من المرجح ان تدخل الخلافات بين طالبان وواشنطن، على خلفية القصف الاميركي الذي استهدف بعض معسكرات ابن لادن في جبال افغانستان، مرحلة جديدة من التصعيد بعد انتهاء التحقيق الجاري في تفجيري نيروبي ودار السلام. فالدلائل عند الاميركيين تشير الى تورط ابن لادن في التفجيرين، ما دفع الى قصف افغانستان والسودان. وتوجيه محكمة اتحادية في نيويورك تهمة قتل اميركيين الى ابن لادن. اما النداء الذي وجهه زعيم حركة طالبان الملا محمد عمر الى اسامة بن لادن بالتوقف عن اطلاق تصريحات، فلا تبدو انها ستقنع الاميركيين بالكف عن ممارسة اقصى الضغوط على طالبان. وفي حال الانتهاء من التحقيق، يمكن لطالبان ان ترفض تسليمه. لكن تظل الامكانية قائمة في نجاح باكستان في اقناعها بتدبير حل يحفظ ماء الوجه. فباكستان حليفة لواشنطن على رغم الخلافات والعقوبات التي اعقبت تفجيرها النووي قبل اشهر. ثم ان مشاكلها الداخلية واوضاعها الاقتصادية المتردية جراء العقوبات الاميركية بعد التفجير النووي، لا تسمح لها بالمضي في تعميق الخلافات مع الولاياتالمتحدة نظراً لمخاوفها من ان يؤدي ذلك الى تشديد العقوبات عليها. وهو ما يمكن في حال حصوله ان يزيد من مصاعبها وينعكس ايجاباً على عدوتيها التقليديتين الهندوايران. والاهم من كل ذلك، ان الرئة الباكستانية تملك اهمية استراتيجية بالنسبة الى حكومة طالبان التي تطوقها حكومات ودول معادية من طاجيكستان واوزبكستان وتركمانستان الى ايران وروسيا. وما عن اهمية تلك الرئة احتمال عودة الدول الاقليمية لتحريرك ورقة المعارضة المسلحة في وجهها، واحتمال امتناع دول اسلامية اخرى كانت تدعمها في الماضي، عن تقديم الدعم في حال وجود مطالبة اميركية واضحة في ذلك الخصوص. هكذا قد يتمخض المستقبل عن سيناريو يتم بموجبه حل مشكلة قواعد الارهاب في افغانستان حسب رغبة واشنطن. وكذلك حل ازمة المحتجزين الايرانيين بشكل توافقي مع طهران. لكن ذلك لا ينفي، في الوقت ذاته، احتمالات التصعيد. فافغانستان اصبحت تحكمها ايديولوجية دينية متزمتة وضيقة الافق قد تذهب بها احلامها الى حد التصور ان في الامكان التغلب على الاعداء عن طريق الاحتفاظ بورقة الارهاب. ومن ناحية اخرى، قد تجد باكستان في تزمت طالبان وسيلة للضغط على واشنطن في اتجاه اقناعها برفع العقوبات المفروضة عليها جراء التجربة النووية، ودعم موقفها المتعلق بالصراع مع الهند. وأياً يكن الاحتمال، فالارجح ان عملية القصف الصاروخي الاميركي، يوم الخميس في 20 آب اغسطس الحالي، مهدت رغم طابعها العسكري، لتحولات سياسية محتملة في المنطقة قد تتوضح ابعادها بعد حين. ويأتي في مقدم تلك التحولات احتمال حصول بعض الانفراج في مجرى العلاقات بين اميركا وايران على خلفية الموقف من طالبان وسلوكياتها العدائية تجاه الدولتين. واستطراداً، يصح القول ان السياسة الاميركية حيال الوضع الافغاني شهدت، منذ حوالي عام، تغييراً في بعض مفاصلها. فواشنطن التي تمتعت بعلاقات متينة مع طالبان منذ نشوئها، انطلاقاً من موقف العداء لايران، اخذت تخشى استفرادها بالحكم في كابول. فطروحاتها متشنجة دينياً وخروقاتها لحقوق الانسان باعثة على احراج كبير لموقف واشنطن في المحافل الدولية. اما اهميتها الاستراتيجية في موازنة الدور الايراني فقد تقلصت كثيراً، خاصة بعد وصول حكومة خاتمي الانفتاحية الى السلطة في طهران. وما زاد الخشية، ان حكومة طالبان سارعت بعد نجاحها في بسط سيطرتها شبه الكاملة على افغانستان، الى توفير القواعد لعدد من المنظمات الارهابية وقادتها. وعلى رغم صعوبة البت في احتمال ان يكون غض كابول نظرها عن نشاطات ابن لادن انتقاماً من ذلك الموقف الذي عبّر عن نفسه بتجنب واشنطن الاعتراف بها، الا انه من شبه المؤكد ان علاقات التحالف الاميركي مع كابول كانت تعيش تدهوراً كبيراً قبل اشهر من تفجير السفارتين الاميركيتين. وكانت طهران تشعر بالتحولات الحاصلة في جبهة العلاقة بين طالبان واميركا. لذلك لم يلق خاتمي صعوبة في اقناع حكومته بالتجاوب مع مسعى المندوب الاميركي في مجلس الامن بيل ريتشاردسون، الخاص بوقف الحرب الافغانية واقامة حكومة موسعة في كابول. وكان رد طالبان متوقعاً: افشال اجتماع اسلام آباد وتسخين الجبهات العسكرية وتتويجها لاحقاً بهجوم كاسح على مناطق المعارضة. والاهم، توسيع قواعد ارهابيين عاملين ضد المصالح الاميركية وتوفير مستلزمات الحركة والنشاط امامهم، رغم ان الجو العام ظل خالياً من العداء المعلن. لكن ما علاقة كل ذلك بانعكاسات ايجابية محتملة على صعيد العلاقات بين اميركا وايران؟ في الواقع قد يساهم تصاعد الخلافات مع افغانستان، في اقناع واشنطن بضرورة مراجعة فكرتها القائلة ان مخاطر الارهاب كلها تنبع من ايران. بل قد تدفع بها الى اعادة تقييم بعض العمليات الارهابية التي استهدفت مصالحها في السابق ومصادر تمويل وتسليح بعض المنظمات الدينية، حيث كانت ايران في العادة هي المتهمة دائماً بالوقوف وراءها. كما يمكن ان تشجع الادارة الاميركية على استثمار الاجواء التي تمخضت عن العمليتين في اتجاه تنبيه ايران الى ان النار التي تشعلها من خلال رعاية الارهاب قد تحرق اصابعها ايضاً. فطالبان لا تؤوي ارهابيين معادين لمصالح اميركا فحسب، بل تحتجز، انطلاقاً من العقلية نفسها، اربعة ايرانيين جرى اعتقالهم في مزار الشريف. وفي حال تعرض هؤلاء الى سوء، فإن خسارة ايران لأرواح مواطنيها جراء الارهاب لن تكون اقل من خسارة اميركا. وعلى صعيد آخر، قد تشعر واشنطن ان الوضع الافغاني في ظل طالبان اصبح يتطلب مرونة ملموسة مع ايران بغية قطع الطريق على اي تحالف مفاجئ بين النظامين الدينيين المتجاورين في حال تفاقم المشكلات مع طالبان، او الاستمرار على سياسة عزل ايران. اما ايرانياً، فتمكن الاشارة الى مكاسب خاتمي في وجه معارضيه الداخليين. فحجته اصبحت قائمة للمطالبة بتخفيف الحدة مع اميركا بغية مواجهة الخطر المتأتي من افغانستان، والتأكيد على مراجعة مسألة دعم الحركات الدينية في الخارج بشكل مطلق، اذ ليس هناك ما يضمن عدم تحول هذه الحركات الى اعداء لايران. وما يساعد على ذلك، ان الاجواء النفسية التي خلقتها شراكة الدولتين في الهم الافغاني، قد تخفف من لهجة العداء بينهما. ولا ادل على ذلك من ان المتشددين في ايران شعروا، على غير عادتهم، بحرج بالغ حيال ادانة القصف الاميركي لافغانستان والسودان. واللافت ان بعضاً من تلك الاجواء بدا واضحاً عند زيارة وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين طهران بعد يوم واحد على القصف. ورغم ان الزيارة كانت حسب موعد مسبق، ولأغراض غير متعلقة بالموضوع الافغاني، الا ان التفاؤل الذي ساد المحادثات، وحرص الايرانيين على تأكيد نيتهم التعاون مع فرنسا من اجل تخفيف التوتر في جنوبلبنان، والدخول معها في شراكة ثلاثية تضم لبنان ايضاً، افصح عن رغبة طهران في اتجاه طمأنة الغرب، من خلال فرنسا، الى دور ايران الجديد واهمية تحولاتها السياسية والثقافية. لكل ذلك، يجوز القول ان حكومة طالبان قد تجد في نهاية المطاف منفذاً لحل مشكلتها مع واشنطن. وقد تطلق سراح المحتجزين الايرانيين. لكن الواضح ان ايواءها الارهابيين لا يفرز عداء اميركياً لها فحسب، بل يمكن ان يفرز ايضاً دوافع سياسية جديدة في واشنطنوطهران للتقدم الجدي نحو آفاق التقارب. وهذا آخر ما كانت تتمناه طالبان بالطبع