بلاده ل"المساعدة في تشكيل حكومة افغانية موسعة وعودة السلام والاستقرار في اطار الجهود التي تبذلها الاممالمتحدة". وتمنى تعاوناً دولياً واسعاً لإعادة إعمار أفغانستان. شرودر إلى ذلك، أعلن المستشار الألماني غيرهارد شرودر ان المؤتمر الذي سيعقد في بون للبحث في مستقبل أفغانستان تحت رعاية الاممالمتحدة، هو مؤتمر افغاني لا علاقة للألمان والبريطانيين والاميركيين به. وقال رداً على سؤال عن الاقتراحات التي يمكن ان يقدمها الى المشاركين فيه: "انه مؤتمر دولي يعقد تحت سقف الاممالمتحدة ويقام من جانب الافغان لا من جانب الألمان او البريطانيين او الاميركيين، لذلك على المرء التزام الحذر من تقديم اقتراحات لأن المطلوب من الذين يريدون تشكيل حكومة افغانية الالتقاء والاجتماع سوياً". وأضاف: "ان نشر الاقتراحات علناً من الخارج لن يكون مساعداً بالضرورة". وذكرت مصادر وزارة الخارجية الالمانية امس ان اختيار قصر الضيافة الحكومي "بيترسبيرغ" القريب من بون مكاناً لعقد المؤتمر الأفغاني وتفضيله على امكنة اخرى في العاصمة برلين يعود إلى سببين: "الأول أمني، إذ أن قصر الضيافة الموجود على تلة مرتفعة معزول عن المناطق السكنية والطرقات العامة ويسهّل على السلطات التدابير الأمنية اللازمة لحماية المشاركين، خصوصاً ان لهذه السلطات خبرة في هذا الشأن. والسبب الثاني ان مدينة بون تحوي منذ ثلاث سنوات مكتب سكرتيريا تابعاً لمنظمة الأممالمتحدة المشرفة على عقد المؤتمر. إضافة الى ذلك، فإن قصر الضيافة الذي كان يستقبل الملوك ورؤساء الدول الأجانب هو عبارة عن مجمع يحتوي على فندق كبير وقاعات مؤتمرات ومطار صغير لطائرات هليكوبتر. في غضون ذلك، نفى الناطق باسم "تحالف الشمال" في المانيا عبيد نجاب وجود خلافات داخل اطراف التحالف. وقال للقناة الثانية في التلفزيون الالماني إن التحالف يسعى إلى انجاح المؤتمر و"انتظرنا هذا اليوم 23 سنة ونريد السلام، وسنلتزم كلمتنا لأن السلام هو ما ينتظره الجميع". ونشرت النقاط الخمس التي أعدها مفوض الأممالمتحدة الخاص لأفغانستان الاخضر الإبراهيمي، لفتح الطريق امام ايجاد حل سلمي للأزمة الافغانية. وتدعو الاولى الى الوصول الى اتفاق على وضع اطار عام للعملية السياسية المرحلية على ان يشارك في المؤتمر "ممثلون عن تحالف الشمال وعن عملية روما وقبرص ومجموعات أخرى". وتدعو النقطة الثانية الى طرح خطوات محددة في الاجتماع لانشاء "مجلس موقت" يمثل مجموعات كبيرة من الأفغان، وترأسه شخصية معترف بأنها رمز الوحدة الوطنية. ونصت النقطة الثالثة على ان مهمة المجلس اقامة ادارة موقتة وبرنامج عمل لمرحلة انتقالية لا تتجاوز سنتين. ودعت النقطة الرابعة الى العمل لتشكيل "لويا جيرغا"، وهو مجلس تمثيلي تقليدي للشخصيات الوطنية، لاقرار الخطوات التي يتفق عليها وتكليف الحكومة الموقتة مهمة وضع دستور للبلاد. اما النقطة الخامسة فتدعو الى استغلال المرحلة الانتقالية لتأسيس مجلس "لويا جيرغا" ثان يعمل لاقرار الدستور، وتشكيل حكومة لأفغانستان.