بدأت محكمة باريس أمس النظر في قضية تعد بمثابة رواية حقيقية، بطلها وزير الخارجية السابق، أحد أشهر الوجوه السياسية الفرنسية، رولان دوما 78 سنة، وعشيقته السابقة كريستين دوفييه - جونكور، إضافة إلى الرئيس السابق لشركة النفط العملاقة "الف اكيتان" لويك لوفلوك بريجان. دوما، الذي كان أقرب أصدقاء الرئيس الراحل فرانسوا ميتران ووزيراً للخارجية في عهده فترة ست سنوات، قبل انتقاله إلى رئاسة المجلس الدستوري مطلع عهد الرئيس جاك شيراك، مثُل أمام المحكمة بتهمة الاستفادة من عمولات سرية تقاضتها عشيقته من "الف اكيتان". وواكب وصول دوما إلى مقر محكمة باريس حشد من الصحافيين، وتدافع شديد على رغم مواكبة الشرطة له إلى داخل القاعة. وبدا أنيقاً كعادته، متكئاً على عصا ولم يدل بأي تصريح، شأنه شأن غيره من المتهمين في هذه القضية. وكان لوفلوك - بريجان أول من وصلوا إلى المحكمة، تبعه رجل الأعمال جيلبير ميارا، وهو أيضاً عشيق سابق لدوفييه - جونكور، وآخر الوافدين كان الرئيس السابق لفرع "الف اكيتان" في الغابون، أندريه تارالو. في قاعة المحكمة، صافح دوما ميارا ولوفلوك - بريجان وتبادل الحديث مع الأخير، لكنه لم يلتفت إلى دوفييه - جونكور التي جلست في الجانب الآخر من المكان المخصص للمتهمين. وتبدأ المحاكمة في ظل غياب أبرز المتهمين في القضية، المدير السابق ل"الف اكيتان" الفرد سيرفان، الذي فر إلى الفيليبين منذ كشفت فضيحة العمولات. ويواجه دوما تهمتين أساسيتين، إحداهما أنه استخدم نفوذه كوزير، للضغط على الشركة النفطية ورئيسها لوفلوك - بريجان، من أجل توظيف عشيقته دوفييه - جونكور، ودفع 17 مليون فرنك من حساب الشركة ثمناً لشقة اشترتها في شارع ليل في باريس. أما التهمة الثانية، فهي أن دوما استفاد عبر عشيقته من المبالغ التي كانت تنفقها من حساب الشركة، والهدايا التي كانت تقدمها إليه، وضمنها حذاء من نوع "برلوتي" قيمته 11 ألف فرنك. وكانت دوفييه - جونكور التي اعتقلت فترة ستة شهور، كشفت في كتاب أصدرته لدى خروجها من السجن، حمل عنوان "عاهرة الجمهورية"، أنها حصلت على 66 مليون فرنك 4.9 مليون دولار عمولة من شركة "الف" لإقناع دوما بالموافقة على بيع شركة "طومسون" الحكومية ست فرقاطات حربية إلى تايوان. وأثارت هذه الصفقة جدلاً في فرنسا عام 1991، وكان دوما يعارض بيع الفرقاطات لتفادي استياء الصين. معروف أنه ارغِم عام 1999 على التنحي من منصبه كرئيس للمجلس الدستوري، أعلى هيئة قضائية في فرنسا، وذلك نتيجة الاتهام الذي وجه إليه. أما لوفلوك - بريجان فكان أمضى بضعة أشهر في السجن، وبعد خروجه منه عاد لمزاولة عمله. وكانت "الحياة" التقته الأسبوع الماضي في فيينا، على هامش مؤتمر "أوبك"، حيث كان يجري اتصالات برجال أعمال في القطاع النفطي. وطالب محامي دوما أمس بإحالة موكله على المحكمة العليا للجمهورية، لأنه يُحاكم بتهمة وجهت إليه خلال وجوده في السلطة، لكن هذا الطلب رفض مرات. وقال المحامي إن المحاكمة ينبغي أن تركز على العمولة المتعلقة بالفرقاطات، ورفع السرية المفروضة على هذه الصفقة، وليس على تهمة الاستفادة من الأموال التي تقاضتها دوفييه - جونكور. ويواجه دوما، في حال ادانته، عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى ست سنوات، وهو كان اعتبر وزير خارجية بارعاً بذكائه وثقافته. وأدلت زوجته السابقة آن - ماري دوما، بحديث نشرته مجلة "ايل" النسائية، دافعت فيه عن دوما بشدة، وانتقدت الذين يريدون الاساءة إليه. ولدى سؤالها هل أزعجتها قضية عشيقته، أجابت أنها لا تفكر في هذه المسألة، بل تتألم من أي اساءة توجه إلى زوجها السابق، وهو أب لثلاثة أبناء وجد.