تراجعت الارقام المقترحة للمساهمات الدولية عما كانت عليه قبل بدء الحرب، وذلك مع اقتراب أول اجتماع دولي للبحث في اعادة تعمير افغانستان. ففي الأيام الأولى لبدء الغارات كان المسؤولون البريطانيون يتحدثون عن 40 بليون دولار، وانخفض الرقم الآن الى 25 بليوناً. ويؤكد الخبراء ان جمع الأموال يبقى المشكلة الأكبر، ويتساءلون: من أين يمكن الاتيان بالأموال اللازمة؟ اليابان كُلفت ترتيب لقاء للدول المهتمة بتعمير أفغانستان يعقد بعد ثلاثة أسابيع في طوكيو بحضور 22 دولة. واوضح مسؤول ياباني كبير أن هذا الاجتماع ليس مؤتمراً للدول المانحة. أما مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الاقتصادية، آلان لارسن، فرد بأن الاجتماع سيكون مناسبة للحكومات المتمثلة فيه للتعهد بتقديم مساعدات مالية. لكن اليابانيين ليسوا مسرورين. نوبوتاكا مياهارا، المدير العام لشعبة الشرق الأوسط في الخارجية اليابانية، كان أكد ل"الحياة" في مكتبه في طوكيو قبل ايام ان بلاده مستاءة من تصريحات أميركية عن التزام اليابان المساهمة في اعادة تعمير أفغانستان. كان يقصد تصريحاً لوزير الخارجية الأميركي كولن باول أشار فيه إلى "احتمال ان تلعب اليابان دوراً كبيراً في إعادة بناء أفغانستان وتعميرها". قال مياهارا: "لا نشعر بارتياح الى هذا النوع من التصريحات". ونفى علمه بحجم المشاركة اليابانية المتوقعة وأجاب بلهجة امتعاض: "لا نعرف، والولاياتالمتحدة لم تستشرنا في ذلك". فاتورة التعمير ستستمر عشرة أعوام. الولاياتالمتحدة لا تقصر أنظارها على أفغانستان. فهناك تغيرات لافتة حدثت ونسيها العالم في غمرة الحديث عن الحرب ضد الارهاب، بينها تقديم 8 بلايين دولار لأوزبكستان لتسمح بتمركز القوات الأميركية بصورة دائمة في هذا البلد المطل على بحر قزوين الذي تشبه ثرواته النفطية والغازية ثروات الخليج. حلم الشركات النفطية الدولية المتمركزة في الولاياتالمتحدة كان مد أنابيب غاز ونفط من بحر قزوين عبر أوزبكستان فأفغانستان فباكستان عند بحر العرب. خطوط الأنابيب هذه ستصدر نفط الدول المتشاطئة وغازها إلى أنحاء الدنيا وهي، الى ايران وروسيا، اذربيجان وكازاخستان وتركمانستان. الحرب الأخيرة فتحت للولايات المتحدة بوابة قزوين للعقود المقبلة. ويقول آرييل كوهين، المحلل في مؤسسة "ذي اريتاج فاونديشن": "تحتاج الولاياتالمتحدة إلى تأمين الوصول بحرية إلى حقوق نفط القوقاز ووسط آسيا. وهذه الموارد مهمة لتأمين الازدهار في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين، ويمكنها أن تخفف اعتماد الغرب على نفط الشرق الأوسط وتضمن أسعاراً أرخص للغاز والنفط للعقود المقبلة". ومنذ استقلالها عام 1991 شهدت دول بحر قزوين الثلاث المستقلة حديثاً اهتماماً دولياً كبيراً، لا سيما أذربيجان التي أقرت فيها استثمارات في 21 مشروع تنقيب عن النفط والغاز بمشاركة 33 شركة بلغت قيمتها حتى العام الماضي 650،58 بليون دولار وحقول التنقيب، منها ثلاثة على اليابسة والبقية في عرض الشواطىء. وتقدر شركة "بريتيش بتروليوم" حجم الاستثمارات التي ستنفذها في أذربيجان وحدها بنحو 12 بليون دولار، وهي مبالغ ضخمة تكاد تعادل نصف فاتورة تعمير أفغانستان. ويعتقد الخبراء ان تحييد أفغانستان سيحمل سلاماً لكل مشاريع أنابيب النفط والغاز في القوقاز وقزوين، من الشيشان وحتى جورجيا واقليم ناغورني كاراباخ الاذربيجاني المتنازع عليه. ويفترض المهتمون بإعادة تعمير أفغانستان أن هذه ستستفيد من مرور النفط والغاز عبر أراضيها، وستحصل على عوائد كانت الشركات الأميركية تتحدث عنها منتصف التسعينات، حينما حصلت "طالبان" على دعم شركة نفط أميركية وعدتها بعوائد مرور النفط في أراضيها، كما قال ل"الحياة"، الجنرال حميد غول رئيس الاستخبارات العسكرية الباكستانية السابق الذي رعا نمو "طالبان" وظهورها. وتقدر العوائد التي ستحصل عليها أفغانستان في حال نجاح المشروع الأميركي ببليوني دولار سنوياً على أقل تقدير، وهو أكثر مما يلزمها لتعيد بناء نفسها، في حال كتب للحرب أن تنتهي، وتأخر المانحون عن تقديم أموالهم. أما الأموال التي ستتدفق لمشاريع النفط في الدول المجاورة فيتوقع أن تتجاوز 200 بليون دولار ، ولعل هذا السبب هو الذي يحعل تطلب من اليابان تسدد سلفاً فاتورة السياسة الأميركية في وسط آسيا.