لو أن مصر أو المملكة العربية السعودية لم تدافع عن الفلسطينيين، وتهاجم الارهاب الاسرائيلي، هل كانت اي منهما تعرضت لتلك الحملة الإعلامية الرهيبة المستمرة؟ وأعكس السؤال: لو ان مصر أو المملكة العربية السعودية تخلت عن القضية الفلسطينية، وتجاهلت الارهاب الاسرائيلي اليومي ضد الفلسطينيين، ألم تكن كل منهما أصبحت واحة ديموقراطية ورخاء وسلام في الشرق الأوسط، وحليفاً كبيراً يعتمد عليه في الملمات؟ الحملة على البلدين وسورية وايران والسودان وغيرها مكشوفة الى درجة الوقاحة، والأوركسترا الاسرائيلية الهوى التي تقف وراءها معروفة فرداً فرداً، إنْ في الادارة الأميركية نفسها أو في الصحافة. وهو شيء مطمئن ان يهاجم أنصار اسرائيل مصر والمملكة العربية السعودية، فأنا سأقلق كثيراً إذا ترفقت عصابة الشر بهما. الزميل ابراهيم نافع شرح الموقف المصري في مقاله يوم الجمعة، وكان العنوان "اسرائيل تقتل السلام، وتنشر الارهاب، فماذا فعلت واشنطن؟"، وجاء الرد في صفحتين، فالمصريون يرون ان الولاياتالمتحدة مكنت اسرائيل من الخروج على القانون الدولي، وهي تغمض عينيها عن ممارستها الارهابية. ويشكو العرب والمسلمون من التلميح الى مهاجمة دول عربية واسلامية أخرى، مع الصمت على ازدياد أعمال القتل والارهاب للشعب الفلسطيني، وعلى واقع ان اسرائيل مصدر رئيسي للارهاب "الأمر الذي يضعف قدرة الدول العربية الموصوفة بالاعتدال من جانب واشنطن على مساندة هذه الحملة". والكلمات الأخيرة هي بيت القصيد. وكان لافتاً ان "رأي الاهرام" الى جانب رأي رئيس تحريرها عكس الفكرة نفسها فعنوانه "جرائم اسرائيل... مسؤولية أميركا"، وجاء فيه ان "الأمة العربية مطالبة بضرورة التحرك واستغلال ما يحدث في العالم الآن من محاربة الارهاب لمصلحة القضية الفلسطينية والفلسطينيين، والضغط على المجتمع الدولي ليمارس ضغوطاً على اسرائيل حتى تتخلى عن ارهابها وتقبل بالعودة للجلوس إلى مائدة المفاوضات". هذا هو الموقف المصري، فما هو الموقف السعودي؟ ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز كان أرسل الى الرئيس بوش قبل 11 أيلول سبتمبر رسالة قاسية اللهجة في صراحتها عن ممارسات اسرائيل الارهابية ضد الفلسطينيين وخطر ذلك على السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولا سر هناك في أن المبادرة الأميركية بين الفلسطينيين واسرائيل التي سربت الادارة خبرها بعد الارهاب، جاءت رداً مباشراً على رسالة ولي العهد السعودي. كان هذا قبل أكثر من شهر، وقبل يومين حمل الأمير عبدالله على وسائل الإعلام الأميركية ورأى في هجومها على بلاده انتقاصاً من الدور السعودي في نشر راية الإسلام. ولم ينقضِ النهار حتى كان الرئيس بوش يتصل هاتفياً بالأمير عبدالله ويشكره على مساعدة السعودية في الحرب على الارهاب. وقال آري فلايشر، الناطق بلسان البيت الأبيض، ان الرئيس بوش "لاحظ انه سعيد جداً بمساهمة المملكة في الجهد، وقال ان المقالات الصحافية التي تتحدث عن خلافات بين الولاياتالمتحدة والمملكة العربية السعودية هي ببساطة غير صحيحة". وذكرت مصادر البيت الأبيض بعد المهاتفة ان الرئيس الأميركي شكر ولي العهد السعودي "مرات عدة" على مساعدة بلاده. الموقف المصري والسعودي من القضية الفلسطينية والفلسطينيين معروف، وتذكير الأميركيين به مفيد، ثم ان لكل من البلدين نفوذاً كبيراً في الولاياتالمتحدة، لأسباب مختلفة، واستعمال هذا النفوذ ضروري. أتوقف هنا لأقول ان قدرة مصر والمملكة العربية السعودية على التأثير في الموقف الأميركي ستزيد أضعافاً إذا شاركتا بفعالية في الحملة على الارهاب. ومساعدة الولاياتالمتحدة في هذا الظرف بالذات ليست مفيدة للفلسطينيين وقضيتهم وحسب، بل هي اخلاقية خالصة، فالولاياتالمتحدة تعرضت لإرهاب فظيع لا يوجد مبرر له البتة، وعندما تساعد أي دولة عربية الولاياتالمتحدة في الحرب على الارهاب، فهذه الدولة تثبت انها تقف ضد الارهاب بالأفعال لا مجرد الأقوال. وأدرك جيداً ان الشارع العربي، في غضبه على السياسة الأميركية، يتعاطف مع أسامة بن لادن وقاعدته وطالبان. الا ان هذا التأييد خاطئ سياسياً وأخلاقياً، وواجب القيادات العربية ان تقود الشارع لا ان تنقاد به. وهي اذا وقفت في الخندق نفسه مع الولاياتالمتحدة ضد الارهاب، فستكون في وضع أفضل لتسمع الادارة الأميركية صوتها بدل ان يظل صوت اسرائيل وحده في الأذن الأميركية.