الشعوب دائماً "تقاوم بالحيلة"، والمعارضات "تهمس من وراء ظهر الحاكم"، كما رأى الأميركي جيمس سكوت في كتاب خصصه لهذا الغرض. والكوبيون، بحبّهم الحياة والرقص والموسيقى والخفّة، من أكثر الشعوب لجوءاً إلى الحيلة والهمس. والنكتة بيت الحيلة والهمس الكوبيين. فاللاتيني الذي في تكوينهم ساخر، والكاريبي أشد سخرية. وأبعد من هذا ان نظامهم انقضى عليه 42 عاماً، فيما زعيمهم فيديل كاسترو صار عمره 74 سنة ولا يكفّ عن الظهور في مظهر شاب عشريني مستقبله أمامه. كل هذا يمكن تحويله مادةً للضحك والإضحاك ولو صُبغا باللون الأسود. ويبلغ الأسود أقصاه حين يستعرض الكوبي مفارقات حياته الراهنة: في 1959 قضي على حكم باتيستا بصفته فاسداً يقوم على السياحة والدولار والتبعية لأميركا. واليوم يتسم الحكم بالفساد فيما السياحة المصدر الأساسي للدخل والدولارُ يفتح الأبواب جميعاً. وبعد أن كانت ميامي مصدر غزوة "خليج الخنازير" في 1961، صارت هي نفسها مصدر العملة الخضراء التي تحمل "الخلاص". وبعد النوم طويلاً في انتظار ثالوث الكرامة والوطنية والاشتراكية، ينبلج الصبح عن بيع الهوى وأحطّ أنواع الرأسمالية. وفي مقابل الالحاح على المساواة بإيقاع أخلاقي رتيب، صار التفاوت أخلاق الأمة، ينمو بإيقاع صاروخي. في كوبا - المفارقات هذه تقوم النكتة مقام التلخيص لمرحلة أو الإعلان عن موقف. فزمن التحالف الوثيق مع "الشقيق" السوفياتي صيغ في دعابة تقول إن رائدي فضاء روسياً وكوبياً شحّت بهما المؤونة في الفضاء الخارجي، فقال الأول للثاني: "نقتسم كل ما لدينا قسمة أشقاء" ليجيبه الكوبي: "لا لا يا رفيق، فلنقتسم ما تبقى بنسبة خمسين في المئة مقابل خمسين". وإبّان خطف الطائرات وتصاعد الارهاب اليساري المدعوم من هافانا، قيل إن أميركياً كانت تتجه به الطائرة من نيويورك إلى لوس انجليس، فحمل مسدسه وركّزه في رأس قائدها: "إتجه بنا إلى لوس انجليس". "لكننا متجهون إليها"، أجاب الطيار، "فلماذا تفعل هذا؟". "يا عزيزي، منذ خمس سنوات أستقلّها قاصداً لوس انجليس فتنتهي بي في هافانا". وإذا قضت التوريات والكنايات باستخدام صدّام أو فرانكو فيما المقصود كاسترو، بقي الأخير موضوع سيل لا ينضب من النكات. فهو، بحسب إحداها، يعتذر من الجمهور في الساعة الرابعة من خطابه كي يذهب إلى بيت الخلاء، على أن يُكمل لاحقاً. أما قناتاه التلفزيونيتان فواحدةٌ تبثّ خطبه والثانية تأمر من ينتقل إليها بأن يعود إلى الأولى. وللنكات، على ما يبدو، قدرة هائلة على الانتقال من دولة مستبدة إلى أخرى مهما بعدت بينهما المسافة. واذكر انني سمعت عن بلد عربي دعابة سمعتها هي نفسها في كوبا: ذاك ان مواطناً أراد نقل دجاجته من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، فأوقفه الحاجز الأول وسأله: "ماذا تُطعم الدجاجة؟". "أُطعمها أرُزاً". "ألا تعلم أن الأرُز نادر في الأسواق". ونال المسكين عدداً من اللكمات التي جعلته يقول للحاجز الثاني إنه يُطعمها ذرةً، فكان مصيره مشابهاً. فما أن وصل إلى أقصى الغرب، وكان قد سمّى جميع المواد الغذائية ونال عليها لكماتٍ لا تُحصى، حتى سُئل من جديد: ماذا تُطعم الدجاجة؟ في الحقيقة أعطيها بيزو وأقول لها: إشتري ما شئتِ. والبائس في كوبا، اليوم، ان البيزو لم يعد يشتري شيئاً للدجاجة.