فى البداية نشكك في تواطؤ الولاياتالمتحدة مع شارون فيما تبين مؤخرا أنه عملية خداع سياسي أراد بها إحباط قيام دولة فلسطينية وتجميد عملية السلام بالإعلان عن خطته لفك الارتباط من جانب واحد والانسحاب من غزة. الدليل انه مع اقتراب مرور نحو خمسة عقود على الاحتلال الاسرائيلي لغزة والضفة الغربية وهو الاحتلال الذي ادى الى معاناة أكثر من 3.5 مليون مدني فلسطيني من قسوته، وأسفر عن ضحايا ما للإرهاب الفلسطيني على الجانب الإسرائيلي كذلك. أن الغالبية العظمى من الإسرائيليين اختارت الاقتناع بالروايات التي تقول بعدم وجود شريك فلسطيني لعملية السلام وبانحراف القيادة الفلسطينية كوسيلة لتبرئة نفسها من تحمل مسؤولية قسوة الاحتلال على حد قوله. غير أن هذا الجدل يهدد بتخريب آخر الفرص التي سنحت من وعد شارون بالانسحاب الأحادي الجانب من غزة، كنتيجة للاخفاق في ايقاف الهجمات الإرهابية الفلسطينية، (على حد تعبير الكاتب)، على الأهداف المدنية الإسرائيلية. اما عن تصريحات دوف وايسغلاس كبير مستشاري شارون الاخيرة لصحيفة هآرتس الإسرائيلية والتي أماط فيها اللثام عن الأبعاد والنوايا الحقيقية التي كمنت خلف الخطة الإسرائيلية للانسحاب من قطاع غزة. إن وايسغلاس كشف في تصريحاته عن أن خطة شارون التي أقنع الرئيس بوش والكونجرس الأميركي بتأييدها، هدفت في الحقيقة إلى إلقاء خطة خارطة الطريق الأميركية فى غياهب النسيان وإعاقة قيام دولة فلسطينية من أي نوع. كما أكد وايسغلاس في المقابلة على إزالة حل الدولة الفلسطينية، وما تبعه من قضايا، من الكراسة السياسية للحكومة الإسرائيلية الحالية، وذلك بمباركة وتأييد البيت الأبيض والكونجرس. كما صرح وايسغلاس بأن الشروط التي وضعها شارون للاستئناف النظري لأي عملية سلام مع الفلسطينيين هي شروط تعجيزية مستحيلة وأن خطة فك الارتباط مع الفلسطينيين والانسحاب من غزة ما هي الا عملية خداع استراتيجي كانت ضرورية لإجهاض أي عملية سياسية مع الفلسطينيين. ومن وجهة نظرى فإن الجهة الوحيدة التي تصر على عدم فهم تلك التصريحات رغم وضوحها، هي الإدارة الأميركية. ونستنكر تصريحات الخارجية الأميركية الأخيرة بعدم وجود سبب يدعو للشك في التزام إسرائيل برؤية الرئيس بوش الخاصة بالدولتين المتجاورتين في سلام، والتي جاءت بعد تأكيد مكتب شارون التزامه بخطة خارطة الطريق الأميركية. إن المثير في تلك التصريحات ليس خداع شارون الاستراتيجي حول نواياه الحقيقية لفك الارتباط ولا الحماية التي يحظى بها خلال انتخابات الرئاسة الأميركية، وانما الغرور الذي دفع وايسغلاس للحديث بطلاقة وبلا خوف من أن يؤدى الحديث عن خداع شارون لافساد مخططة بل وثقة وايسغلاس وشارون البالغة التي تظهر أن الرئيس بوش والكونغرس الأميركي رهن إشارتيهما. ان السؤال الذي ينبغي أن يطرح نفسه حاليا هو ما إذا كان الرئيس بوش والإدارة الأميركية قد وقعتا على الخطاب الذي أرسله وايسغلاس إليهما في إبريل الماضي وبذلك يكونان قد وضعا ختما على خطة شارون لدفن الهدف القومي الفلسطيني، سواء كان ذلك بسذاجة أو تواطؤ معه. خلاصة القول إنه في كلتا الحالتين فإن الفلسطينيين سيستمرون في المضي قدما في الافتراض الحزين بأنه حتى وإن دعموا الخدمات الأمنية وفككوا البنية التحتية للإرهاب على حد تعبير الكاتب، فانه لا يمكن أن تتواجد حكومة أسرائيلية يرأسها شارون أو أي رئيس أسرائيلي يميني أخر تستطيع أن تدخل معهم في مفاوضات سلام، أو أن تسمح بقيام دولة فلسطينية تتألف من أكثر من مجموعة كانتونات معزولة ترزح تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة.