الرواية هي هي والمهزلة لم تتبدل: اتحاد وتضامن في أثناء الحروب، وانشقاق وانقسام في مؤتمرات الصلح. وهذا المشهد المتواصل اينما كان تتخلّله بل تنمّيه خطب رنانة ووعود معسولة للشعوب الضعيفة أو المستضعفة التي تطمح من حيث المبدأ الى الحرية والاستقلال وتتغنّى بسلم عادل دائم، فيما الأساس، بالنسبة الى الجميع، ذاك السلام الداخلي الذي يبدأ بالذات أولاً أو انه لا يبدأ، لينطلق الى سلام الآخرين. ثم يدور دولاب الدهر دورته، وإذا بنا أمام حرب أشد هولاً وأعظم تدميراً من أختها السابقة. وإذا بآلات التدمير والخراب تعمل بفنٍّ عجيب وطريقة مدهشة، وإذا بنا نعود الى الوراء مئات السنين، وإذا كل ما بُني من مدنية في أجيال وقرون رماد عصفت به الريح. فنعود لنبني من جديد، ثم نهدم من جديد، وهكذا دواليك. وقصة الإنسانية في ذلك قصة الطفل الذي يبني بيتاً من القطع الخشبية المكعبة ثم يلذّ له ان يهدم البيت ليعود ويبنيه من جديد. ما سبب هذا يا ترى؟ أين جرثومة الإرهاب الحقيقي أو غير الحقيقي؟ العقل البشري يتقدّم ويرتقي، ولكن الروح البشرية تتأخر وتتدهور. العالم الغربي عموماً، واليوم بالذات، يفكّر كثيراً، ويكرّم العقل وتجلياته المختلفة. أما الروح فقلّما يعبأ بها أو يُعيرها اهتماماً. هذه الاكتشافات والاختراعات شبه اليومية انما هي وليدة العقل، بلا شك. ولكن آلات التدمير والخراب، وما وراءها من فِكَر مدمّرة، انما هي أيضاً وليدة العقل. العقل البشري وانتاجه الجهنمي هو جرثومة الحروب فلنتقِهِ من هذا القبيل هنا وهناك وهنالك، فعسى وعل... بيروت - د. جهاد نعمان