تجتمع الحكومة اليابانية اليوم لإقرار مجموعة تدابير طارئة تهدف الى انقاذ الاقتصاد الوطني من ظاهرة ركود عميقة لم يعرفها من قبل، وسط مخاوف من ان تؤدي الاصلاحات البنيوية التي ترغب حكومة جونيشيرو كويزومي في اتخاذها الى إلحاق الضرر بالصناعات التي تجاهد للمحافظة على توازنها. وكانت اليابان، التي تعتبر ثاني اكبر اقتصاد في العالم ويصل اجمالي دخلها القومي الى 4200 بليون دولار، عانت منذ مطلع التسعينات من موجات ركود متتالية، من دون ان تنجح السياسات الحكومية المطبقة في الخروج منها. وتدهور وضع الاقتصاد الياباني منذ الهجمات الأخيرة في الولاياتالمتحدة الشهر الماضي. وزاد من الصعوبات الاقتصادية ارتفاع قيمة الين إزاء الدولار، الأمر الذي يؤثر على تنافسية الصادرات اليابانية. وتراجع مؤشر "نيكاي" الذي تشكل شركات التصدير ثلث عدد الشركات ال225 المسجلة فيه، الى أدنى معدل له منذ 18 عاماً خلال اليومين الماضيين. ونفذت السلطات اليابانية سياسة مالية هدفها الإبقاء على قيمة الين منخفضة ازاء الدولار واعطاء دفعة لصادرات البلاد التي تصل قيمتها الى 430 بليون دولار سنوياً، والتي تأثرت سلباً بوضع السوق في الولاياتالمتحدة التي تستقبل ثلث الصادرات اليابانية كل عام. وتدخل مصرف اليابان المركزي خلال الاسبوعين الماضيين مشترياً العملة الاميركية بكميات كبيرة بحيث أنفق نحو 20 بليون دولار لإبقاء قيمة الين متدنية ازاء الدولار. الا ان عزوف المستثمرين الدوليين عن الشراء والاستثمار في وول ستريت وطرحهم كميات كبيرة من الدولارات في الاسواق أعاق هذه الجهود. واضطر المصرف المركزي الى اللجوء الى المصارف المركزية الأوروبية لمساعدته على خفض قيمة الين، من خلال تدخلها لحسابه وبيعها موجوداتها من الين لشراء اليورو مكانها. ولا تقتصر الصعوبات التي تواجهها اليابان على تحسين وضع صادراتها، اذ ان البلاد تعاني من أزمة اقتصادية عميقة رفعت نسبة البطالة خلال العامين الماضيين من 2 الى خمسة في المئة، مع احتمال ارتفاعها في شكل ملحوظ في الفترة المقبلة. ولا يكاد يمر يوم الا وتعلن شركات عدة كبيرة عن تسريحها آلاف العمال وبنسب تتجاوز احياناً عشرة الى 20 في المئة من اجمالي عدد موظفيها. كما تعلن الشركات اليابانية يومياً، لا سيما الشركات الكبيرة، عن خسائر متوقعة بقيمة مئات ملايين الدولارات. ويعاني القطاع المصرفي بدوره من الديون الهالكة التي سعت الحكومة الى شرائها من المصارف المفلسة فقط قبل عامين، قبل ان تغير سياستها المصرفية ايضاً باتجاه شراء الديون الهالكة من المصارف التي يمكن لها ان تبقى على قيد الحياة، وهو اتجاه تقف ضده أحزاب المعارضة على اعتبار انه يساهم في اطالة عمر الركود الاقتصادي. ويقول المصرفيون ان سبب ارتفاع نسبة ديونهم الهالكة غير القابلة للاسترداد، هو التباطؤ الاقتصادي الكبير. وكان مؤشر "نيكاي" خلال الاشهر الستة الأخيرة اظهر تراجع حماس المستثمرين تجاه القطاع المصرفي، اذ خسرت اسهم اكبر 15 مصرفاً يابانياً 42.5 بليون دولار من قيمة تداولها في بورصة طوكيو منذ آذار مارس الماضي. وتعاني السوق المالية اليابانية ايضاً مما يصفه المستثمرون بحالة "فقر دم". وأقر الحزب الليبرالي الديموقراطي الحاكم أول من امس مجموعة خطوات لانعاش البورصة منها الاعفاء الضريبي لأرباح رأس المال للمستثمرين الذين يشترون سندات حكومية عام 2002، ويحتفظون بها لمدة عامين على الأقل. وتحتاج الحكومة الى القيام بإصلاحات بنيوية قوية ينتظر ان يُعلن عنها اليوم. الا ان قطاع الاعمال سيبقى متردداً في منح الثقة للحكومة، بسبب توقعات المحللين بأن هذه الاصلاحات "المؤلمة" ستؤدي الى حدوث المزيد من عمليات الافلاس ورفع نسبة البطالة بدرجة كبيرة. وأظهر استطلاع فصلي أصدره المصرف المركزي الاسبوع الجاري ان كبار المصنعين لا يزالون يشعرون، وللربع الثالث على التوالي، بالخوف من ركود اقتصادي عالمي.