هيئة السياحة تطلق النسخة التجريبية من "سارة" المرشدة الذكية للسياحة السعودية    الإمارات.. رجل يقاضي زوجته بسبب «شيك»    المجمعة وحرمة تختتمان صالون أدب    "الأمم المتحدة" تؤكد ضرورة زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة    مدرب الأخضر يستبعد "سالم الدوسري"و"المالكي" قبل لقاء أستراليا وإندونيسيا    رابطة محترفات التنس: الأمريكية "جوف" تقصي المصنفة الأولى عالميًا    «ملتقى البناء السعودي» يكشف عن تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة وتقليل الهدر    إغلاق مؤشرات البورصة الأمريكية على ارتفاع    بيع شاهين ب 210 آلاف ريال في الليلة ال 18 لمزاد نادي الصقور السعودي    في دوري يلو .. الصفا يتغلب على أحد بثلاثية    "موسم الرياض" وهيئة السياحة يحتفلون في اطلاق"Pokémon GO"    أمين منطقة القصيم يفتتح معرض "أشلي هوم" في مدينة بريدة    أمانة القصيم تواصل أعمال تأهيل ثلاث حدائق بمدينة بريدة    عروض المناطيد المضيئة تتلألأ في سماء "شتاء جازان 25"    برعاية نائب أمير منطقة مكة المكرمة.. انطلاق مؤتمر طب العيون 2024    فان نيستلروي فخور بمسيرته كمدرب مؤقت مع يونايتد ويتمنى الاستمرار    النصر يتغلّب على الرياض بهدف في دوري روشن للمحترفين    المملكة تختتم مشاركتها في المنتدى الحضري العالمي wuf12 بالقاهرة    القبض على شخص بمنطقة الجوف لترويجه مادة الحشيش المخدر    مدرب الأخضر يضم محمد القحطاني ويستبعد سالم الدوسري وعبدالإله المالكي    المملكة تؤكد التزامها بالحفاظ على التراث الثقافي    حائل: القبض على شخص لترويجه أقراصاً خاضعة لتنظيم التداول الطبي    ممثل رئيس إندونيسيا يصل الرياض    بالاتفاق.. الهلال يستعيد الصدارة    انطلاق أعمال ملتقى الترجمة الدولي 2024 في الرياض    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب جنوبي تشيلي    جمعية الدعوة في العالية تنفذ برنامج العمرة    ترقية بدر آل سالم إلى المرتبة الثامنة بأمانة جازان    «سدايا» تفتح باب التسجيل في معسكر هندسة البيانات    الأسهم الاسيوية تتراجع مع تحول التركيز إلى التحفيز الصيني    انطلاق «ملتقى القلب» في الرياض.. والصحة: جودة خدمات المرضى عالية    تقرير أممي يفضح إسرائيل: ما يحدث في غزة حرب إبادة    فرع هيئة الهلال الأحمر بعسير في زيارة ل"بر أبها"    خطيب المسجد النبوي: الغيبة ذكُر أخاك بما يَشِينه وتَعِيبه بما فيه    خطيب المسجد الحرام: من صفات أولي الألباب الحميدة صلة الأرحام والإحسان إليهم    في أول قرار لترمب.. المرأة الحديدية تقود موظفي البيت الأبيض    دراسة صينية: علاقة بين الارتجاع المريئي وضغط الدم    حسم «الصراعات» وعقد «الصفقات»    محافظ محايل يبحث تطوير الخدمات المقدمة للمواطنين    شرعيّة الأرض الفلسطينيّة    لحظات ماتعة    محمد آل صبيح ل«عكاظ»: جمعية الثقافة ذاكرة كبرى للإبداع السعودي    متى تدخل الرقابة الذكية إلى مساجدنا؟    فراشة القص.. وأغاني المواويل الشجية لنبتة مريم    جديّة طرح أم كسب نقاط؟    لصوص الثواني !    فصل الشتاء.. هل يؤثّر على الساعة البيولوجية وجودة النوم؟    منجم الفيتامينات    الحرّات البركانية في المدينة.. معالم جيولوجية ولوحات طبيعية    قوائم مخصصة في WhatsApp لتنظيم المحادثات    الناس يتحدثون عن الماضي أكثر من المستقبل    أُمّي لا تُشبه إلا نفسها    أمير الباحة يستقبل مساعد مدير الجوازات للموارد البشرية و عدد من القيادات    أمير تبوك يبحث الموضوعات المشتركة مع السفير الإندونيسي    التعاطي مع الواقع    ليل عروس الشمال    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني وفريق عملية زراعة القلب بالروبوت    ولي العهد يستقبل قائد الجيش الباكستاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وقائع سنوات الجهاد: رحلة "الأفغان العرب" من كل مكان إلى واشنطن ونيويورك . في عصر السادات عادت الروح إلى "الإخوان" وولدت الحركات المتشددة 1 من 5
نشر في الحياة يوم 17 - 10 - 2001

لم تكن رحلة "الأفغان العرب" الطويلة والدامية شاقة ومضنية بالنسبة إليهم فحسب بل أصابت "شظاياهم" دولاً، كمصر والجزائر، وأحرقت نارهم قوى عظمى كالاتحاد السوفياتي السابق والولايات المتحدة.
سببت الخطأ الكبير الذي شاركت فيه أنظمة وحكومات وأجهزة استخبارات وجماعات وتنظيمات وأشخاص ورجال دين وعملاء جروحاً بالغة. وكان الثمن باهظاً، ليس على المستوى العسكري والسياسي فحسب، بل على مستويات اقتصادية واجتماعية ونفسية وعقائدية. ولم ينج الفكر الإسلامي من الخسائر فالمعركة لم تكن ضد العلمانية وحدها، بل طاولت كل من اعتبرهم "الأفغان العرب" طغاةً وكفاراً.
ويبدو أن الرحلة لم تستنفد أغراضها بعد، فالهجمات في نيويورك وواشنطن ربما لن تكون الأخيرة والحملة الأميركية ربما تكون خطأ كبيراً آخر يضاف إلى سلسلة الأخطاء التي وقعت فيها الدولة العظمى ويدفع ثمنها الجميع الآن. فليس سراً أن اعتقاداً ساد بعدما وجهت أميركا صواريخها إلى السودان وأفغانستان عقب تفجير سفارتيها في نيروبي ودار السلام في آب أغسطس 1998 بأن "الأفغان العرب" تهاووا وضعفوا وفقدوا قدرتهم، وتمزقت شبكتهم، لكنهم عادوا بعدها الى الأميركيين من البحر ليفجروا المدمرة كول، ثم جواً ليضربوا رمزي الحضارة المركز التجاري العالمي والقوة البنتاغون.
بدأت رحلة "الأفغان العرب" بالأفكار وانتهت في الجغرافيا، وجالت عقولهم بين الآراء الفقهية لابن تيمية وأبو الأعلى المودودي وسيد قطب ومحمد عبدالسلام فرج وعمر عبدالرحمن وأيمن الظواهري، وأخيراً اسامة بن لادن. خلال هذه المرحلة كانوا يُزرعون في أفغانستان التي حطوا فيها رحالهم تاركين مجتمعاتهم ليرتدوا الزي الأفغاني، ويعيشوا مجدداً حياة البادية، ومنها انطلقوا إلى شتى بقاع الأرض فوقع بعضهم في قبضة السلطات في بلادهم حين عادوا لينفذوا ما أُمروا به واضطلع آخرون بأدوار لا تقل خطورة عن التدريب على استخدام الأسلحة والمتفجرات، من تزوير الأوراق الثبوتية وبطاقات الهوية وجوازات السفر وحتى التدريب على الطيران.
وحين ظهر اسم "العائدون من أفغانستان" للمرة الأولى في مصر عام 1992، عندما ألقت السلطات القبض على عدد منهم واحالتهم على محكمة عسكرية قضت بإعدام عشرة منهم، لم يكن أحد يتصور أن "الأفغان العرب" سيعودون مجدداً، ولكن من أماكن أخرى. وبعد سنين قليلة ظهر "العائدون من السودان" و"العائدون من جنوب افريقيا" و"العائدون من الكويت" و"العائدون من ألبانيا" و"العائدون من كل مكان".
"الحياة" تفتح ملف "الخطأ الكبير" الذي وقع فيه الجميع وتنقل شهادات من تابع الرحلة وبعض من شارك فيها وصار من ضحاياها. وتعرض الظروف التي جعلت تلك الدولة الفقيرة مسرحاً لوقائع لم يكن أحد يتصور أن تحدث يوماً، بعد ما تحولت إلى أرض خصبة لزرع التطرف والكره والعنف.
ما أن توفي الرئيس جمال عبدالناصر في 28 ايلول سبتمبر 1970 ارتفعت معنويات الإسلاميين في مصر عموماً وقادة وعناصر جماعة "الاخوان المسلمين" خصوصاً. فمئات وربما آلاف من هؤلاء ذاقوا في العهد الناصري صنوف العذاب والمطاردة. أما الاسلاميون الراديكاليون فحتى ذلك الوقت، وبعدها بفترة قصيرة لم يكن أحدٌ في الاجهزة الرسمية على علم بنشاطهم الذي كان بعيداً عن الاضواء. وعندما كانت خلايا "الجهاد" تنتشر سراً في قرى وأحياء مصرية في هدوء وصمت. رحب "الاخوان" بانتخاب انور السادات رئيساً لمصر فتاريخهم معه لم يكن يحفل بكثير من الصراعات، وهو كان التقى حسن البنا للمرة الاولى مبكراً عام 1940 وحضر لاحقاً دروساً كان يلقيها في المركز الرئيسي ل "الإخوان المسلمين". كان السادات مشهوراً بالورع والتقوى وكثيراً ما استغل عبدالناصر ذلك الأمر لإبراز الطابع الإسلامي للدولة، واختار السادات ليكون سكرتيراً عاماً للمؤتمر الإسلامي الذي تأسس في 1965 لتعبئة الرأي العام الإسلامي في الخارج لمصلحة مصر.
رفع السادات شعار "دولة العلم والإيمان" وأصدر تعليماته الى التلفزيون والاذاعة لبث أذان الصلوات الخمس يومياً وأجرى تعديلاً دستورياً ينص على أن "الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وقبلها كان أطلق المعتقلين من "الإخوان" بعدما ظلوا سنوات طويلة قابعين في السجون. وأطلقت وسائل الإعلام عليه لقب "الرئيس المؤمن" بعدما زادت شعبيته في حرب تشرين الأول اكتوبر. ولم تكن لقاءات السادات مع مرشد "الإخوان" عمر التلمساني سراً. اذ كان يعلم مدى الشعبية التي يتمتع بها "الإخوان"، خصوصاً في الأوساط الشعبية، لذلك سمح لهم بالنشاط من دون ان يمنحهم فرصة الحصول على رخصة حزب او منبر سياسي، ورضوا بذلك.
ويبدو أن حرص السادات على استمرار علاقاته الطيبة مع "الإخوان" كان سبباً في عدم إقدامه على اتخاذ إجراءات ضد الإسلاميين الراديكاليين حين ظهر أول فصيل منهم عام 1973 ولم يكن يعلم أن نهايته ستكون على أيدي فصيل آخر يعتنق عناصره الأفكار نفسها. وأنه سيحصد ما زرعه.
بينما كان السادات يسعى إلى احتواء "الإخوان" كان الإسلاميون المتشددون ينتهزون الفرصة ليسدوا فراغات لم يكن ل"الإخوان" مقدرة على ملئها بفعل سنوات السجن الطويلة التي أصابت حركة التنظيم بالضمور. واستغل تنظيم "الجماعة الإسلامية" ذلك المناخ، فأسس قواعد في جامعة القاهرة أما مركزه فظل دائماً في محافظات الصعيد عموماً، ومحافظتي المنيا واسيوط خصوصاً غير أن التنظيم الرئيسي الآخر المعروف في مصر وهو جماعة "الجهاد" الذي يقوده حالياً الدكتور أيمن الظواهري فيمكن اعتباره بوتقة انصهرت داخلها جماعات وتنظيمات "جهادية" أخرى نشأ بعضها عشوائياً في بعض مناطق القاهرة ومحافظات الوجه البحري وكان بعضها الآخر امتداداً لتنظيمات ظلت تتعرض لضربات أمنية منذ تأسيسها في الستينات من دون أن تقدم الدولة في عهد السادات على شل حركتها نهائياً، لكي لا يخسر الرئيس تعاطف الإسلاميين عموماً و"الإخوان" خصوصاً.
واللافت أن اسم "الجماعة الإسلامية" ظهر في السبعينات عنواناً للتيار الإسلامي غير المنظم والمستقل عن كل التنظيمات وكان اسمها "الجماعة الدينية" التي ركّزت نشاطها في الجامعات. ثم غيّر الشباب المتدين من أعضاء "الجماعة" في ذلك الوقت الاسم إلى "الجماعة الإسلامية" وكان من رموز هؤلاء عبدالمنعم ابو الفتوح وعصام العريان جامعة القاهرة وابراهيم الزعفراني وخالد داود جامعة الاسكندرية والسيد عبدالستار وأحمد الدغيدي جامعة عين شمس وخيرت الشاطر جامعة المنصورة واسامة عبدالعظيم وعبدالله سعد جامعة الأزهر وأنور شحاتة جامعة طنطا ومحيي الدين عيسى جامعة المنيا واسامة حافظ وصلاح هاشم جامعة اسيوط. لكن تياراً بدأ ينمو في جامعات الصعيد خصوصاً في المنيا واسيوط يدعو إلى التغيير بالقوة أبرم عناصره تحالفاً مع تنظيم "الجهاد" عام 1979 بضغط من كرم زهدي وناجح إبراهيم وعاصم عبدالماجد واسامة حافظ وعاصم دربانة وفؤاد الدواليبي وطلعت فؤاد قاسم وحمدي عبدالرحمن… ورد الآخرون بالانضمام إلى جماعة "الإخوان المسلمين".
وليس سراً أن أفكار ومبادئ الزعيم الإخواني البارز سيد قطب التي تبلورت في كتابه "معالم على الطريق" عام 1957 أحد المرتكزات الأساسية التي قامت عليها كل الحركات الإسلامية الراديكالية في وقت لاحق، وعلى رغم إعدام قطب في منتصف الستينات إلا أن كتابه ظل مرجعاً للإسلاميين الراديكاليين الذين يرفعون راية "الجهاد" ويكفّرون السلطة والحاكم. وعندما كان "شباب الإخوان" داخل السجون في العهد الناصري يلتفون حول مرشدهم حسن الهضيبي للتصدي "للمتطرفين الجدد" الذين يطالبون بحمل السلاح ومقاومة السلطة تسلل كتاب قطب إلى خارج السجن وكان سبباً في تكوين أول فصيل "جهادي" في القاهرة بزعامة اسماعيل طنطاوي وضم أيضاً نبيل البرعي ويحيى هاشم ومحمد عبدالعزيز الشرقاوي وعلاء مصطفى وأيمن الظواهري الذي كان صغير السن. وفي وقت لاحق خرج أحد افراد "الإخوان" وأسّس "تنظيماً جهادياً" آخر ذا نزعة تكفيرية ذاع صيته في ما بعد، إذ أنشأ علي اسماعيل وهو شقيق عبدالفتاح اسماعيل الذي أعدم مع سيد قطب "جماعة المسلمين" التي عرفت اعلامياً باسم "التكفير والهجرة"، وتمكن من ضم حوالى 15 شخصاً من شباب الإخوان غالبيتهم من القاهرة والمنيا واسيوط، كان بينهم شكري مصطفى الذي تزعم التنظيم في فترة لاحقة.
كفّر هذا التنظيم المجتمع كله حكاماً ومحكومين، ورأى أن إقامة "المجتمع الإسلامي" تتم على مرحلتين: الأولى تقوم على الهجرة إلى مكان بعيد لإقامة "المجتمع الطاهر" والثانية هي "مرحلة التمكين" وتقوم على العودة ومحاربة حكام البلاد لإقامة الدولة الإسلامية، غير أن اسماعيل ما لبث أن انقلب على أفكاره وتنظيمه العام 1969 وأعلن عودته الى الجماعة الأم "الإخوان المسلمين" وعلى الفور تولى شكري مصطفى الزعامة وكان دخل السجن بعدما ضبط وهو يوزع منشورات مناهضة للسلطة. وخرج من السجن عام 1971 فالتحق به عشرات قاطعوا العمل في ادارات الدولة او الدراسة في الجامعة.
ورداً على اعتقال الشرطة 14 من اعضاء التنظيم اقدم شكري وبعض اتباعه في 3 تموز يوليو 1977 على خطف وزير الاوقاف حينذاك الشيخ حسين الذهبي واحتجزوه رهينة، محاولين ابتزاز الحكومة، فقدوا مطالب شملت الافراج عن المعتقلين ودفع فدية مالية مقابل اطلاقه. فرفضت السلطة الرضوخ، ونفّذ التنظيم تهديده بقتل الشيخ الذهبي في 7 تموز يوليو ولم تمر سوى اسابيع قليلة حتى كان شكري مصطفى وأربعة من زملائه معلقين على حبال المشانق، كما حكم على الباقين بالسجن فترات متفاوتة.
اكتفى السادات وقتها بالإجراء القضائي ولم يلجأ إلى إجراءات قمعية اضافية تماماً كما فعل قبلها بسنوات حين ظهر في بداية السبعينات الأردني صالح سريه الذي كان فرّ من الأردن إلى العراق ومنها إلى مصر عقب أحداث أيلول سبتمبر وكوّن تنظيماً "جهادياً" آخر كان من ابرز اعضائه حسن الهلاوي وكارم الاناضولي. وحاول التنظيم في 1974 احتلال مقر الكلية الفنية العسكرية بهدف الحصول على السلاح لاستخدامه في الهجوم على مقر اللجنة المركزية حيث كان السادات يعقد اجتماعاً مع قادة الدولة، ثم التوجه إلى مقر الإذاعة والتلفزيون لإعلان الدولة الإسلامية، وفقاً لما كانت تقتضيه الخطة.
لكن المحاولة فشلت والقي القبض على أعضاء التنظيم وأعدم سريه عام 1975 وحكم على باقي الأعضاء بالسجن.
ويصعب حصر المجموعات "الجهادية" التي تكونت لاحقاً، فإلى جانب تنظيم يحيى هاشم واسماعيل طنطاوي وأيمن الظواهري تكونت سراً تنظيمات أخرى لعل أهمها التنظيم الذي تزعمه المهندس محمد عبدالسلام فرج صاحب كتاب "الفريضة الغائبة" وينتقد فيه بشدة معظم المجموعات الدينية الأخرى كونها "تغيب فريضة الجهاد من مبادئها"، وفي مسجد الفتح في حي "امبابة" التقى فرج عبود الزمر وطارق الزمر ونبيل المغربي الذين كانوا نواة أشهر تنظيم حمل اسم "الجهاد" وجال فرج على محافظات الوجه البحري ومناطق القاهرة والتقى قادة "الجماعات الجهادية" الصغيرة التي نشأت فيها وتمكن من توحيدها تحت لافتة "تنظيم الجهاد". حدث كل ذلك والسادات وأجهزة الأمن مهتمة بالدرجة الأولى بمتابعة نشاط الناصريين واليساريين الذين اعتبرهم السادات عدوه الأول.
وعلى الجانب الآخر كان تنظيم "الجماعة الإسلامية" ينتشر في هدوء بين أوساط الطلاب في الجامعات المصرية خصوصاً في محافظات الصعيد ويرجح أن التنظيم نشأ أساساً في محافظة المنيا على أيدي اسامة حافظ وصلاح هاشم ثم انتشر في المحافظات الأخرى. وفي الصعيد انضم الى التنظيم طلعت فؤاد قاسم وكرم زهدي وعاصم عبدالماجد وناجح ابراهيم وعصام دربالة، واثمر لقاء جمع بين فرج وزهدي في بداية 1980 عن اتفاق تم بمقتضاه دمج "تنظيم الجهاد" مع "الجماعة الإسلامية" في تنظيم واحد واختير الدكتور عمر عبدالرحمن أميراً للتنظيم الجديد وانتقل أعضاء "مجلس شورى التنظيم" إلى الفيوم ليبايعوا عبدالرحمن.
وفيما كانت تلك الأحداث تدور كان "الإخوان" يبذلون جهودهم للتأقلم مع الاوضاع الجديدة ومعالجة جروح الماضي. كما ان سنين السجن الطويلة جعلت من كانوا شباباً في بداية الخمسينات صاروا شيوخاً في بداية التسعينات، وعلاوة على ذلك فإن رجال "النظام الخاص" وهو التعبير الذي يطلق على اعضاء التنظيم العسكري السري ل"الاخوان" الذي تأسس في الاربعينات تمكنوا خلال فترة العزلة من بسط سيطرتهم على الجماعة وعلى رغم محاولة المرشد حسن الهضيبي استغلال مناخ الحرية الجديد في لملمة الشتات وإعادة النظام الاداري الى الجماعة الى وضعه الطبيعي من خلال تشكيل لجان لحصر اسماء "الاخوان" في مصر وباقي الاقطار العربية بعدما تبددت الاوراق التي كانت تحتوي على تلك الاسماء. إلا أن وفاة الهضيبي في 11 آب اغسطس 1973 مثلت المحطة الاخيرة في اي مقاومة من داخل الجماعة لرجال "النظام الخاص" الذين فرضوا توجهاتهم تماماً واجبروا "الاخوان" على عدم الاعلان عن خليفة للهضيبي في منصب المرشد، وفرضوا شخصاً لم يعلنوا عن اسمه "مرشداً سرياً" تحت حجة الظروف الامنية وحفاظاً على وحدة الصف، وظل "الإخوان" حوالى ثلاث سنوات من دون مرشد معروف، وصار رجال "النظام الخاص" بديلاً عن الهيئة التأسيسية للتنظيم، وكذلك مكتب الارشاد. وفي وقت لاحق تم تشكيل المكتب من دون اتباع القواعد ايضاً فضم في غالبيته رموز "النظام الخاص" الا ان التذمر الذي ساد اوساط "الاخوان" اعتراضاً على المرشد السري، أجبر المهيمنين على مقدرات الامور على عقد مؤتمر في القاهرة في نهاية 1976 حضره عمر التلمساني تمهيداً لانهاء بدعة المرشد السري، وبدا ان طبيعة التلمساني وهدوءه وحرصه على البعد عن الخلافات والمشاكل وتحاشي الصدام مع الاخرين من الاسباب التي جعلت رجال "النظام الخاص" يختارونه مرشداً ليكون واجهة امام الاعضاء والحكومة والاطراف التي يتعامل معها "الإخوان"، فيما كانوا يسيطرون على التنظيم، ويكرسون هيمنتهم استغل التلمساني مناخ الحرية في الاتصال بالقوى السياسية الاخرى وأتاح سماح الحكومة بعودة مجلة "الدعوة" الى الصدور تحسين صورة "الجماعة" ووصول خطابها الاعلامي الى انحاء متفرقة.
غير أن المتغير المهم الذي اثر في نشاط "الإخوان" في تلك المرحلة هو تلك الجهود التي بذلها التلمساني وغيره من اقطاب التنظيم في اقناع رموز الحركة الطلابية من الاسلاميين في الانضمام الى الجماعة، وكانت المنافسة بين "الاخوان" من جهة وأتباع سيد قطب من اصحاب فكرة "الجهاد" من جهة اخرى، على اشدها للفوز بضم هؤلاء، وفيما تأسست "الجماعة الاسلامية" من عدد من هؤلاء وكان غالبيتهم من الصعيد ومن بينهم كرم زهدي وناجح ابراهيم وصلاح هاشم وعاصم عبدالماجد، فإن محمد عبدالسلام فرج مؤسس تنظيم الجهاد فاز بعدد آخر من بينهم صالح جاهين وعباس شنن وايمن الظواهري.
أما "الاخوان" فانضم الىهم غالبية قادة الحركة الطلابية وعلى رأسهم عصام العريان وعبدالمنعم ابو الفتوح وابو العلا ماضي وحلمي الجزار، وتسبب دخول هؤلاء الى قلب الجماعة في انضمام آلاف من الطلاب، أو بمعنى ادق جيل كامل صار من "الإخوان" ثقة منهم في أن العريان وابو الفتوح وماضي لا يمكن ان يختاروا الخطأ.
وعلى رغم الوئام بين "الإخوان" والسادات الا ان التيار الجارف ضد زيارة السادات لاسرائيل واتفاق كامب ديفيد ثم استضافة السادات شاه إيران والذي لعب الاسلاميون في الجامعات الدور الأكبر في تأجيجه وسير "الإخوان" في الاتجاه نفسه من خلال تصريحات التلمساني وآرائه وكذلك في الهجوم الشديد لمجلة "الدعوة"د على الزيارة والاتفاق والتحذير من مغبة التطبيع جعل العلاقة بين "الإخوان" والسادات تسير في اتجاه معاكس لما كانت عليه قبلها خصوصاً بعدما بدأ بعض الاسلاميين من "الجهاد" و"الجماعة الاسلامية" تحركات تنذر بأن العنف قادم من الجامعات، واوساط الشباب في بعض النقابات المهنية والعمالية.
ووفقاً لدراسة أعدها الدكتور فاروق أبو زيد فإن السادات لم يكتف بالافراج عن المعتقلين من "الاخوان المسلمين" بل سمح لهم بقدر كبير من حرية الحركة، خصوصاً في مجال الاعلام، فوافق على إعادة صدور صحيفة "الدعوة" لسان حال الجماعة، وأعاد بعض الاخوان الى اعمالهم السابقة في الصحف واجهزة الاعلام واحتل بعضهم مواقع مؤثرة في هذه الاجهزة، ولعل من مظاهر ذلك أن وصل اثنان من القادة السابقين للجماعة الى منصب الوزارة وهما الدكتور عبدالعزيز كامل الذي تولى وزارة الاوقاف اصبح نائباً لرئيس الوزراء، وهي الوزارة التي تشرف بشكل مباشر أو غير مباشر على جميع المساجد في مصر وأهم وسيلة للاتصال والاعلام المباشر على الاطلاق في كل الدول الاسلامية، كذلك تولى الدكتور احمد كمال ابو المجد وزارة الاعلام، وهي الوزارة المسؤولة مباشرة عن كل الشبكات الاذاعية والخدمات التلفزيونية بالاضافة الى مصلحة الاستعلامات فضلا عن تأثيرها المعنوي في الصحف والصحافيين.
المعتدلون والمتشددون
كان السادات يعتقد أن في امكانه دائماً السيطرة على حركة هذا التيار خصوصاً ان الكثيرين من رموزه قبلوا التعامل مع السلطة والتعاون معها، بل وصار بعضهم جزءاً منها، ففي ذلك الوقت لم يكن برز على التمايز الواضح بين تيار متطرف وتيار آخر معتدل داخل الحركة الاسلامية، في مصر، إذ ظل هذا التمايز او الانقسام محصوراً في نطاق ضيق وداخل الحركة الاسلامية وكان هناك حرص شديد من جانب "الاخوان المسلمين" وبقية التيار الاسلامي المعتدل على عدم اخراج الخلاف مع المتشددين الى العلن خوفاً من انقسام الحركة الاسلامية وتشتت جهودها مع بداية نشاطها في السبعينات، وإن لم يكن لدى المتشددين هذا الحرص نفسه.
اعتبر أبو زيد أن اللغة التي سادت في عهد السادات كانت معادية لأفكار التقدم والتنوير ولاحظ زيادة مساحة البرامج الدينية في الراديو والتلفزيون وتخصيص صفحات للشؤون الدينية في الصحف او المجلات القومية والمغالاة في الاحتفال بالمناسبات الدينية وتحويلها الى مناسبات قومية، وشكل ذلك كله ما يمكن ان يطلق عليه "البنية الاساسية" التي استغلها الجناح المتشدد في بناء هيكله التنظيمي واختيار عناصره وكوادره، كما أنها مهدت الطريق لانتشار الافكار المتطرفة في سهولة ويسر.
ورصد ابو زيد تطور مساحة البرامج الدينية في المحطات الاذاعية المحلية في حقبتي السبعينات والثمانينات، ليوضح خطورة اقامة البنية الاساسية، التي استغلها المتشددون في نشر افكارهم المتطرفة وفي بناء هيكلهم التنظيمي، اذ كانت نسبة البرامج الدينية في الاذاعات المصرية 25.15 في المئة من اجمالي الارسال الاذاعي عام 69/1970 واخذت هذه النسبة في التزايد عاماً بعد آخر في ظل حكم السادات لتصل الى 12.20 في المئة عام 1980/1981 اي أن البرامج الدينية في الاذاعة المصرية بلغت اكثر من خُمس ساعات الارسال قبل مقتل السادات بقليل،
وإلى جانب هذه البرامج الدينية كانت الاذاعة تقدم ايضا مواد دينية اخرى في أشكال اذاعية متنوعة كالتمثيليات والمسلسلات والاغاني والندوات والبرامج الحوارية والبرامج الثقافية والبرامج الاخبارية والسياسية، وهذه من الصعب حصر عددها او نسبة المادة الدينية فيها، وهو ما يعني ان نسبة الخُمس ليست سوى الحد الادنى وأن النسبة الحقيقية للبرامج والمادة الدينية في الاذاعة كانت اكبر من ذلك بكثير، وهذه النسبة ايضاً لا تدخل فيها ما تقدمه الاذاعات المصرية من برامج ومواد دينية خارجية، ويقصد بها شعائر صلاة الجمعة التي يتم نقلها كل اسبوع من احد مساجد العاصمة أو من المدن والقرى المصرية، وتنقل في بعض المناسبات من مدن عربية اخرى.
هذه الشعائر لم تكن تزيد عدد ساعات ارسالها عام 70/1971 على 342 ساعة و6 دقائق فإذا بها عام 1979/1980 تقفز الى 2031 ساعة و12 دقيقة.
لم تزد نسبة البرامج الدينية في التلفزيون عام 1963 على 3.2 في المئة من مجموع ساعات البث التلفزيوني، ولكن هذه النسبة ارتفعت الى اربعة أمثالها عام 1973 لتصل الى 97.8 في المئة ثم تزيد الى 54.9 في المئة عام 1980، وهذه النسب لا تكفي وحدها لاظهار مدى الزيادة في البرامج الدينية لانها محكومة بزيادة ساعات البث، ويتضح ذلك عندما نعرف أن عدد ساعات البث التلفزيوني للبرامج الدينية بلغ عام 1973 حوالي 527 ساعة و49 دقيقة، ارتفع في عام 80/1981 الى 752 ساعة و19 دقيقة.
لم يقتصر عمل الرئيس السادات الى تصفية التيار الناصري واليساري على الجامعات والنقابات العمالية والمهنية، بل امتد ايضا الى الصحافة، فألغى مجلتي "الطليعة اليسارية" و"الكاتب" الناصرية، ومنع كثير من الكُتاب الناصريين واليساريين من الكتابة في الصحف القومية، وبالتوازي مع هذه المحاولات اخذ في تشجيع صحف التيار الديني لكي تناصره في مهمته لتصفية الفكر الناصري واليساري، فسمح عام 1976 ل"الاخوان" باعادة اصدار مجلة "الدعوة"، وهي مجلة صدرت في البداية في 30 كانون الثاني يناير 1951، اي قبل ثورة 23 تموز يوليو 1952 وكان صاحب امتيازها صالح عشماوي احد قيادات جماعة "الاخوان المسلمين"، واستمرت في الصدور بعد ثورة تموز بسبب انشقاق صاحب المجلة عن "الاخوان"، وتم فصله من الجماعة نهاية 1953 وفي 1956 اخذت احوال المجلة في التدهور، وبعدما كانت اسبوعية تحولت الى شهرية، وكثيراً ما كانت تتوقف، وظلت على هذه الحال حتى خرج الاخوان من السجون والمعتقلات في اوائل السبعينات، وفي 1976 عادت الى الصدور في ثوب جديد، واصبحت تصدر شهرياً على أمل أن تسمح الظروف بتحويلها الى اسبوعية.
وشجع السادات إصدار مجلة "التصوف الاسلامي" عام 1979 وخصها بمقال افتتاحي في عددها الاول. كما ارسل خطاباً الى الشيخ محمد محمود سطوحي رئيس مجلس ادارة المجلة نشرته في العدد التالي عبر فيه عن تقديره للجهد الذي بذل في تحرير المجلة، كما أكد "أن صدور مجلة التصوف الاسلامي في هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ نضالنا القومي، يسد فراغاً ثقافياً ويمدنا بغذاء روحي ونحن نبني مجتمعنا الجديد على دعائم قوية الاركان من العلم والايمان".
وشجع السادات ايضاً اعادة اصدار صحف التيار الاسلامي غير الرسمية ومنها مجلة "الاعتصام" التي بدت بالصدور عام 1939 عن الجمعية الشرعية، وظلت المجلة تصدر حتى قيام ثورة 23 تموز يوليو. وبعدها اخذت تتعثر في الصدور.
وفي عصر السادات حدث تطور جذري في شخصية المجلة شكلاً ومضموناً فزاد عدد صفحاتها وبدأت تنتظم في الصدور، ثم ادخلت الطباعة الاوفست والالوان.
ولعب الكتاب دوراً مهماً في نشر ظاهرة التطرف في مصر، ويتصل بذلك ما اشارت اليه الاقوال المسجلة لأعداد غير قليلة من المتشددين الدينيين الذين شاركوا لاحقاً في عمليات عنف وذكروا انهم لم يجدوا صعوبة في الحصول على الكتب الدينية التي تتماشى مع افكارهم او تخدمها على المدى الطويل، على رغم أن بعضها قد لا يكون بالضرورة مماثلاً لافكارهم، كما لوحظ ان اقبال المتشددين تركز على مؤلفات ابو الاعلى المودودي وابن تيمية وسيد قطب.
وشهدت سوق الكتب في مصر خلال السبعينات طوفاناً من المؤلفات الدينية التي شكلت ما يشبه البنية الاساسية للافكار المتطرفة التي صاغها بعض قادة الجماعات المتشددة في مؤلفاتهم الخاصة، وكان الكثير من هذه الكتب يطبع في مصر وبعضها يأتي من الخارج، اما المؤلفات التي لم يكن مسموحاً بطبعها في الداخل او استيرادها من الخارج فقد تولت الجماعات المتشددة طبعها وتوزيعها سراً في بعض الاحيان وعلنا في أكثر الاحيان، وعلى سبيل المثال فإن كتاب "معالم على الطريق" لسيد قطب طبعه طلاب كلية الهندسة في جامعة المنيا في اوراق متفرقة، ثم جمعوها بعد ذلك في كتاب واعيد طبع الكتاب في دمشق ثم بيروت، وعن طريقهما وصل الى القاهرة، ثم طبع بعد ذلك في القاهرة من دون اعتراض.
ومنذ منتصف السبعينات بدأ عدد من دور النشر المصرية ترجمة ونشر معظم مؤلفات ابو الاعلى المودودي، فنشرت له "دار المختار الاسلامي" كتب: "الحكومة الاسلامية"، و"الاسلام والمدنية الحديثة"، و"الذبائح"، ونشرت له "دار الانصار" كتب: "مبادئ الاسلام"، و"تذكرة دعاة الاسلام"، و"دور الطلبة في بناء مستقبل العالم الاسلامي"، ونشرت له "دار الاعتصام" كتب: "الجهاد في سبيل الله"، و"تفسير سورة النور"، ونشرت له "دار التراث" كتب: "الاسلام اليوم"، و"الحجاب".
وإذا كان المتشددون اعتمدوا في البداية على كتابات ابن تيمية والمودودي وسيد قطب وبعض اقطاب "الاخوان المسلمين" إلا انهم سرعان ما بدأوا في صياغة افكارهم الخاصة، وظهرت على التوالي مجموعة من المؤلفات لاقطاب الجماعات المتشددة، واتخذت معظم هذه المؤلفات شكل "الرسائل" و"الكتيبات" طبع بعضها ونسخ بعضها الآخر بخط اليد او صورت بالمئات، وبدأ الاعتماد عليها بشكل اساسي في الدعوة.
ولشكرى مصطفى عدد من المؤلفات أو "الرسائل" التي تعرض فكر جماعته واهمها كتاب "الخلافة" ويتكون من ستة اجزاء، كتب كل جزء منها في كراسة مستقلة، كذلك شارك بعض قادة جماعة "التكفير والهجرة" في وضع عدد من المؤلفات مثل "كتاب الاسماء" وكتب "الشرك" و"التبيين" و"مغفرة الصغائر" و"الاصرار على الذنوب" و"التأويلات والتوسمات" وغيرها.
هذه الكتب أو الرسائل لم يكن يسمح بتوزيع بعضها على عامة المسلمين، وانما تقتصر على الخاصة من اعضاء التنظيم، يدرسها دعاة التنظيم للاعضاء، ثم تعمم على عامة المسلمين بالتلقين شفاهة.
لكن كل ذلك لم يكن ليطمئن الاسلاميين في مختلف توجهاتهم، وظلوا على اقتناع بأن السادات يستخدمهم والدولة تطبّق اجراءات شكلية من دون الاهتمام بجوهر القضية الاسلامية.
وسادت فترة اضطرابات منذ 1978 حتى نهاية حكم السادات عام 1981 فزاد انتشار الجماعات الاسلامية وبدأت في السيطرة على اتحادات الطلاب وبعض النقابات المهنية، وشرعت حركة الاسلاميين بأكملها وبمختلف اتجاهاتها تنتقد "السلام المخزي مع اليهود" بعنف.
وفي 1979، وبعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد في آذار مارس هاجم السادات في زياراته المحافظات حركة الاسلاميين، وفي حزيران يونيو أعادت السلطات تشكيل اتحاد الطلاب لانهاء سيطرتهم عليه، وفي 1980 وقعت احداث عنف بين الاقباط والجماعات والاسلاميين المتشددين في اسيوط. وفي 1981 حصلت في حزيران يونيو احداث الزاوية الحمراء ووقعت معركة طائفية، فساد التوتر المناخ السياسي ما دعا الرئيس السادات الى وقف النشاط السياسي بقرارات ايلول سبتمبر الشهيرة ومنها حظر نشاط الجماعات الاسلامية ومصادرة صحفهم واعتقال 1536 من المعارضين من كل الاتجاهات السياسية، كما اعتقل الشيخ عبدالحميد كشك الداعية الاسلامي الشهير وعزل الانبا شنودة بطريرك الاقباط وأوقف صحف المعارضة.
وفي 6 تشرين الاول اكتوبر 1981 جاء دور التحالف الذي كان أبرم بين "الجماعة الإسلامية" و"تنظيم الجهاد" حين اغتال أعضاء التنظيم حسين عباس، وعطا طايل، وعبدالحميد عبدالسلام، بزعامة الضابط خالد الاسلامبولي السادات خلال العرض العسكري والقي القبض علىهم واعدموا ومعهم منظرهم محمد عبدالسلام فرج. وعقب الحادث في 8 تشرين الاول اكتوبر هاجمت عناصر من التنظيم مديرية الامن في اسيوط وارتكبوا مذبحة كبيرة إلا انهم فشلوا في السيطرة على المدينة.
اما "الإخوان" الذين كان عدد غير قليل من عناصرهم سافروا بالفعل إلى أفغانستان بناءً على اتفاق التلمساني مع السادات، فانزعجوا من المعاملة التي تعرض لها احد قادتهم هو كمال السنانيري في السجن حين اعتقل بناء على قرارات السادات وتعرض لتعذيب شديد أدى إلى وفاته، وردد بعضهم أن السنانيري كان مهندس نشاط "الإخوان" في بيشاور وأن ما جرى معه كان نتيجة تجاوزه الخطوط الحمر التي وضعها السادات وتعهد التلمساني بعدم تجاوزها. لكن الواقعة ظلت محطة مهمة في رحلة "الأفغان العرب".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.