القائد الذي ألهمنا وأعاد لنا الثقة بأنفسنا    النفط يقفز 3%    البرلمان الألماني يبحث الأربعاء تفشي الحمى القلاعية في البلاد    قوة نمو الوظائف الأمريكية تزيد الشكوك إزاء خفض الفائدة مجددا    أمريكا وبريطانيا توسعان عقوبات كاسحة على صناعة النفط الروسية    البيت الأبيض: بايدن سيوجّه خطابا وداعيا إلى الأمة الأربعاء    الإعاقة.. في عيون الوطن    ابعد عن الشر وغني له    أمين الطائف هدفنا بالأمانة الانتقال بالمشاركة المجتمعية للاحترافية    فريق جامعة الملك عبدالعزيز يتوّج بلقب بطولة كرة السلة للجامعات    "لوريل ريفر"، "سييرا ليون"، و"رومانتيك واريور" مرشحون لشرف الفوز بلقب السباق الأغلى في العالم    العروبة يتعاقد مع العراقي عدنان حمد لقيادة الفريق فنيّاً    هاو لم يفقد الأمل في بقاء دوبرافكا مع نيوكاسل    مهاجم الأهلي: قدمنا مباراة كبيرة واستحقينا الفوز على الشباب    رئيس مصر: بلادنا تعاني من حالة فقر مائي    ما بين الجمال والأذية.. العدار تزهر بألوانها الوردية    ضبط يمني في مكة لترويجه (11,968) قرصًا خاضعًا لتنظيم التداول الطبي    «الغذاء والدواء» تحذّر من منتج لحم بقري لتلوثه ببكتيريا اللستيريا    «سلمان للإغاثة» يوزّع 2.910 من السلال الغذائية والحقائب الصحية في حلب    لاعب الشباب يغيب عن مواجهة الأهلي لأسباب عائلية    بالشرقية .. جمعية الذوق العام تنظم مسيرة "اسلم وسلّم"    مجموعة stc تمكّن المكفوفين من عيش أجواء كرة القدم خلال بطولة كأس السوبر الإسباني    ملتقى الشعر السادس بجازان يختتم فعالياته ب 3 أمسيات شعرية    «حرس الحدود» بعسير ينقذ طفلاً من الغرق أثناء ممارسة السباحة    الشيخ طلال خواجي يحتفل بزواج ابن أخيه النقيب عز    عبرت عن صدمتها.. حرائق كاليفورنيا تحطم قلب باريس هيلتون    أنشيلوتي يبدي إعجابه بالجماهير.. ومدرب مايوركا يعترف: واجهنا فريقًا كبيرًا    جوزيف عون يرسم خارطة سياسية جديدة للبنان    مزايا جديدة للمستوردين والمصدرين في "المشغل الاقتصادي السعودي المعتمد"    خطيب المسجد النبوي: تجنبوا الأحاديث الموضوعة والبدع المتعلقة بشهر رجب    "الزكاة والضريبة والجمارك" تُحبط محاولتي تهريب أكثر من 6 كيلوجرام من "الشبو"    لإنهاء حرب أوكرانيا.. ترمب يكشف عن لقاء قريب مع بوتين    فن الكسل محاربة التقاليع وتذوق سائر الفنون    «عباقرة التوحد»..    محافظ الطائف يستأنف جولاته ل«السيل والعطيف» ويطّلع على «التنموي والميقات»    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    الصداع مؤشر لحالات مرضية متعددة    5 طرق سهلة لحرق دهون البطن في الشتاء    ماذا بعد دورة الخليج؟    الحمار في السياسة والرياضة؟!    وزارة الثقافة تُطلق مسابقة «عدسة وحرفة»    كُن مرشدَ نفسك    سوريا بعد الحرب: سبع خطوات نحو السلام والاستقرار    أسرار الجهاز الهضمي    المقدس البشري    الرياض تستضيف الاجتماع الوزاري الدولي الرابع للوزراء المعنيين بشؤون التعدين    جانب مظلم للعمل الرقمي يربط الموظف بعمله باستمرار    الألعاب الشعبية.. تراث بنكهة الألفة والترفيه    أفضل الوجبات الصحية في 2025    مركز إكثار وصون النمر العربي في العُلا يحصل على اعتماد دولي    مغادرة الطائرة الإغاثية السعودية ال8 لمساعدة الشعب السوري    إطلاق كائنات مهددة بالانقراض في محمية الإمام تركي بن عبدالله    نائب أمير تبوك يطلع على مؤشرات أداء الخدمات الصحية    أمير القصيم يتسلم التقرير الختامي لفعالية "أطايب الرس"    ولي العهد عنوان المجد    أمير المدينة يرعى المسابقة القرآنية    عناية الدولة السعودية واهتمامها بالكِتاب والسُّنَّة    مجموعة (لمسة وفاء) تزور بدر العباسي للإطمئنان عليه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العلاقات الايرانية - الأفغانية ... تحكمها موازنة المصالح ويخيم عليها ظل باكستان الملح
نشر في الحياة يوم 08 - 10 - 2001

لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية بالموقف الإيراني الرسمي إدانة الإرهاب وقتل المدنيين، بل ذهبت الى أبعد من ذلك لتضع طهران امام خيارين لا ثالث لهما: إما معنا وإما ضدنا. وإذ افترضت واشنطن ان طهران لن تجرؤ إلا على الخيار الأول سارعت الى توجيه لائحة مطالب رفضتها ايران باعتبار انها تمس جوهر المواقف المبدئية للجمهورية الإسلامية منذ قيامها، وخصوصاً ما يتعلق بفلسطين والقدس والمقاومة و"حزب الله" اللبناني، وقد فعلت ذلك مع توجسها من الحملة الأميركية برمتها ومن احتمال قيام اميركا بعملية تصفية حساب ضدها بالاشتراك مع اسرائيل.
ويبدو واضحاً أن إيران، جارة افغانستان القريبة والمعنية بأزماتها، تواجه وضعاً معقداً لجهة التعاطي مع الأزمة الراهنة، فهي محكومة بمواقف مبدئية وبعقيدة الدولة والمجتمع، ولكن ايضاً بعلاقة خاصة مع الوضع الأفغاني وباحتمالات مستقبلية معقدة وبحسابات استراتيجية وسياسية واقتصادية. في ما يأتي محاولة لقراءة العلاقات الإيرانية - الأفغانية على خلفية مصالح طهران:
بعد الانسحاب الروسي من افغانستان دخل هذا البلد في حروب داخلية دموية بين حلفاء الأمس، أسفرت في نتائجها الأولية عن تقاسم السلطة والمواقع، وحتى مناطق النفوذ على خلفيات مذهبية وقومية وقبلية. وهذه الصراعات ادت الى إنتاج حركة طالبان التي، وأمام تعاظم نفوذها وقوتها وسعيها الى السيطرة على جميع الأراضي الأفغانية لإيجاد امر واقع جديد، ساهمت في تعجيل ائتلاف القوى المعارضة لها تحت شعار "تحالف الشمال"، الذي ضم في بدايته كلاً من: قوات احمد شاه مسعود، برهان الدين رباني، بقايا قوات الأوزبك بقيادة الجنرال دستم والجنرال عبدالملك، وبعض القادة التابعين لقلب الدين حكمتيار. وكان الدافع الأساس في هذا التحالف اعتقاد هذه القوى ان سيطرة قوات طالبان على كل الأراضي الأفغانية ستخلق تحولاً في المشهد السياسي والسلطوي وتحدث انقلاباً في التاريخ المعاصر لهذا البلد، وبالتالي ستضع العالم امام واقع السيطرة الكاملة لطالبان على أفغانستان.
ولم يقف العالم، وخصوصاً جيران افغانستان، موقف المتفرج حيال ما يجري في هذا البلد، منذ الدخول السوفياتي عام 1978 وحتى الآن. وإضافة الى محاولات الأمم المتحدة ايجاد حل للنزاعات. والتوترات الأفغانية، كانت لدول الجوار مبادرات ومحاولات لم تثمر ايضاً. ولكل دولة من هذه الدول علاقات ومصالح مع افغانستان، سياسية، واقتصادية، وثقافية وعرقية ودينية واستراتيجية.
ماذا تريد ايران؟
يذكر ان ايران كانت اعلنت في 18 تشرين الثاني نوفمبر من العام 1999 اعادة فتح حدودها المشتركة مع افغانستان طالبان، وذلك بعد ان تلبدت العلاقات والأجواء بين البلدين لمدة تزيد عن السنة. وساهمت في اتخاذ هذا القرار مباحثات مسؤولين سياسيين وتجاريين من الطرفين عقدت في مدينة مشهد الإيرانية القريبة من الحدود الأفغانية، وذلك في الفترة التي كانت العلاقات الديبلوماسية بين البلدين مقطوعة إثر اغتيال الديبلوماسيين الإيرانيين في مدينة مزار شريف. وأثارت إعادة فتح الحدود تساؤلات كثيرة حول امر اساسي هو، لماذا اعيد فتح الحدود؟ هل تم فتح الحدود لإعادة العلاقات الرسمية بين الطرفين؟
هذه الأسئلة وغيرها شغلت العامة والمتخصصين في تلك الفترة، وبدأ طرح فرضيات حول ذلك منها:
1- ان فتح الحدود مع طالبان له علاقة بالحصار الذي فرضته الأمم المتحدة.
2- ان القرار الباكستاني بمنع تصدير ودخول المواد الغذائية والمحروقات الى أفغانستان كان مؤثراً في القرار الإيراني.
3- ان القرار الإيراني بفتح الحدود كان رد فعل على القرار التركمانستاني بالموافقة على مد انبوب نفط بحر الخزر باكو/ جيحان وغازه.
4- ان القرار الإيراني بفتح الحدود كان قراراً إيرانياً مستقلاً وفي إطار المصالح الوطنية.
إذا كان بالإمكان اعتبار ان كلاً من الفرضيات السابقة كان لها تأثير على قرار فتح الحدود، الا ان المتغيرات التي حدثت في الفترة السابقة في علاقة ايران وطالبان تعزز الاعتقاد ان القرار الإيراني كان قراراً مستقلاً وفي إطار المصالح الوطنية.
- المتغير الأول: عقوبات الأمم المتحدة وفتح الحدود.
في الرابع عشر من تشرين الأول اكتوبر من العام 1999 أقرت الأمم المتحدة مشروع القرار رقم 1267 الذي فرض على طالبان تسليم اسامة بن لادن، وقد اكد القرار انه اذا لم تقدم الحركة على تسليم ابن لادن خلال مدة شهر كحد اقصى، فإنها ستعمد الى فرض عقوباتها عليها:
أ- تجميد الأملاك والحسابات العائدة للحركة في المصارف الأجنبية.
ب - فرض حظر جوي على الطائرات الأفغانية التي تسيّرها طالبان من أفغانستان وإليها.
بعد مرور شهر على هذا القرار، لم تقدم طالبان على تسليم اسامة بن لادن، لذلك عمدت الأمم المتحدة الى تنفيذ قرارها السابق، وبعد اسبوع واحد على تطبيق هذا القرار اعلنت ايران عن إعادة فتح حدودها مع أفغانستان.
من الجهة الأفغانية وعلى رغم انه لم يتم تقديم اي احصاءات أو تصورات عن مدى التأثير الذي تركته عقوبات الأمم المتحدة على طالبان، لكن ردة فعلها توضح مدى ما كان لها من آثار سلبية عليها مثل:
- الحظر الجوي كان يعني قطع احد المصادر المالية لهذه الحركة.
- توقف قسم من العمليات التجارية التي كانت تتم عن طريق الجو.
- ارتفاع اسعار المحروقات بشكل كبير نحو ثلاثة اضعاف.
- توقف المساعدات الخارجية التي كانت تصلها.
هذه الأوضاع ساعدت في طرح اسئلة حول شرعية طالبان وفي حدوث انتفاضات داخلية ضدها. وهذه الأسباب، الى جانب اقفال الحدود الباكستانية دفعت طالبان الى إعادة النظر في العلاقة مع ايران، إذ كانت ضرورة لا يمكن تفاديها.
اما النظرة الإيرانية فإنها تنطلق من الأثر الذي تركته العقوبات الدولية على طالبان في تغيير موقفها من ايران، وفي ان إعادة فتح الحدود بين البلدين ليست لها علاقة بهذه العقوبات ولا تتعارض مع سياسات تطبيق عقوبات الأمم المتحدة، وذلك انطلاقاً من اعتبارات عدة:
- ان قرار الأمم المتحدة لم يضع اي شروط لنشاطات الترانزيت الأرضي امام طالبان، وعليه فإن هذه الحركة تستطيع القيام بنشاطاتها الأرضية من دون اي مانع.
- ان ايران وفي إطار الفضاء الدولي الذي اوجدته لنفسها التصالح مع المجتمع الدولي لا يمكن ان تقدم على أي اجراء يتعارض مع قرار الأمم المتحدة.
- ان ايران نفسها تصر وتؤكد تطبيق قرارات الأمم المتحدة ومجموعة 6 " 2 دول الجوار " اميركا وروسيا خصوصاً في ما يتعلق بمعاقبة الذين اغتالوا الديبلوماسيين والصحافي الإيراني في مدينة مزار شريف، لذلك فلا يمكن ان تقوم بأي خطوة تتعارض مع قرارات الأمم المتحدة.
- على رغم التوتر المسيطر على العلاقات الإيرانية - الأفغانية، فإن التبادل التجاري غير الرسمي بين التجار الإيرانيين والأفغان لم يتوقف، وهذا ما أكده الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي في حديث له بتاريخ 19 كانون الأول ديسمبر العام 1999.
- رحب بعض الدول بإعادة فتح الحدود، ولم تبد الأمم المتحدة اي موقف يفهم منه انها تعارض اعادة فتح الحدود أو ان هذا الأمر يعتبر مخالفاً لقرارها السابق.
- كانت العقوبات الدولية موجهة ضد حركة طالبان وليس ضد الشعب الأفغاني.
- المتغير الثاني: منع دخول البضائع من باكستان وفتح الحدود الإيرانية.
بعد إقامة الحكم العسكري في باكستان بقيادة الجنرال برويز مشرف تراجع مستوى العلاقات مع طالبان، وكان احد تعبيرات هذا الأمر قرار الحكم العسكري آنذاك منع تصدير المواد الغذائية والمحروقات الى افغانستان، الذي كانت له آثار سلبية كبيرة على الوضع الاقتصادي الأفغاني، فقد تضاعفت اسعار الطحين والخبز في كابول والمناطق الخاضعة لسيطرة طالبان ثلاثة اضعاف، وانخفضت قيمة العملة الأفغاني والقدرة الشرائية بشكل كبير ايضاً، ما دفع الطالبان وأمام هذه الأوضاع الى التفكير الجدي في سد الفراغ الذي حدث، وكانت ترجمته العملية في البدء باتباع سياسة مسالمة اتجاه ايران، وهنا يطرح السؤال، هل يمكن ان يكون اقفال الحدود مع باكستان قد اثر على قرار فتحها مع إيران؟ من الطبيعي، ان يؤثر هذا البعد في قرار طالبان في موقفها من ايران اكثر مما أثر في الموقف الإيراني تجاه طالبان، اي بتعبير آخر، لقد اجبر الضغط الذي أحدثه اقفال الحدود الباكستانية طالبان على إعادة النظر في سياستها نحو ايران. وهنا يمكن القول من الزاوية الإيرانية ان من الطبيعي ان تستغل ايران الفرصة للإفادة و تحقيق بعض المصالح، لأن باكستان تعتبر منافساً قوياً لإيران في اللعبة الأفغانية.
- المتغير الثالث: العلاقات الإيرانية - التركمانستانية وفتح الحدود مع افغانستان.
في اواخر تشرين الأول من عام 1999 اعلنت تركمانستان عن موافقتها على انتقال نفط بحر الخزر وغازه عبر اراضيها بواسطة خط انابيب باكو - جيحان، وقد دخل هذا القرار حيّز التنفيذ والعمل بعد التوقيع على الاتفاق في العاصمة التركية اسطنبول، وفاجأت هذه الخطوة التي قامت بها عشق آباد طهران لأنها خالفت جميع الاتفاقات والقرارات الثنائية بهذا الخصوص، وكان من الطبيعي ان ترافق هذه الخطوة ردة فعل ايرانية برزت على النحو الآتي:
1- اتخاذ موقف سلبي من تركمانستان: وهذا الامر لن يؤثر كثيراً على السياسة التركمانية، وذلك لأن عشق اباد كانت اتخذت قرارها، خصوصاً ان المواقف السلبية الماضية التي اتخذتها ايران تجاه الدول المطلة على بحر الخزر على خلفية رفضها او معارضتها لموافقتها على الانضمام لخط انابيب باكو-جيحان لم تؤد الى نتيجة تذكر.
2- الغاء الاتفاقات الثنائية بين البلدين: اذا ما اتخذت ايران مثل هذه السياسة في الرد على القرار التركماني، فإن مردوده الاقتصادي سيكون مضراً لها، وستدفع بتركمانستان الى التفتيش بجدية عن طرق اخرى لنقل نفطها وغازها غير الطريق الايراني.
3- فتح الحدود مع افغانستان: مع ان مثل هذا القرار سيكلف ايران ضريبة سياسية، لكنه في الوقت ذاته يشكل ضغطاً على تركمانستان، لأنه وخلال فترة اقفال هذه الحدود كان التجار الايرانيون وغير الايرانيين يقومون بتصدير بضائعهم الى افغانستان من طريق الاراضي التركمانية جمارك تورغندي الامر الذي كان يؤمن مدخولاً مالياً لتركمانستان يصل الى حدود 70 مليون دولار في السنة، وفي حال اعادة فتح الحدود فإن عشق آباد تفقد هذا الامتياز.
المتغير الرابع: فتح الحدود - السياسة في سياق المصالح الوطنية.
اذا كان من الممكن ان يكون للمتغيرات الثلاثة السابقة تأثيرها في صوغ القرار الايراني بفتح الحدود مع افغانستان، لكن ومن الناحية التي تتعلق بالجانب الايراني، فإن الاجراء الذي اتخذ كان في اطار سياسة مستقلة ومؤطرة ضمن مصالحها الوطنية، والمقصود بالسياسات المستقلة الوطنية ان ايران ومن دون الالتفات الى المتغيرات الثلاثة السابقة بادرت الى فتح الحدود، وهو لم يكن قراراً انفعالياً او ابن ساعته، بل يأتي ضمن سياق خاص لصناعة القرار يبدأ في نقطة وينتهي الى نقطة محددتين. وهذا المفهوم السياسي الإيراني يمكن توضيحه من خلال تحديد ما تريده ايران في المسائل الآتية، ما هي المقتضيات العقلانية في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية تجاه افغانستان؟ وما هي اهمية افغانستان بالنسبة لإيران؟ هناك نظريات مختلفة حول ذلك.
النظرية الأولى: مباني السياسة الخارجية الايرانية في مقابل افغانستان.
من الطبيعي ان تضع الجمهورية الاسلامية الايرانية اسساً عدة على جدول سياستها الخارجية ازاء التحولات والاحداث التي تحصل في افغانستان، وهذه الأسس هي:
1- جيو - سياسي: الجوار القائم بين ايران وافغانستان يفرض على ايران ان تتعامل مع اي حكومة او دولة تسيطر على مقاليد السلطة في هذا البلد، انطلاقاً من مبدأ العيش السلمي المترافق مع الاحترام المتبادل الذي يحتل رأس اولويات السياسة الخارجية الايرانية.
2- جيو - استراتيجي: انطلاقاً من هذا الاصل، فإن الاحداث والتحولات الداخلية الافغانية تؤثر في شكل كبير على المسائل الامنية الايرانية، لذلك عليها ان تلعب دوراً فاعلاً وأساسياً في التحولات الداخلية الافغانية وتتخذ مواقف حولها.
3- الايديولوجي: الشعب الافغاني شعب مسلم، لذلك فإن الدولة التي تريد ان تحكمه يجب ان تكون اسلامية، وعليه فإن على السياسة الخارجية الايرانية ان تحدث تعديلاً على مبدأ عدم التدخل الذي تنادي به نحو التدخل البناء لمصلحة الشعب الافغاني، وفي هذا الاطار فإن سعي ايران يجب ان ينصب على البحث من طرق مختلفة لايجاد الاسباب والظروف التي تساعد على تحقيق هذا الهدف.
4- جيو - اقتصادي: من الممكن ان تتحول افغانستان الى سوق جيدة لايران، لذا فإن على ايران الافادة من اي فرصة في هذا الاطار.
5- جيو - ثقافي: هناك تقارب ثقافي كبير بين ايران وأفغانستان، وعلى الدولة التي تسيطر على السلطة هناك ان تقوم بتعزيز هذه العلاقات الثقافية وليس تضعيفها.
6- الدين او الطائفة والمذهب: يشكل الشيعة جزءاً من تركيبة الشعب الافغاني، وحرموا من حقوقهم على مدى الحياة السياسية الافغانية، لذا فإن على أي دولة أو سلطة ان تراعي حقوق الشيعة وتضع ذلك في اولويات سياستها.
النظرية الثانية: اهمية افغانستان بالنسبة لايران.
تحظى افغانستان بأهمية لدى ايران لأسباب عدة هي:
أ- الاهمية السياسية: حظيت افغانستان باهتمام دائم في السياسة الخارجية الايرانية، وتضاعفت هذه الاهمية بعد انتصار الثورة في ايران:
- شكلت افغانستان رئة لتواصل ايران مع الخارج ولكسر الحصار الاميركي خلال العشرين سنة الماضية.
- طوال الحرب العراقية - الإيرانية كانت ايران مطمئنة لحدودها الشرقية، وقد ساعدها هذا الأمر على حشد كل طاقاتها العسكرية والبشرية ونشرها على الحدود مع العراق والخليج.
- تعتبر افغانستان معبراً مهماً لإيران للتواصل مع دول تعتبر صديقة لها مثل طاجيكستان والهند والصين.
- ان تواجد أو نفوذ قوى أجنبية في أفغانستان يمكنه ان يخلق مشكلات اساسية لإيران.
ب - الأهمية الاقتصادية: بالالتفات الى أن افغانستان تعد بلداً فقيراً، لذلك فإنها تشكل سوقاً مهماً للبضائع والمنتجات الإيرانية، فالسوق الأفغانية غارقة بها من بدخشان الى قندهار ومن ننغرهار الى هرات، اضافة الى أنها تعتبر بلداً غنياً بموارده الطبيعية ومكاناً مهماً للاستثمارات الإيرانية، لذلك فإن النفوذ الإيراني فيها يمنع من تحولها الى منافس في المستقبل، وهذه الأسباب تفرض على إيران إبداء الاهتمام بالوضع الأفغاني.
النظرية الثالثة: العلاقات الإيرانية - الأفغانية خلال العام 1999.
قامت العلاقات الإيرانية - الأفغانية خلال العام 1999 على اساس الاختلافات والتقسيمات الاجتماعية الموجودة في افغانستان، وعليه ومن خلال هذه العلاقات يمكن تحديد فريقين اساسيين في هذا التقسيم هما:
أ- قوات الشمال: التي قدمت ايران لها الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي والمالي طوال الفترة الماضية.
ب - طالبان: لقد قامت ايران بنشاطات مضادة ضد حركة طالبان في الفترة الماضية تتلخص بالتالي:
- ايجاد فضاء إعلامي ودعائي معاد لها انطلاقاً من انها تحمي الإرهاب وتنقض شرعة حقوق الإنسان وتنتج المخدرات وتصدرها.
- الضغط على الدول والمؤسسات الدولية لمنع اعترافها بها رسمياً.
- الضغط العسكري عن طريق القيام بمناورات عسكرية على الحدود المشتركة والدعم العسكري للأطراف المعارضة لها.
- الضغط الاقتصادي من قبيل اقفال الحدود.
النظرية الرابعة: اعادة فتح الحدود - ارتفاع مستوى العلاقات.
هل من الممكن اعتبار اعادة فتح الحدود الإيرانية - الأفغانية تحولاً في العلاقات الثنائية؟ في الوقت الذي اعلن فيه الناطق الرسمي باسم الخارجية الإيرانية حميد رضا آصفي ان اعادة فتح الحدود لم يحدث اي تغيير في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه حركة طالبان، في حين اعتبر مسؤولو طالبان، وخصوصاً وزير خارجيتها وكيل احمد متوكل ان اعادة فتح الحدود هي خطوة ايجابية وواضحة في اتجاه تحسين العلاقات بين كابول وطهران، وهو ما تصر الآراء الديبلوماسية على تأكيده. وفي الحقيقة فإن اعادة فتح الحدود تعتبر اعترافاً وعملياً على أجزاء واسعة من اراضي افغانستان.
النظرية الخامسة: آثار وتبعات فتح الحدود.
إن إعادة فتح الحدود مع طالبان نجمت عنها آثار وتبعات عدة على ايران اهمها هو:
أ- الأثر الاقتصادي، شكل الحدث فرصة مهمة وسهلة للتجار والبائعين الإيرانيين للاستمرار في عمليات البيع المربح مع جيرانهم على الحدود الشرقية.
ب - الأثر الأمني، ان اعادة فتح الحدود تعتبر خطوة في ازالة التوتر بين ايران وطالبان، وهذا الجانب يعود على ايران بمنافع اهمها:
- يمنع دخول وخروج البضائع المهربة.
- يضع عراقيل امام شبكات تهريب المخدرات.
- يخفف من الأحداث التي تخلقها مجموعات المخربين المدعومة من طالبان للإيرانيين الساكنين على الحدود مثل عمليات الخطف خطف الأطفال والبنات وفرض خوات، وقد شرعت القوات العسكرية والأمنية منذ اكثر من سنة حرباً فعلية وحقيقية لاستئصال تواجد هذه المجموعات في تلك المناطق.
- يخفف من إمكان افادة القوى الأجنبية من حركة طالبان ضد ايران.
- يوفر فرصة للاطلاع على نمط سياسات طالبان ومسيرتها.
- يسهل عمليات تنظيم وتدريب القوى الشعبية الأفغانية المعارضة لطالبان.
ج - الأثر السياسي: ان لإعادة فتح الحدود مع طالبان آثاراً سياسية ايجابية وسلبية، اما الإيجابي فيها، فإنه يعطي فرصة جيدة ومن خلال تحسين العلاقات مع طالبان للتوصل الى حلول معها ودفعها الى القبول بالتنازل عن بعض السلطة لقوات تحالف الشمال، اضافة الى ان حركة طالبان كأمر واقع، تشكل جناحاً قوياً في التركيبة الأفغانية، وإذا ما حدث توافق على إقامة حكومة موسعة فإنه سيكون لها وزن كبير داخل تلك التركيبة السياسية، لذلك فإن القرار الإيراني بتحسين العلاقات مع طالبان هو خطوة معقولة ومدروسة، مع إمكان ان يكون له بعض الآثار السلبية إذ انه اي القرار بإعادة فتح الحدود جاء في شروط وظروف زمنية غير مناسبة، من غير ان تكون له علاقة بعقوبات الأمم المتحدة ضد طالبان.
الدوافع
بالمحصلة يمكن ايراد الدوافع الآتية لتطور علاقات طهران مع كابول:
1- ان السياسة التي اتخذتها ايران اتجاه طالبان يمكن القول انها سياسة منطقية ومعقولة ويجب ان تستمر، وقد لا تنتهي فقط بجذب طالبان، بل قد تصل الى التأثير الإيجابي على الرأي العام الأفغاني تجاه ايران لأن إعادة فتح الحدود ستكون لمصلحة سكان المناطق الحدودية على وجه الخصوص اي هرات وفراه ونيمروز وهؤلاء معروفون بنظرتهم الإيجابية تجاه ايران.
2- يجب ان تحتل المصالح الوطنية مكان الصدارة في السياسة، وأن أي قرار يقوم على تأمين المصالح الوطنية هو قرار عقلاني ومطلوب، لهذا فإن على ايران ومن خلال ديبلوماسية شفافة ان تفكر في تأمين مصالحها الوطنية في افغانستان.
3- لقد اثبتت التجربة ان أياً من المجموعات السياسية والعسكرية الأفغانية لا يمكنها ان تلعب الدور المؤثر الذي تريده ايران داخل افغانستان في الضغط على الآخرين، لذلك فإنه يتوجب عليها المحافظة على جميع القوى الأفغانية وتوظيفهم في الاتجاه الذي تريده.
4- تجب الإفادة من الانفتاح النسبي في العلاقات الإيرانية مع طالبان وتوظيفه لإقناع طالبان بالتنازل عن جزء من السلطة للقوى الأخرى.
5- إن الصورة المعطاة عن طالبان في الخارج صورة سلبية وخاطئة، فالبعض من عناصرها اشخاص متدينون وملتزمون وعلى اطلاع ويمكن التفاهم معهم والعمل على تأمين المصالح الوطنية.
6- هناك تشابه في السياسات الداخلية والخارجية لطالبان مع التي في ايران، لذا يجب الإفادة من هذه النقاط المشتركة في اطار تأمين المصلحة الوطنية.
7- لدى الشعب الأفغاني اهتمام واسع بإيران، ولا يجب ومن خلال سياسة غير مدروسة ودقيقة ان نخسر هذا الاهتمام.
8- ان تكون الديبلوماسية الإيرانية تجاه طالبان سياسة شفافة وغير علنية، حتى لا تترك آثاراً سيئة على ماهية النظام الإسلامي الإيراني في الخارج، وذلك لأن الصورة المعطاة عن طالبان في الخارج صورة سلبية.
9- يجب تفهيم قوات تحالف الشمال ان تحسين العلاقات مع طالبان هي لمصلحتهم وعن طريق هذه العلاقات يمكن بناء الثقة لدى طالبان ودفعها للقبول بالتخلي عن جزء من السلطة لتحالف الشمال.
10- على خلاف التصورات السابقة فإن طالبان ليست اداة في ايدي اميركا وباكستان، فبعضهم لديه آراء معادية لباكستان ولأميركا، ويجب التعرف على هؤلاء والإفادة منهم لمصلحة ايران.
11- تنقسم طالبان الى قمسين، متطرف ومعتدل، ويجب الإفادة من هذا الانشقاق في سياق تأمين المصلحة الوطنية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.