لم تتضمن اعتمادات الموازنة السورية للسنة الجارية، التي اقرتها الحكومة ويناقشها البرلمان حالياً، زيادة في الرواتب والاجور لتحسين المستوى المعاشي للعاملين في الدولة الذين يشكلون مع عائلاتهم حوالى 40 في المئة من عدد السكان، ما اعتبره الكثير من المواطنين مخيباً للآمال لاسيما في ظل الاهتمام الذي اولاه المواطنون لتشكيل هذه الحكومة. وعلى رغم انه يحسب للحكومة الجديدة برئاسة الدكتور محمد مصطفى ميرو الكثير من الانجازات التي حققتها في مجال الاصلاح والتغيير الاقتصادي خلال فترة زمنية قصيرة، الامر الذي رفع سقف التفاؤل لدى المواطنين، الا ان صدور الموازنة دون اي زيادة في الرواتب والاجور اعتبر من قبل الكثير من العمال ورجال الاعمال والاقتصاديين انه سيؤدي الى "رض نفسي لدى المواطنين لايساعد على الخروج من الركود الاقتصادي الذي تعانيه البلاد في السنوات الاخيرة"، مع الاخذ بعين الاعتبار ان الاجور لم يطرأ عليها اي تغيير منذ عام 1994 وان نسبة الحاصلين على اجور تعادل اقل من مئة دولار اميركي شهرياً تبلغ 52 في المئة من القوى العاملة. ويطالب هؤلاء بضرورة اعادة النظر جدياً بسياسة الأجور القائمة لمعالجة واقع الركود الاقتصادي ومنعكساته وتأمين التنمية المتوازنة المستمرة. وحجتهم في ذلك انه طالما اعتمادات الموازنة زادت بصورة فعلية على موازنة العام الماضي بمبلغ 90 بليون ليرة الدولار يساوي 50 ليرة فان زيادة الاجور بنسبة 50 في المئة مثلاً لا تستهلك من الموازنة سوى 16 بليون ليرة و"هي بذلك تساهم في تجاوز جزء كبير من الضائقة المالية التي تعاني منها اغلب الاسر في سورية وتحقق طلباً جديداً في السوق الداخلية وتساهم في تنشيط العمل الاقتصادي". ودعا هؤلاء الى "فرض ضرائب حقيقية على الثروات الكبيرة والحد من التهرب الضريبي واعادة النظر بالاعفاءات الضريبية غير المبررة اقتصادياً". يشار الى ان الكتل الاساسية في الموازنة تمحورت حول الدفاع والتعليم والصحة في حين لم يتجاوز نصيب الوزارات الاخرى 15 في المئة من اعتمادات الموازنة التي بلغت 275.4 بليون ليرة مقابل 255.3 بليون ليرة في العام الماضي، بزيادة نسبتها 7.87 في المئة. وتقدر حاجة سورية من الاموال لتأمين عمل للداخلين الى سوق العمل للمرة الاولى بنحو 400 بليون ليرة والى اكثر من بليون ليرة سنوياً للمحافظة على المستوى الحالي من الخدمات الصحية المقدمة و196 بليون ليرة للتعليم، علماً ان معدل النمو السكاني في سورية يبلغ 3.3 في المئة سنوياً. ويرجح الخبراء ان يتضاعف عدد سكان سورية خلال 20 سنة. وفيما اكد وزير المال السوري الدكتور محمد خالد المهايني "ان الدولة ليست النافذة الوحيدة لفرص العمل التي تمتص جميع العاطلين عن العمل فهناك القطاع الخاص والمشاريع الاستثمارية والصناعية"، اعتبر نقيب الصحافيين في سورية الدكتور صابر فلحوط الرقم الذي ورد في الموازنة في شأن فرص العمل الجديدة "اقل من الطموح في الشارع الشعبي الذي تضخ اليه الجامعات والمعاهد والمدارس عشرات الالاف سنويا ً، وان امتصاص البطالة يحتاج الى حقول اوسع لمواجهتها". وطالب النائب عبدالوهاب رشواني الحكومة "العمل السريع لوضع خطة عمل متكاملة متدرجة لعقلنة الحياة الاقتصادية". وحض على "وضع حد لتراجع مستوى المعيشة واعادة النظر جذرياً بالسياسة الاجرية القائمة باعتبارها الحلقة الرئيسية والقاطرة الدافعة والمدخل الاساسي لحل مشكلة الركود". وحسب احدى الدراسات تراجعت القيمة الشرائية للاجور بمقدار 12 في المئة سنوياً منذ آخر زيادة شهدتها والتي مضى عليها ستة اعوام. لذلك يطالب العاملون واسرهم، وهم غالبية المجتمع، بزيادة مناسبة للاجور ومن مصادر تمويل حقيقية وليست من مصادر تمويل تضخمية، كما كان يحدث مسبقاً من خلال زيادات الاسعار. واكد رشواني "ان المصادر الحقيقية موجودة ويمكن توفيرها من خلال اعادة النظر بآلية توزيع الدخل الوطني بين الاجور والارباح التي تعاني من خلل كبير". واستناداً لحسابات الدخل الوطني فان كتلة الارباح لعام 1997 حققت مامقداره 315 بليون ليرة سورية، اما كتلة الاجور فهي 170 بليون ليرة سورية، اي ان نسبة الارباح اعلى 184 في المئة من الاجور. واوضح رشواني "ان هذا يعني ان 80 في المئة من السكان يحصلون على دخل اقل بكثير من دخل شريحة لايتجاوز عددها 10 في المئة من السكان اي ان دخل الفرد من هذه الشريحة يعادل دخل عشرة الاف مواطن من الشرائح الاخرى". واضاف: "ومع ثبات الاجور الرسمية وتراجعها الفعلي بنسبة 12 في المئة سنوياً فان هذا التراجع في القيم الحقيقية يعني نحو 25 بليون ليرة سنوياً تذهب لكفة الارباح اضافة لحصتها المتضخمة نتيجة للسياسات المالية والسعرية وسياسة تحرير التجارة سيئة الصيت". وفي هذا الخصوص تعود الى الواجهة المطالبة باعادة النظر بالسياسة الضريبية على انها "ضرورة راهنة من اجل اعادة توزيع عادل للدخل الوطني". ففي الوقت الذي تخصم فيه وزارة المال ضريبة الدخل مسبقاً من رواتب العاملين باجر فان نحو 60 في المئة من الناتج المحلي معفى من الضرائب والرسوم. ويرى اقتصاديون ان في حال وضع حد للتهرب الضريبي وفرض ضرائب على الثروات الكبيرة "سنوجد الارضية المناسبة لتنشيط الاقتصاد الوطني".