عرض وزير الخارجية الأميركي كولن باول موقف الإدارة من الإرهاب بشكل عام فقال: "يجب ان نمضي قدماً، لا ان نستمر في الحديث عما هو ارهاب، وما ليس إرهاباً، وما هو الاغتيال المستهدف، وما هو القتل، وما هو التحريض، وما هو الانتقام. ان هذا حلقة شر كان من نتيجتها عدم إحراز تقدم في المنطقة خلال الأشهر التسعة من عملي وزيراً للخارجية. لقد سمعت كل الحجج، وعلى الطرفين ان يتخلصا من هذا الأسلوب في التصرف". وكان مسؤولون في الإدارة سئلوا قبل ذلك عن الموقف من ايران وسورية والسودان، المدرجة على قائمة الدول المؤيدة للإرهاب، وهل هذه الدول انضمت الى الحملة على الإرهاب. وتحفظ المسؤولون في الرد، وقالوا ان من السابق لأوانه تحديد الموقف من هذه الدول. ومع وجود حكومة ارهابية في إسرائيل تقتل الفلسطينيين في بيوتهم كل يوم، فإن أنصار إسرائيل في الولاياتالمتحدة، خصوصاً من اليهود الأميركيين، يخوضون حرباً على جبهات عدة لتحويل الأنظار عن جرائم اسرائيل، بالتركيز على الدول العربية والإسلامية والمنظمات التي يعتبرونها ارهابية ونعتبرها حركات تحرر وطني. ولعل أسئلة من النائب الصهيوني توم لانتوس، وهو ديموقراطي من كاليفورنيا يمثل إسرائيل في مجلس النواب، توضح توجه انصار إسرائيل، فهو استهدف بالانتقاد نائب وزير الخارجية ريتشارد ارمتدج، وبدا انه يخاف ان تعقد الإدارة صفقات مع أعداء إسرائيل المعروفين، مثل ايران وسورية، في حربها على الإرهاب، غير ان ارمتدج طمأنه الى أن الولاياتالمتحدة لن تغض النظر عن الدول التي تدعم الإرهاب. اقول ان الهجمات الإرهابية على الولاياتالمتحدة غير مبررة ابداً، ويجب ان يعاقب الذين ارتكبوها، كما يجب ان تكون الدول العربية في مقدم الحملة على هؤلاء الإرهابيين. اقول هذا من دون تحفظ قبل ان اعود الى موضوع الدول التي تدعم الإرهاب، فأنا أعتبر الولاياتالمتحدة بلداً يؤيد الإرهاب الإسرائيلي، وفي حين لا اجد في هذا التأييد مبرراً لقتل مدنيين ابرياء في نيويورك وواشنطن، فإنني أدرك ان هذا ليس رأيي وحدي، بل رأي غالبية عظمى من العرب والمسلمين. والإدارة الأميركية تصرفت بحكمة وإنصاف في اليومين الأخيرين إلا انني ارجو ان يكون تصرفها هذا نابعاً عن قناعة، ولا يعكس حاجة موقتة الى وجود الدول العربية والمسلمة ضمن التحالف الدولي ضد الإرهاب. الواقع ان الرئيس بوش اعطى آرييل شارون كل فرصة ممكنة، واستقبله ولم يستقبل الرئيس ياسر عرفات، إلا ان رئيس وزراء إسرائيل المجرم لم يستطع ان يغير جلده، فعاد الى ارتكاب الجرائم ما أحرج الإدارة الأميركية حتى جعلها تطلب منه سحب القوات الإسرائيلية فوراً من الأراضي الفلسطينية كما تطلب منه "ألا يعود" لأنها باتت تدرك انه قاتل محترف او منحرف، وسيمارس القتل مع كل فرصة متوافرة. ومع صعوبة الدفاع عن شارون فإن أنصار اسرائيل في الكونغرس يحاولون نقل المعركة الى الطرف الآخر، ولعل أحقر ما قرأت وأكذبه جاء على لسان عضو الكونغرس روبرت ويكسلر، وهو ديموقراطي من فلوريدا، فقد ساوى بين الهجمات الانتحارية الفلسطينية في اسرائيل وهجمات اسامة بن لادن في الولاياتالمتحدة، وقال ان الرد عليها يجب ان يكون واحداً. وهو انتقد انتقاد الإدارة الأميركية الإجراءات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية واغتيال الفلسطينيين. وقال: "يبدو لي ان الموقف الإسرائيلي لا يشبه فقط الموقف الأميركي، بل هو مثله تماماً". يبدو لي ان ويكسلر نائب إسرائيلي في الكونغرس يقدم المصالح الإسرائيلية على مصالح "بلاده" حتى عندما يكون الموضوع ارواحاً اميركية بريئة وحرباً على الإرهاب. فهناك فارق هائل بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، والأولى دولة معتدى عليها لا تبرر أية مآخذ على سياستها ان يقتل مواطنوها بشكل لا يقبله خلق أو دين، اما الثانية فدولة محتلة تقتل المدنيين، وتمارس الإرهاب كل يوم، ما يجعل وضعها على قائمة الدول المؤيدة للإرهاب في اهمية مطاردة اسامة بن لادن وقاعدته في افغانستان. الموقف الأخير للإدارة الأميركية جيد إلا انها تخوض حرباً على الإرهاب في افغانستان، ثم تواجه ارهاب انصار إسرائيل داخل اروقة الحكم الأميركية، ولا سبب منطقياً يدعونا الى التفاؤل، فالجرائم الإسرائيلية ترتكب منذ قيام تلك الدولة، وقد زادت كمية وبشاعة منذ تسلم السفاح شارون رئاسة الوزارة، إلا ان ادارة بوش "لم تر النور" حتى احتاجت الى الدول العربية والإسلامية. وحتى لو افترضنا ان موقف الإدارة صادق ومخلص، فهناك شارون في الجانب الآخر، وسيحاول جهده احباط اي جهد للعودة الى التفاوض، فهذا سيعني منعه من ممارسة القتل. وهو لا يستطيع ان يعصي امراً اميركياً بالانسحاب، إلا انه بدل الانسحاب فوراً، قد ينسحب بعد يومين او ثلاثة، حتى يبدو للمتطرفين من انصاره، وكأنه تحدى الإدارة الأميركية، وحتى لا يشعر الفلسطينيون بأنهم انتصروا بإرغام القوات الإسرائيلية على الانسحاب. غير ان الانسحاب لا يعني بالضرورة عودة الهدوء واستئناف المفاوضات، فطالما ان هناك شارون وعصابة القتل في الحكومة والجيش الإسرائيلي، فإن أقصى ما سيحدث هو هدنة، او استراحة، ثم تواصل إسرائيل ارهابها، ويواصل انصارها في الولاياتالمتحدة تحويل الأنظار عنها باتهام ضحاياها الكثيرين.