سادت الثقافة الإدارية القائمة على المركزية في اتخاذ القرار لوقت طويل في العديد من الشركات العربية حيث كانت البيئة التنافسية مستقرة، وكان الهدف الرئيسي للإدارة تحقيق نمو سنوي وزيادة المبيعات والحصول على حصة أكبر في السوق التي تعمل بها اعتقاداً منها بأن مثل هذه السياسة ستضمن لها التفوق في المنافسة على المدى البعيد. وغالباً ما تقدم الشركات العربية المنتجات والخدمات المتوافرة لديها بدلاً من توفير ما تحتاجه السوق وما يشبع رغبة المستهلك. وفي ضوء هذه الثقافة الإدارية يحتل الرئيس التنفيذي رأس الهرم الوظيفي ويعاونه نواب ومساعدون للرئيس ذوو خبرة طويلة في مجال عملهم، يحرصون على تنفيذ الإرشادات المعطاة لهم ويظهرون تفانياً وولاء كاملاً لرئيسهم، ولا يتوقعون أن تتم محاسبتهم عن الأخطاء التي قد يقعون فيها إذ أنهم مجرد منفذين لما يطلب منهم. ولا بد أن تتقبل الشركات العربية في الاقتصاد الجديد الذي نعيش فيه حالة من التغير المستمر بدلاً من الاستقرار في أوضاع السوق، وأن تقوم ببناء شبكة من خطوط الاتصال بين مراكز العمل بدلاً من وجود هرم وظيفي جامد، وأن تكون معتمدة على شراكات وتحالفات بدلاً من الاكتفاء الذاتي والعمل بانفراد. وستعتمد الشركات بشكل متزايد في مجال العمليات المساندة والبحث والتكنولوجيا والمنتجات المالية وغيرها على مؤسسات خارجية تستطيع أن توفر هذه الخدمات بكفاءة أكبر وكلفة أقل، ومثل هذه الشراكة موجودة الآن ولكن ستكون الحاجة إليها أكبر في ظل الثقافة الإدارية الجديدة. وستصبح إدارة شبكات معقدة من الشراكة والعلاقات الخارجية مع شركات أخرى مكملة للأعمال المطلوبة بنفس أهمية إدارة العمليات الداخلية للشركات. إن الشركات الناجحة والأكثر ربحية هي تلك التي تستطيع الاستفادة من قاعدة المعلومات المتوافرة لديها عن عملائها والأسواق التي تعمل فيها لدرس أفضل الطرق لتوصيل المنتج أو الخدمة المطلوبة لهم في المكان والزمان اللذين يفضلونها وكسب ثقتهم. ومقياس النجاح سيكون تعظيم العائد على حقوق المساهمين بدلاً من تحقيق معدلات نمو مستهدفة في الموازنة السنوية أو الحصول على حصة أكبر من السوق المحلية. وتبحث الشركات باستمرار عن الفرص أو النشاطات التي تعظم العائد على حقوق المساهمين وتخصص جزءاً أكبر من رأس المال لديها لهذه الفرص. وإذا كان العائد الذي تحققه بعض هذه النشاطات لا يغطي كلفة رأس المال المخصص لها فإن حجم أعمال هذه النشاطات سيتراجع أو تتم تصفية هذا النشاط بالكامل ما لم يكن هناك سبب استراتيجي واضح تسعى الشركة إلى تحقيقه من جراء الإبقاء على هذه النشاطات. ولكن يجب ألا تكون هناك نشاطات في الشركة تؤدي إلى تقليص العائد على رأس المال المستثمر فيها لفترات زمنية طويلة. ويتطلب تحقيق هدف تعظيم العائد على حقوق المساهمين تقسيم نشاطات الشركة إلى أجزاء منفصلة تتوافر لمدرائها صلاحيات واسعة ويتحملون بالتالي كامل المسؤولية عن نتائج أعمال هذه الأقسام. ويمكن أن تتحقق الزيادة في الربحية عن طريق التحكم بالمصاريف التشغيلية أو حتى تخفيضها، بالاستخدام الفعّال للتكنولوجيا الحديثة، وعلى أي حال يجب ألا تكون التكنولوجيا هدفاً بحد ذاته ولكن أحد العوامل التي تزيد من الإنتاجية. وبدلاً من بيع المستهلك ما تستطيع الشركة إنتاجه، على الشركات الناجحة أن تتيح لعملائها إمكانية تحديد نوع المنتج أو الخدمة التي يرغبونها، كما أن بيع منتج شخصي ولكن على مستوى الجملة، هو الخطوة المنطقية التالية على طريق الصناعة حسب الطلب، أي توفير البضائع كما يريدها المستهلك وفي الوقت الذي يطلبها، وفي النهاية ستصبح المنافسة بين الأصناف والمنتجات والخدمات أكثر منها بين الشركات. وعلى الشركات العربية أن تسعى بكل جهد لاستقطاب النوعية المميزة من الموظفين المؤهلين والاحتفاظ بهم، وهذا يتطلب أكثر من مجرد إعطائهم مرتبات وأجور منافسة، فيجب أن يتوافر نظام مرتبط بالأداء، مثل مشاركة الموظفين في أرباح الشركات وتقديم خيار شراء الأسهم لهم بدلاً من ربط الأجور بسنوات الخدمة ومعاملة الموظفين كبيروقراطيين يركزون أكثر على الرتبة واللقب أكثر من تركيزهم على الإنتاجية. فلا بد أن يكون الهدف الرئيسي للموظف تطوير قدراته الشخصية وأن تعطى له فرصة للإبداع والتقدم في العمل والاستفادة المادية من زيادة ربحية الشركة، وإلى الوعود بمكاسب مستقبلية مثل خيار منح الأسهم بدلاً من الأمن والاستقرار الوظيفي. ويجب أن تكون لكل شركة رؤية واضحة تحدد أهدافها بجلاء، وتذكر في سطور قلائل مبادئها وطريقة تحقيق ما تصبو إليه، وتكون هذه الرؤية مدعومة بمجموعة من الممارسات يتقيد بها الجميع ابتداء من الإدارة العليا وانتهاء بصغار الموظفين، والعمل على أن تكون الأهداف الشخصية للموظفين متجانسة مع الأهداف العامة للشركة. ويجب أن يبقى الموظفون على علم بمسيرة الشركة والعمل بروح الفريق الواحد لأن الجميع سيتأثر بنجاح أو فشل الشركة في المستقبل، وعلى المدراء في بلادنا أن يستفيدوا من تجارب إدارات الأعمال الناجحة في الغرب مع الأخذ في الاعتبار وجود فوارق ثقافية عميقة. الاندماج والمنافسة إن إحدى وسائل تعزيز القوة التنافسية للشركات العربية في السوق العالمية المتحررة هي الاندماج مع شركات أخرى سواء محلياً أو عبر الحدود، إذ ان من شأن ذلك أن يخفض كلفة الإنتاج ويحد من الازدواجية ويؤدي إلى تحسين الفعالية. كما أن الاندماج يوزع كلفة التكنولوجيا الهائلة على قاعدة أوسع، ويتيح الاستفادة من اقتصاديات الحجم، وتخفيض كلفة الوحدة، وبيع المنتجات في سائر الأسواق. ويتطلب نجاح الدمج عقلية منفتحة مبنية على المنفعة المتبادلة وفق قاعدة ما هو الأفضل للمساهمين في المؤسسات المندمجة. ففي الدول المتقدمة لا يتم الدمج بسبب الحوافز أو الإعفاءات الضريبية، فالمطلوب من الحكومة هو تسهيل عملية الاندماج عن طريق تبسيط الإجراءات المطلوبة والتشديد على أهمية الدور الذي تلعبه بنوك الاستثمار في هذا المجال. فهذه المؤسسات يناط بها مهام تقويم الشركات واتمام عمليات الاندماج والتملك، ففي العالم المتطور تترك عملية الدمج للمساهمين في كلتا الشركتين المندمجتين لأخذ القرارات المناسبة، ويقتصر دور الحكومة على الرقابة وحماية المستهلك لمنع الاحتكار الذي يمكن أن ينتج عن الدمج في بعض الحالات. ومن الأسباب التي أدت إلى ندرة عمليات الدمج والحيازة في المنطقة العربية مقارنة بمناطق أخرى من العالم طبيعة المساهمين والمالكين الرئيسيين للشركات العربية. وبالنسبة للعائلات فإن الدمج لا ينظر إليه فقط من منظور ميزات الحجم وتعظيم الربح بل أيضاً من مدى تأثيره على موقع العائلة المالكة للشركة، لأن ملكية الشركة هي سند إثبات لعراقة العائلة ولنفوذها الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ولهذا فإن الغاية التجارية وإن كانت مهمة، فهي ليست أهم من الاعتبارات الأخرى. وفي نهاية المطاف فإن ما يفرق الشركات الناجحة عن غيرها هو رغبتها في: - أن تأخذ الرؤية التي وضعتها لنفسها بشكل جدي. - أن تنظر إلى الموظفين لديها كاستثمار وتعمل على تطوير قدراتهم المهنية. - أن تكافئ الأداء الجيد عن طريق العلاوات وإعطاء الموظفين خيارات شراء الأسهم. - أن تأخذ دائماً في الاعتبار درجات الرضى عند الموظفين، وتجعل الترقيات للمناصب العليا في أغلبها من الداخل. - أن تتبع في أعمالها الإفصاح الكامل والشفافية المالية والمهنية المطلوبة. - أن يكون لها هيكل إداري أفقي ومرن وتعمل بروح الفريق الواحد. - أن تتقيد بمبادئ الاستقامة الشخصية ومعايير الجودة والخدمة المميزة. التغير في الهيكل الإداري للشركات العربية الهيكل الإداري الجديد 1 الهيكل الإداري القديم 2 التنظيم الإداري 1 - أفقي مرتبط بشبكات اتصال 2 - هرمي تركيز الإدارة 1 - تعظيم العائد على حقوق المساهمين 2 - النمو السنوي وزيادة المبيعات والحصول على حصة سوقية أكبر تركيبة الملكية 1 - شركات عامة 2 - عائلية أسلوب الإدارة 1 - مرن ويعتمد على روح العمل كفريق واحد 2 - محدد لا يتغير هيكلة الإنتاج 1 - الاعتماد المتبادل على الغير والاستفادة من مصادر خارجية ذات كلفة أقل 2 - الاعتماد على الذات العمليات 1 - تكامل افتراضي وارتباط عن طريق شبكة الكومبيوتر 2 - تكامل فعلي بين وحدات الإنتاج المنتجات بين الماركات والمنتجات والخدمات بين الشركات المنافسة 1 - إنتاج ما تتطلبه السوق 2 - ما تستطيع الشركة إنتاجه التسويق 1 - بيع منتجات الشركات المنافسة أيضاً 2 - بيع ما ينتج داخلياً الترقية في العمل 1 - تعتمد على إنتاجية الموظف 2 - تعتمد على العلاقات الشخصية واسطة البيانات المالية 1 - ربع سنوية أو حتى شهرية أو أسبوعية 2 - سنوية اتخاذ القرار 1 - من الموظفين المسؤولين ويتم إقراره من الرئيس التنفيذي 2 - ايحائية متسلطة القيادة من الرئيس التنفيذي إلى الموظفين اليد العاملة 1 - المستخدمون الذين هم مالكو الأسهم أيضاً 2 - المستخدمون بأجر التوقعات الوظيفية 1 - طوير القدرات والاستفادة المادية من زيادة ربحية الشركة 2 - الأمان والاستقرار الوظيفي *جوردان انفستمنت ترست جوردانفست