في بداية العقد التاسع من عمره، ما زال الروائي والكاتب الترينيدادي الأصل، البريطاني الجنسية، السير فيديادار سوراجبراساد نايبول متمسكاً بمواقفه التي أثارت ضده عواصف من الانتقادات الشديدة من جانب كتاب من العالمين الثالث والإسلامي، بسبب نظرته الكولونيالية إلى شعوب الدول المستعمَرة سابقاً، خصوصاً إلى الهند ودول الكاريبي والعالم الإسلامي. فهو على رغم كونه واحداً من أبناء المستعمرات الذين ارتحلوا إلى أحد المراكز الحضارية الغربية (لندن) وصاروا مواطنين في الدولة التي استعمرت بلادهم، يضع قناع الرجل الأبيض على وجهه ويرى بعيني المستعمِر لا المستعمَر، كما يقول فرانز فانون عن بعض أبناء المستعمرات في كتابه «جلود سوداء وأقنعة بيضاء». وهو في حوار أجرته معه مجلة «نيوريببلك» الأميركية (7 كانون الأول / ديسمبر 2012) يعلق على ثورات الربيع العربي بتشاؤم شديد، إن لم نقل إن كلامه ينضح رؤيةً عرقيةً كارهة ومزدرية للعالم الإسلامي. يقول نايبول، رداً على سؤال عن رؤيته لأحداث الربيع العربي: «لا أظن أن هناك ما يبعث على الأمل. إنه لا شيء. رأينا ما انتهى إليه الأمر في ليبيا. لقد انتهى إلى الفوضى. وسيحصل ذلك في كل مكان آخر في العالم العربي». ويضيف في موضع آخر من الحوار: «أظن أن ما حدث لا يمثل شيئاً حقيقياً. سيحدث شيءٌ ما ثمّ يتلاشى، لننتهي من حيث بدأنا... أي إلى الفوضى، وحكم الفرد. كما هو شأن العالم الإسلامي في العادة». وحين يسأله محاوره عمّا أحبه في العالم الإسلامي يجيب: «أحببت إندونيسيا عندما زرتها عام 1980. حضارة لافتة وجذّابة، وقد أحببت ناسها الذين قابلتهم هناك. لكنهم أصبحوا بعد ذلك أكثر تديّناً، أكثر انشغالاً بالإسلام، وهو ما يؤثر فيهم سلباً». يمكن تفسير هذه الرؤية الكارهة للعالم الإسلامي على خلفية نشأة نايبول. فهو من أصول هندية، ومن مواليد ترينيداد في 17 آب (أغسطس) 1932، وقد درس في كوينز كوليدج في بورت سبين في ترينيداد في الفترة الواقعة بين 1943 - 1948، كما درس في جامعة أوكسفورد في بريطانيا وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية مع درجة التفوق عام 1953، وكان قد استقر في إنكلترا منذ عام 1950. عمل نايبول بعد تخرجه محرراً في عدد من الصحف والمجلات وكذلك في هيئة الإذاعة البريطانية، كما عمل مراجعاً للكتب والروايات الصادرة حديثاً، وقام بعدد من الرحلات في جزر الهند الغربية وأميركا الجنوبية وإفريقيا والولايات المتحدة وكندا وآسيا، وخصوصاً الدول الإسلامية منها، وأنجز عن رحلاته عدداً من الكتب التي أثارت الكثير من اللغط بعد صدورها بسبب أسلوبها العنيف ضد الإسلام والمسلمين. حصل نايبول، قبل فوزه بنوبل للآداب عام 2001، على عدد كبير من الجوائز؛ ومنها جائزة سومرست موم (1961)، وجائزة سميث الأدبية (1968)، وجائزة البوكر (1971) عن روايته «في دولة حرة». وهو يعد واحداً من أكبر روائيي بريطانيا الأحياء، ويقارن عمله على الدوام بروائي مهاجر آخر إلى إنكلترا هو جوزيف كونراد بسبب تركيز أعمالهما على الآثار الغائرة التي تركها الاستعمار في حيوات البلدان المستعمرة وأهلها من الأفارقة والآسيويين ودول الكاريبي. إن حياة أهالي ترينيداد، بعمالها وفلاحيها وتجارها الصغار وسياسييها المحليين، هي موضوع رواياته: «المُدلّك الغامض» (1957)، و «صلاة إلفيرا» (1958)، و «شارع ميغيل» (1959)، حيث يصف نايبول هذا العالم المعقد من العيش والبؤس والصراع بحدس بالغ الذكاء وحسٍّ عالٍ من المرارة. في كتابه «العبور الوسيط: انطباعات عن خمسة مجتمعات؛ بريطانيا وفرنسا وهولندا والهند الغربية وأميركا الجنوبية» (1962) يتحدث عن المزارع الكاريبية والثراء الفاحش الذي يمتلكه أصحابها، وكذلك الإهمال والسقوط الأخلاقي المروع الذي يميز حضور الدول الاستعمارية في تلك المناطق من العالم. إنه يرسم الفوضى التي تهيمن على المكان بلغة حميميّة تمتلك الكثير من الطاقة الخلاقة حيث يتعارض صوت الراوي الهادئ المثقف مع أصوات الشخصيات الكاريبية بلهجاتها اللاتينية المحلية ذات النبرة الخشنة غير المصقولة. في مقالة نشرها نايبول في ملحق «التايمز» الأدبي عام 1958 يكتب عن ترينيداد قائلاً: «إذا نظرنا إلى الأمر بسطحية فسنرى أن ترينيداد متعددة الأعراق، ذات أسلوب معقد في العيش، لكنها بالنسبة الى من يعرفها مجتمع بسيط متخلف يعيش بذاكرة استعمارية». ويكتب عام 1980: «هؤلاء الترينيداديون يعيشون حياتهم مثل الحيوانات، وهو ما أجده أمراً وضيعاً وتافهاً... يؤهلهم فقط ليكونوا موضوعاً للباحثين الأكاديميين المتعاطفين الذين يجرون دراسات عن الأقوام المتخلفة». وفي كتابيه «بين المؤمنين: رحلة إسلامية» (1981) و «أبعد من الإيمان»، ينظر إلى تاريخ الدول الإسلامية، إندونيسيا وإيران وباكستان وماليزيا، بوصفها فقدت ارتباطها بتاريخها القديم. لقد جرّدها الغزاة العرب كما يكتب من صلتها بتاريخها وربطوها بتاريخهم وديانتهم وأماكنهم المقدسة. وفي الزمان الحاضر، يرى أن الإندونيسيين فقدوا صلتهم بتاريخهم الرعوي بسبب اللقاء المدمر بين الإسلام والتكنولوجيا المعاصرة. أما في إيران فيرى أن استبداد الحكم الديني لا يختلف كثيراً عن استبداد حكم الشاه العلماني... روائي كبير، يعتصر في أعماله الروائية الأساسية تاريخ الكاريبي، لكنه يصر خلال العقدين الأخيرين من كتاباته على أن يردد الكليشيهات الكارهة نفسها عن الهند والكاريبي والعالم الإسلامي. لقد رضي السير نايبول أن يكون الخبير المحلي الذي يقدم للغرب الرؤية التي يرتاح لها هذا الغرب في الكتابة عن العالم الثالث، تلك الكتابة «الاستشراقية» التي تصف داء يتمثل في تخلف أبناء العالم الثالث وعدم قدرتهم على اللحاق بالحضارة الأوروبية، مهما حاولوا! كأن العلّة في العرق لا في التاريخ!