يعاني اكثر من ثلاثة آلاف شاب كويتي يتلقون دراستهم في الولاياتالمتحدة، الحيرة ازاء ما ينبغي عليهم فعله بعد احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر التي اثارت موجة هائلة من العنصرية في الشارع الاميركي تجاه العرب والمسلمين. وفيما فضّل بعض الطلاب الاستمرار في الدراسة والتعايش مع الظروف، قرر آخرون العودة ولو موقتاً، تلافياً لتعقيدات هم في غنى عنها، خصوصاً مع الاخذ في الاعتبار احتمال تكرار الهجمات الارهابية عندما يشن الاميركيون حملتهم على افغانستان. الطالب الكويتي علي القناعي 22 سنة الذي يدرس هندسة الكومبيوتر في جامعة كاليفورنيا لونغ بيتش، حمل معه الى الكويت قصته مع جهاز الامن الاميركي، وهي نموذج لما واجهه آلاف العرب والمسلمين هناك. وقال ل"الحياة" ان قراره ترك الدراسة والعودة الى الكويت جاء بعد نحو عشرة ايام على الاحداث، اذ "شنّت وسائل الاعلام المحلية حملة ضارية على العرب منذ اليوم الثاني للهجمات، وبدأت معاملة الناس معنا تسوء، وسمعنا عن هجمات على مؤسسات يملكها عرب ومسلمون، وقريباً منا قتل متطرفون اميركياً من اصل مصري". وتابع القناعي روايته: "يوم السبت 22 ايلول كنت في مطار لوس انجليس منذ الفجر، استعداداً لرحلة اميركان ايرلاينز التي كانت ستنقلني الى نيويورك ومنها الى الكويت، على متن الطائرة الكويتية، وما ان جلست على المقعد حتى غفوت من الارهاق. لكن يداً قوية على كتفي ايقظتني قبل اقلاع الطائرة بدقائق، ووجدت امامي رجلاً يشهر بطاقة اف. بي. اي ومعه ثلاث نساء عميلات لمكتب التحقيقات الفيديرالي، ثم أخرجوني الى بهو المطار. وهناك بدأ التحقيق معي في صورة خشنة. وكانت الاسئلة: لماذا تذكرتك في اتجاه واحد فقط؟ هل تدرّبت على الطيران؟ هل لك علاقة بمجموعة ارهابية؟ هل سبق لك معرفة ابن لادن؟ حتى ان الرجل سألني لماذا ولأي غرض ارتدي بنطلوناً فيه جيوب كثيرة، فضحكت، فغضب وأدار وجهي الى الحائط وشهر مسدسه في رأسي، وتجمهر المسافرون في القاعة حول هذا المنظر. وكأنني في فيلم بوليسي. أفرغوا ما في جيوبي، وكان فيها شريط فيديو صغير، أحمد الله انهم لم يطلعوا عليه، لأنني صوّرته مع بعض الزملاء الكويتيين قبل يوم ونحن نتناقش حول الاحداث الاخيرة. ونصيحتي لأي عربي الا يحمل شريط فيديو او غيره في اميركا". وواصل القناعي بمرارة روايته قائلاً: "أخرجوا امتعتي من الطائرة التي غادرت الى لندن وانا لا ازال امام فصل التحقيق عند البوابة، والناس تتفرّج، وكان عميل ال أف. بي. اي وزميلاته شاهرين مسدساتهم في وجهي. في الامتعة عثروا على مغلّف مغلق اعطاني اياه زميل كويتي لأسلّمه الى اهله في الكويت، وسألني الضابط: ماذا في المغلّف، ولم اكن اعرف ولكني اجبت: بعض الاوراق الدراسية. فوضعه على جنب والحمد لله لم يفتحه، اذ تبين لي لاحقاً، ان المغلّف حوى صوراً تذكارية لمدينة نيويورك، يظهر فيها برجا مركز التجارة قبل تحطمهما. بعد توجيه اسئلة عن كل شيء يتعلق بدراستي واقامتي في الولاياتالمتحدة، ابعدوا عني المسدسات. قلت لهم: ماذا فعلت كي تعاملونني بهذا الشكل؟ هل لأنني عربي؟ فأجاب ضابط "اف بي آي": لا ننتظر العرب كي يفعلوا شيئاً ثم نحقق معهم! افرجوا عني بعد وضع علامات حمر على حقائبي، وترك الضابط زميلته تحوم حولي اربع ساعات وانا في مقهى المطار، انتظر الطائرة التالية الى نيويورك، وتحاشى الزبائن الجلوس الى جانبي. في الطائرة الى نيويورك تعامل معي طاقمها بحذر وتوجس، لاكتشف انني خسرت الطائرة الكويتية التي اقلعت بعد وصولي بدقائق، واضطررت للمبيت ليلة في نيويورك، مع كل المشاعر السائدة هناك ضد العرب. وأتذكر انني ثابرت طوال المحنة في لوس انجليس حتى مغادرتي نيويورك في اليوم التالي، على الاتصال بالسفارة الكويتية لابلاغها ما جرى، من دون ان يجيب احد". اما الطالب الكويتي عبدالله المزيرعي 18 سنة الذي يدرس هندسة الكومبيوتر في "جامعة اريزونا توسون"، فلم يخض تجربة مماثلة مع الامن الاميركي، لكنه و30 كويتياً و200 عربي آخرين في الجامعة، تعرضوا منذ البداية للمضايقات والشتائم من العنصريين الاميركيين، خصوصاً اذا تجمعوا للصلاة في المسجد داخل الجامعة، ثم اعتقل طالب كويتي للاشتباه فيه، وسمعوا ان اميركياً من اصل هندي من السيخ قتل في مدينة فينيكس القريبة. وروى المزيرعي ل"الحياة": "في الايام الثلاثة الاولى بعد الاحداث امتنع معظمنا عن الذهاب الى الجامعة، ثم اجتمع بنا مديرها السيد لايكنز في المسجد، وحاول طمأنتنا الى اننا لن نتعرض لسوء. لكن الاحوال النفسية للطلاب لم تكن مستقرة بسبب ما يبلغنا من ممارسات، ثم ابلغ بعض الطلاب العرب ان الجهات الباعثة لهم او اهاليهم قدموا لهم تذاكر مجانية للعودة، وبلغنا من السفارة الكويتية ان من يرغب في العودة عليه ان يغادر قبل 30 ايلول. وهكذا حزمت حقائبي، واعتقد انه لم يبقَ في الجامعة من الكويتيين سوى ثلاثة". وذكر ان "جامعة الكويت أتاحت لنا المجال للتسجيل في بعض المواد، مما سيعوّضنا بعض ما فاتنا، وما زلنا نترقب ما سيحدث، وعلينا ان نقرر قبل شهر كانون الثاني يناير المقبل هل سنعود ام لا".