مع استمرار ردود الفعل السلبية في لبنان والدول العربية حيال موقف رئيس الحكومة الفرنسي الاشتراكي ليونيل جوسبان من "حزب الله"، بدأ يتضح مدى الشرخ الذي احدثه هذا الموقف على الصعيد الداخلي وتحديداً على صعيد "التعايش" بينه وبين الرئيس الديغولي جاك شيراك. ورغم الحرص الذي ابداه قصر الاليزيه الرئاسي على عدم الخوض في جدل علني مع رئيس الحكومة بسبب موقفه المتباين مع الموقف التقليدي للديبلوماسية الفرنسية، بدا مؤكداً عبر البيان الذي تلته الناطقة باسم الرئاسة كاترين كولونا وجاء فيه ان شيراك طلب من جوسبان الاتصال به فور عودته من الشرق الأوسط، ان الأزمة التي فجرها الأخير في الخارج، تحولت عملياً الى ازمة داخلية. فجوسبان لم يكتف بالتمايز عن موقف بلاده حيال المنطقة، بل تجاوز احد ابرز الخطوط الحمر التي يفترض ان يحترمها، رئيس الحكومة، خصوصاً في ظل "التعايش"، بحيث يكون لفرنسا صوت واحد تتحدث به في ما يخص السياسة الخارجية. ومن هذا المنطلق، تعلق الأوساط الفرنسية المطلعة أهمية كبيرة على اللقاء المرتقب بين شيراك وجوسبان معربة عن أملها في ان يجري سريعاً تطويق السلبيات والحؤول دون تفاعلها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وتعتبر هذه الأوساط ان اللقاء وما سيسفر عنه سيحدد ملامح "التعايش" للمرحلة المقبلة، وذلك بعد حوالي سنتين ونصف السنة اتسمت بالهدوء والانسجام. وترى ان الأمر متوقف الى حد كبير على موقف جوسبان ومدى استعداده للعودة الى الالتزام بالمسلّمات التي تحكم العلاقات بين المؤسسات الدستورية الفرنسية، وأبرزها التفاهم في ما يخص قضايا السياسة الخارجية. لكن الأوساط تقرّ بأن "التعايش" بين شيراك وجوسبان، بات امام منعطف قد يكون مرشحاً للاستمرار خصوصاً اذا كان رئيس الحكومة يعتبر ان حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية المقررة سنة 2002، اقتربت ان لم تكن قد بدأت. الى ذلك، اقتصرت ردود الفعل بين الشخصيات السياسية الاشتراكية على وزير الثقافة السابق جاك لانغ الذي عبر عن تضامنه مع جوسبان وحاول التخفيف من حدة موقفه، فيما اجمعت الشخصيات اليمينية على رفض هذا الموقف، نظراً الى الأذى الذي يلحقه بالسياسة الخارجية لفرنسا. فرأى رئيس الحكومة السابق آلان جوبيه ان الموقف الذي اعلنه جوسبان في القدس "ينطوي على مقدار كبير من الرعونة". وقال انه "اذا تسنى لفرنسا ان تحتفظ بنفوذ كبير في الشرق الأوسط، وإذا كانت تمكنت خلال السنوات الماضية من لعب دور على صعيد البحث عن حل سلمي، فلأنها حرصت على الدوام على تجنب المواقف الحاسمة لمصلحة هذا الطرف من دون ذاك". وانتقد الرئيس السابق للبرلمان الفرنسي فيليب سيغان من جهته ما وصفه "بالتدخل الفردي والمسيء الذي اقدم عليه رئيس الحكومة في مجال حساس". كما دعا وزير الخارجية السابق هيرفي دوشاريت رئيس الحكومة الى "سحب تصريحاته"، ودوشاريت كان من مهندسي "تفاهم نيسان" عام 1996 الذي اعترف ضمنياً بحق المقاومة للاحتلال الاسرائيلي. وأجمعت الصحف الفرنسية على اختلاف توجهاتها على القول بأن التباين الذي عبر عنه جوسبان على صعيد السياسة العربية لفرنسا، يشكل عقدة اساسية امام "التعايش". وخرجت "لوفيغارو" بعنوان "شيراك يستدعي جوسبان"، واعتبرت ان موقف رئيس الحكومة من "حزب الله" "ينذر بتعايش اكثر تعقيداً لن تجني فرنسا عبره اي مكسب". ورأت انه كان من حق جوسبان الاعتراض على التوجهات التي تحكم السياسة الفرنسية في الشرق الأوسط والتقرب من اسرائيل، لولا انه "ليس مجرد شخصية سياسية وليس مجرد مواطن وليس ممثلاً للاشتراكية الدولية" انما "هو رئيس لحكومة فرنسا". ورأت "ليبراسيون" ان جوسبان سعى الى "احتلال مجال خاص بالرئيس" وانه يتوجب عليه توضيح ما وصفته ب"الهفوة" التي ارتكبها، لرئيس الجمهورية. وتوقفت عند "المهمة الصعبة" التي سيتوجب على وزير الخارجية هوبير فيدرين القيام بها، لإعادة احلال الاجماع الداخلي على مواضيع السياسة الخارجية. وأجمع معلقو العديد من الصحف على القول بأن المواقف الموالية لاسرائيل التي اصدرها جوسبان، ستضعف المكانة التي تحتلها الديبلوماسية الفرنسية على الساحة الدولية. ودعا بعض هؤلاء المعلقين رئيس الحكومة الى تركيز اهتمامه على الملفات الداخلية، والعمل على تحقيق الاصلاحات الملحّة، بدلاً من السعي الى البروز على المنصات الدولية، ارضاء لطموحاته التي يمكن تأجيلها.