كتاب بوزياني الدارجي "القبائل الأمازيغية" يتضمن اجابة تاريخية حاولت الفرنكوفونية تجاهلها والنظر الى الجزائريين على انهم جميعاً من عرقية واحدة، وكان المركز الثقافي الفرنسي يقوم بدور بارز في ترسيخ الامازيغية. ودواسة القبلية في مشرق الأمة العربية أو في مغربها معقدة بسبب تداخل القبائل من حيث الانتماء والمنشأ، لا يتحدث المؤلف عن أسباب هذا القصور في دراسة القبلية في المغرب في المنظور نفسه الذي درست فيه عصبية أهل المشرق إذا استثنينا بعض الدراسات القليلة، ولكن في شكل مقتضب. وقد شهدت الجزائر في عقد الثمانينات نشاطاً كبيراً في نشر الكتاب العربي، ولم نكن نلحظ في معارض الكتاب مصادر غنية ولها اهتماماتها في موضوع الأمازيغ. وكان الأمر يهمني كديبلوماسي وطالب في الماجستير أن أستعين بأستاذي الدكتور موسى لقبال مؤلف كتاب "دور كتامة في تأسيس الخلافة الفاطمية" الذي يستعين به يوزباني الدارجي. لا بد من الاشارة. ان دراسة القبائل الأمازيغية بالمفهوم القبلي، يسير بها المؤلف بحذر شديد، مع انه خصص صفحات قليلة نسبياً في كتابيه - الجزء الأول والجزء الثاني - للغوص في الجذور التاريخية للأمازيغ بدءاً بالتاريخ اليوناني، ولم يكن بوسعه التمدد والاطالة في المصادر اليونانية أو الرومانية كونها محدودة العطاء ولا تهتم إلا ببعض الجوانب، أما المصادر العربية فتتصف بالشمولية وان كان بعضها القديم كُتب بأسلوب كان سائداً. الكتاب في جزئه الأول بَحَثَ الأصول الأولى للأمازيغ. أمازيغ أم بَربَر؟ والتسميات القديمة أضافت: لوبية وافري، وجميعها تقترن بعهود يونانية وفينيقية ورومانية، والجزائريون محقون في كراهيتهم للفظ "بربر"، وهي لهجة رومانية فيي نظرتها الدونية للشعوب الأخرى تتهمها بالبربرية أي بالوحشية. حتى ان أهل المشرق لم يكن لديهم تميز في اللفظ فساد لديهم لفظ بَرْبَرْ، والدكتور موسى لقبال وضع كسرة تحت حرف الباء "بِربِر" تميزاً "بَربَر" المعنى الروماني. أما المؤلف فيقول ان مصدر التسمية هو الكلمة اليونانية "فارفاروس"، وهي تعني اللغط وتداخل الأصوات في الكلام. هنا نسأل: لماذا أخذ عرب المشارقة لفظ بَربَر وثبتوه في تواريخهم وقد أكد المؤرخون على استمرارية الحضارات القديمة في وصف حضارة الأغالبة انها وريثة للحضارات السابقة على عهدها. انتفعت بما أحدثه الرومان من سُبل وجهازات للري من دون أن نغفل ثلاث ديانات كانت سائدة هي المسيحية والموسوية والوثنية التي لم تشكل حاجزاً في وجه الإسلام. والبَربَر اتصفوا بصفاء الفطرة ورأوا في الإسلام دين الفطرة. أما ثوراتهم فيعللها الشيخ "مبارك الميلي" انها كانت من أجل الحرية، وباحثون آخرون رأوا سببها في التعصب القومي عند الأمويين العرب. لذلك تأتي اجابة الجزائري من العرب أو الأمازيغ: أنا جزائري. حتى لا يعيد التاريخ سيرتهم المأسوية. والمؤلف بوزياني أراد ان يخرج من هذا المأزق وهو يفتش ويبحث في أصول الأمازيغ فيردهم الى أهل العروبة، كان ذلك - هو الصح - لو وقفنا عند مقولة "بَربَر". فهم والعرب من آرومة واحدة ينتسبون الى ولد كنعان بن حام. ويأتي بشواهد كثيرة ليدلل على صحة نسب الأمازيغ، سواء كانوا من قحطان أو أنهم من الذين خرجوا من جزيرة العرب. انما اختلفوا في جهة مصدر القدوم من الشام أم من اليمن وهنا يقول المؤلف يبدو ان أسباب هذا الخلاف تكمن خلفه التأثيرات المنبعثة عن العصبية القبلية، التي تجلت في قطبيها: اليمني والمضري. وفي حواره مع المصادر والمراجع التاريخية يخص ابن خلدون في أكثر من موضع، ويتهمه بالخلط والتناقض والبلبلة عندما يذكر نسب الأمازيغ تارة الى كنعان بن نوح، أو الى العماليق. ثم يعود وينكر هذا الطرح. لكن المؤلف يتسائل بعد ذلك عن هؤلاء البربر الأمازيغ، وهم بالتأكيد من أهل البلاد الأصليين، وان كانت قد وصلت اليهم جموع مهاجرة، وانهم سكان قدماء جداً في هذه الديار امتزجوا بأجناس كثيرة، وبهذا لا يمكن - بشكل قطعي - تكذيب الأقوال التي مفادها ان هجرات بشرية أتت من الشام أو من اليمن. وهذا يؤكد انهم - الأمازيغ - من سلالات مختلفة وأجناس متباينة - من عرب وقفصيين "الإنسان التونسي" وسودانيين - ومع مرور الزمن ازدادت هذه التشكيلة تعقيداً من دون أن تلقى اهتماماً من المؤرخين. يبقى أن نسأل: هل لهذه الأقوام لغة خاصة بها؟ في رؤيا المؤلف كان لها لغة بأبجدية "تيفيناغ أو تيفنغ" التي هي من أبجدية لوبية القديمة، وسواء كانت لوبية أو ليبيا، أو أن تكون حامية أو يافتية، والأصح انها حامية متأثرة بالسامية وتلتقي ابجديتها بالأبجدية العربية في كثير من الأحيان. وللامازيغية لهجاتها الخاصة: الزناتية، والمصمودية، والصنهاجية، وابن خلدون يرى ان اللهجة الزناتية تختلف عن باقي اللهجات، أما الخط الأمازيغي فلم يذكره ومع ذلك وبسبب من جهلهم تغلبت عليهم البداوة وهذا أسعف العرب على القول في عدم وجود كتابة خاصة بالامازيغية، والمؤلف يقول إن العرب يعترفون بأن للأفالرقة لغتهم الخاصة، لكنهم يلاحظون انهم يستعملون في كتابتها الحروف اللاتينية، وهنا عندما يستشهد بمقولات غيره فنرى الخلط واضحاً تارة لهذه اللغة حروف لاتينية وأخرى ان للأفارقة لغة مكتوبة. ومن أجل الخروج من هذا المأزق أعاد الى الرومان محو الحرف البربري حتى في الأضرحة أو من على الجدران فكيف يكون للغتهم حروف في الكتابة؟ ويخرج مرة أخرى من مأزقه باللجوء الى العرب المسلمين المتسامحين مع اللغة الامازيغية، ويشير ان ما ساعد على ذلك ان جميع او معظم الحكومات التي تعاقبت على بلادهم كانت من قبائل الأمازيغ مثل الدولة الرسمية والمدرارية وحتى الادريسية بفاس والفاطمية بأفريقيا، وليدلل على تسامح العرب المسلمين يؤكد أن اللغة الامازيغية قبل الاستعمار الفرنسي لم يحصل عليها اعتراض انما قصورها ومحدوديتها التعبيرية وعدم استخدامها في الميادين العلمية والادارية. وقد تلقت الامازيغية الخصومة نفسها التي تلقتها العربية من الفرنسيين، لكن، كيف فطن الفرنسيون الى نفخ روح الحياة في اللغة الأمازيغية بعد خروجهم من الجزائر؟ الحقيقة أن المفرنسين أو من أصحاب التيار الفرنكوفوني من الذين تخرجوا من الجامعات الفرنسية اصابتهم عمليات غسل الفكر ومسحه، وراحوا مع الفرنسيين يبحثون عن أبجدية للامازيغية. ويجيب المؤلف على السؤال المحير: لماذا لم يتطور المجتمع الامازيغي على رغم احتكاكه وجواره لمجتمعات متطورة كالفراعنة والاغريقيين والفينيقيين والرومانيين؟ فيرى ان تمسك الامازيغ بقبليتهم فرض عليهم هذا الجمود والانحطاط الحضاري، ربما هو أهم الأسباب التي تعالت من خلالها الشعوب الوافدة على الأمازيغ الذين رفضوا الاختلاط بهم، لكن، هل نقف عند حدود المساحة التي يحددها المؤلف في رد جميع الاعتبارات الى النظام القبلي الذي سيطر على العقول الأمازيغية ونحن نرى ان معظم شعوب الأرض مرت بمرحلة القبلية والعصبية القبلية وكان لها حضارات معروفة؟ قد يكون للاستعمار الطويل الذي يتحدث فيه المؤلف وتعاقبه على بلادهم مثل الاغريق والرومان والوندال والافرنج والجرمان والقوط والصقالبة. لم تمنح سكان البلاد الأصليين فرصة التحضر. وهذه أيضاً أسباب ضعيفة. كان يجب على المؤلف التحدث فيها وهو يتطرق الى العقل القبلي في جموده. أيضاً هذه الأسباب لم يؤيدها التاريخ عندما نقرأ حسين مؤنس في فجر الأندلس وهو يتحدث عن المسلمين الذين دخلوا مع طارق بن زياد الأندلس وجلهم من البربر من زناتة. وعندما توافد المسلمون الى الأندلس كان البربر اضعاف العرب وفي هذا الاقليم شيد المسلمون حضارة زاهية ما زال يفتخر بها التاريخ فكيف يكون هؤلاء الامازيغ عجمت عليهم المفاهيم الحضارية في عهود ما قبل الإسلام. إذ لا يدل نهوضهم الحضاري مع العرب على أثر العصبية القبلية في انحطاطهم الحضاري، وأعتقد أن المؤلف وغيره لم يدرسوا حقيقة تاريخ الأمازيغ لا من حيث انتسابهم لأهل العروبة ولا في طريقة تحدثهم ولهجتهم. أما المساحة الكبرى في كتاب بوزياني في جزئيه فلحديث القبائل الامازيغية زمن الإسلام... كل قبيلة، من هي، ومن أين، وأي العلماء نبغ في الفقه واللغة. سلك في ذلك مسلك المؤرخين القدماء في عملياته التصنيفية فقسّم البربر الى جذعين رئيسيين: 1 - البتر. 2 - البرانس. من البتر تفرعت قبائل اداسة ومكناسة وسمكان وبنو نفوس وترك لنا في نهاية هذا الجزء خريطة واحدة وجداول انتساب تخص هذا الجذع. ومن البرانس تفرعت قبائل: ازداجة واوزيغة وصنهاجة وتجيسة وكتامة وكزولة ولمطة ومصمودة وهكسورة وانتهى أيضاً بجداول انساب هذه القبائل وجذورها الأولى. هذه القبائل الأمازيغية من الفرعين لقيت دوراً كبيراً في تاريخ الإسلام، فما زالت أسماء قبائلهم ومدنهم في شتى أنحاء الأندلس. لكن، لم يحصل ان سجل لهم التاريخ في العهد الإسلامي حضارة من آداب وفلسفة واجتماع تخصهم وحدهم، فاللغة العربية هي التي سجلت لهم عطاءاتهم، وقل ان تجد شعراً شعبياً باللهجة الامازيغية. وفي ترجمة ابن حمادوش للدكتور أبو القاسم سعدالله نقرأ: حدد ابن حمادوش اغراض شعره في ما يلي حين قال: بنيت ديواني على الغزل والنسيب والمراثي ومدح المصطفى. "كما تناول أغراضاً أخرى كالمدح والحنين وهي طرائق شعراء الجاهلية في الجزيرة العربية. وإذا قرأنا الشعر الذي أورده المؤلف البوزياني في كتابه في جزئيه فهو شعر عربي اسلامي على النهج الجاهلي والأموي والعباسي. أما الشعر وعلماء الفقه والحديث من الأمازيغ عربية خالصة في نهجها وبلاغتها والمؤلف البوزياني أورد كثيراً من الأسماء اللامعة وهو يستعرض القبائل الامازيعية من البتر والبرانس. * كاتب سوري.