تعتبر قضية زيادة الاجور وربط الحد الأدنى للاجور بالحد الأدنى لمستوى المعيشة من القضايا الاقتصادية المهمة المطروحة في سورية، اذ ان الارقام تشير الى تفوق كلفة الحد الادنى للحياة عمليا على الحد الأدنى الحالي للاجور بنحو 300 في المئة. ويصل الفارق المتراكم بين الارتفاع في الاسعار والاجور منذ عام 1985 وحتى اليوم الى 200 في المئة. وجاء في دراسة ل"المركز الاقتصادي السوري" ان الانفاق على الطعام للفرد الواحد ازداد منذ عام 1985 وحتى اليوم بمقدار 567 في المئة، وفي المقابل ازداد الحد الأدنى للدخل بمعدل 342 في المئة فقط أي ان الفارق بين زيادة الاسعار وزيادة الاجور الأخيرة قفز عملياً عن حدود 200 في المئة. ويحدد "المكتب المركزي للاحصاء" و"البنك الدولي" خط الفقر بكتلة نقدية تقارب نحو 1500 ليرة سورية للفرد الواحد شهرياً، ما يعادل 30 دولاراً، وهو الحد الأدنى لتلبية متطلبات المعيشة من المواد الغذائية ويصل الحد الأدنى للاجر في سورية بعد الزيادة التي أعلنت أخيراً الى 3045 ليرة شهريا. واشارت الدراسة، التي قامت بإعدادها ميسون جزر، من "المركز" غير الحكومي، الى انه "بالاستناد الى اسعار اليوم يحتاج الفرد الواحد الى 100 ليرة كحد أدنى لتلبية متطلبات الحياة الاساسية منها 50 ليرة سورية نفقات طعام و50 ليرة نفقات اخرى، اي ما يعادل ثلاثة الاف ليرة شهريا. وباعتبار ان متوسط عدد أفراد الاسرة ستة اشخاص فإن الحد الأدنى للمعيشة هو 18 الف ليرة شهرياً". وأضافت "اذا فرضنا ان هناك شخصين يعملان في الاسرة حسب متوسط معدل الإعالة فيكون دخل تلك الأسرة نحو 6065 ليرة. ويكون نصيب الفرد الواحد من الحد الأدنى للأجر شهرياً يعادل 1011 ليرة، اي ان تكاليف الحد الأدنى للحياة تفوق عملياً الحد الأدنى للأجر الحالي بمعدل 279 في المئة تقريباً". وتشير تقارير "البنك الدولي" الى ان اكثر من 22 في المئة من السكان يعيشون عند حدود الفقر، ما يعني ان هناك "خللاً في السياسات الاقتصادية المتبعة أدى الى تدهور الحياة المعيشية للعاملين بأجر، ودفعتهم يوماً بعد يوم الى الاصطفاف عند خط الفقر أو دونه". وتعزو الدراسة سبب تدهور القيمة الحقيقية للأجور الى عوامل عدة يأتى في مقدمها: السياسة الضريبية الحالية التي يتحمل عبئها الاساسي ذوو الدخل المحدود. وتقول الباحثة: "أصبحت القوانين التي تحدد هذا الموضوع لا تمت الى المنطق والعقل بأى صلة إذ لا يزال الحد الأدنى المعفى من الضريبة نفسه منذ الخمسينات على رغم التغيير الكبير الذي طرأ على وضع الليرة السورية بالمقارنة مع العملات الاخرى. والطريف بالأمر ان ذوي الدخل المحدود يدفعون التزاماتهم الضريبية كاملة تجاه الدولة بينما يتهرب في شكل شبه كامل عدد كبير من أصحاب الدخل اللامحدود" . وترى الدراسة أن أهم نتائج تجميد الاجور هي "زيادة الفقر وتدهور مستوى المعيشة وارتفاع نسبة الاختلاسات والسرقة والجريمة"، اضافة الى "خفض الانتاج وزيادة نسبة المخازين بسبب تدهور القدرة الشرائية وانخفاض الطلب مما بات يهدد الصناعة بالكساد" . ويناهز عدد العاملين في قطاع الدولة 1.5 مليون نسمة، ووفقا لمعدل الإعالة تشكل أسر هؤلاء العمال نحو ستة ملايين نسمة، اي ما يعادل نحو 40 في المئة من مجموع سكان البلد. وتقول جزر: "فرضنا ان عدد العاملين في القطاع الخاص يشكل النسبة نفسها تقريباً، فذلك يعني ان هناك 80 في المئة من السكان هم من أصحاب الدخل المحدود، في حين ان البقية البالغة 20 في المئة هم من اصحاب رؤوس الاموال ويحصلون على الحصة الاكبر من الدخل القومي على شكل أرباح". وتشير ارقام وزارة المال الى ان 60 في المئة من الناتج المحلي معفى من الضرائب في حين تخصم ضريبة الدخل مسبقاً من رواتب الموظفين علماً ان الحد الأدنى من الضريبة لا يزال 100 ليرة سورية فقط. وذكرت الدراسة ان حسابات الدخل القومي لعام 1997 تعادل 485 بليون ليرة سورية، بعد حذف الدخول المتكررة. ويتوزع هذا الدخل الى 170 بليون ليرة كتلة الاجور و 315 بليون ليرة كتلة ارباح، ما يعني ان كتلة الارباح تعادل 184 في المئة من كتلة الأجور وهذا يعني انعدام العدالة في توزيع الدخل القومي لصالح الأرباح أي لصالح الفئة القليلة من أصحاب الثروات وذلك على حساب الشريحة الواسعة من أصحاب الدخل المحدود. كما تشير حسابات الدخل القومي الى ان زيادات الارباح خلال السنوات الخمس الماضية بلغت 125 بليون ليرة سورية وبمعدل وسطي للزيادة السنوية بمقدار 25 بليون ليرة، بينما الاجور في ثبات نسبي منذ عام 1994 وفي تراجع حقيقي بنسبة 12 في المئة سنوياً، وذلك قياسا على ارتفاع الاسعار وانخفاض القدرة الشرائية.