يشهد "التعايش" بين رئيس الجمهورية الفرنسية جاك شيراك الديغولي ورئيس حكومته ليونيل جوسبان الاشتراكي، المستمر منذ عام 1997، الأزمة العلنية الأولى بينهما وتسبب بها كتاب وزّع في المكتبات الفرنسية أمس. والمشكلة في هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "ماتينيون - الضفة اليسرى 1997 - 2001" تكمن في ان مؤلفه مدير مكتب رئيس الحكومة، أوليفييه شراميك، وهو ينتقد بحكم تجربته وموقعه، صيغة "التعايش"، ويستعرض مساوئها على صعيد سير مؤسسات الدولة الفرنسية. والكتاب بالتالي يشكل تحذيراً يوجهه شراميك الى الناخبين الفرنسيين، للحؤول دون تكرارهم صيغة التعايش، قبل نحو ستة اشهر على موعد الانتخابات الرئاسية والاشتراعية، ولذا فأنه اعتبر مغرضاً من حيث التوقيت. وفي الوقت نفسه اخترق شراميك، عبر اصداره كتابه، تقليداً متبعاً في فرنسا يقضي بالتزام كبار الموظفين في الدولة الفرنسية عدم التعبير عن آرائهم الخاصة خلال وجودهم في الخدمة. لذا فأن شراميك الذي اعتبر طيلة الفترة السابقة انه ومدير مكتب الرئيس الفرنسي دومينيك دوفيلبان، راعيا التعايش الهادئ، استغل موقعه الرسمي في محاولة للتأثير في الناخبين والمساس بشخصية شيراك. وهذا بأي حال تفسير قدمه رؤساء سبع كتل برلمانية معارضة، طالبت باستقالة شراميك من منصبه، مؤكدة تعذر امكان استمراره في العمل في ظل "تعايش" يتعرض له بالنقد. ولم يقتصر شجب الكتاب على اوساط المعارضة اليمينية التي من البديهي ان تلتف حول رئيس الجمهورية، بل شمل "حركة المواطنين" التي يتزعمها وزير الداخلية السابق جان بيار شوفنمان، وهي تعتبر من تشكيلات اليسار التعددي الفرنسي. صحيح ان شراميك يتناول في كتابه شوفنمان وينتقد موقفه من التعامل مع ازمة كورسيكا عندما كان لا يزال وزيراً للداخلية، لكن شوفنمان معروف جداً بأنه من مؤيدي حق النقد، انما من خارج اي موقع رسمي او حكومي. لذا، فإن السؤال الاول الذي وجّه الى جوسبان عن كتاب مدير مكتبه في البرلمان الفرنسي، صدر عن النائب جورج سار، الذي يعد الذراع اليمنى لشوفنمان. ولم يكن في وسع جوسبان إلا ان يبدي تضامنه مع مدير مكتبه بقوله للنواب انه يعتبر ان كتابه "سيثير اهتمام الفرنسيين"، إذ يسمح لهم "بالاطلاع على تجربة استثنائية في الحكم، وعلى التعايش من وجهة نظر خادم رفيع للدولة". وترافق موقف جوسبان هذا، مع سلسلة من ردود الفعل صدرت عن اوساط الحزب الاشتراكي، تضامناً مع شراميك، ومنها موقف الأمين العام للحزب فرانسوا هولاند الذي اعتبر ان "من حق شراميك ان يطلع المواطنين، وأنه موظف دولة وليس سياسياً، وبالتالي فانه غير ملزم بأي واجب تحفظ". كان هناك مجال لبقاء الجدال على الكتاب محصوراً في الوسطين البرلماني والحزبي، لولا ان قصر الإليزيه ارتأى عدم التساهل في الأمر ومواجهته بأسلوب حازم. وأصدرت رئاسة الجمهورية بياناً صارماً ذكّرت فيه شراميك "بحقوق وواجبات" كبار موظفي الدولة "المشاركين في تسيير الحياة التنفيذية" في البلاد، الذين لا يحق لهم "التوجه علناً بالنقد الى السلطات العليا في الدولة". وعلى رغم اجواء التوتر السائدة، اكدت الناطقة باسم القصر الرئاسي كاترين كولونا، ان "قضية شراميك لم يجرَ التطرق اليها خلال اللقاء المنفرد الذي عقده امس شيراك وجوسبان كعادتهما قبل الاجتماع الاسبوعي للحكومة الفرنسية".