نشرت صحيفة "لوكانار انشينيه" النقدية، الساخرة في عددها أمس، رسماً كاريكاتورياً يظهر فيه الرئيس جاك شيراك مستقبلاً رئيس المجلس الدستوري وزير الخارجية السابق رولان دوما، وأرفق الرسم بتعليق منسوب للرئيس إلفرنسي يقول: "لا تدعوني أرى حذاءه". فحذاء دوما الذي بلغ ثمنه 11 ألف فرنك فرنسي عام 1991 حديث الساعة في باريس، منذ كشف أن صديقته كريستين دوفيي - جونكور اشترته له بواسطة بطاقة مصرفية عائدة الى شركة النفط إلفرنسية "إلف اكيتان"، حيث كانت تتولى العلاقات العامة. وتحوّل الحذاء الى فضيحة، في اطار التحقيقات التي تقوم بها القاضيتان إلفرنسيتان ايفا جولي ولورانس فيشنتسكي في شأن حصول دوفيي - جونكور على عمولات في اطار صفقة كانت تعد لها شركة "طومسون" الفرنسية عام 1990 وتقضي ببيع تايوان ست فرقاطات سعر الواحدة منها 2.7 بليون فرنك. وكان دوما عارض آنذاك، وكان يشغل منصب وزير الخارجية، الصفقة بهدف تجنيب العلاقات الفرنسية - الصينية أي اساءة. وتفيد المعلومات المتوافرة لدى القضاء إلفرنسي أنه في ضوء الصداقة التي تربط دوما بدوفيي - جونكور، طلبت منها شركة "إلف" العمل على إقناعه بتغيير موقفه من الصفقة. وتنطلق القاضيتان جولي وفيشنتسكي من المعلومات للتركيز على دوما الذي يعتبر أحد أبرز وجوه السياسة إلفرنسية، ويتولى بحكم ترؤسه للمجلس الدستوي خامس أرفع منصب في الجمهورية إلفرنسية، الى جانب كونه رفيق العمر للرئيس الراحل فرنسوا ميتران، وذلك للوقوف على حقيقة دوره في هذه القضية. وساعد في توريط دوما وزج اسمه في القضية، كون التحقيق الذي أخضعت له دوفيي - جونكور في 8 كانون الثاني يناير الماضي، توصل الى استنتاج مفاده انها حصلت على عمولة بقيمة 45 مليون فرنك لقاء محاولتها التأثير على الوزير السابق في صفقة إلفرقاطات وحمله على عدم معارضتها. كذلك تبين بعد التدقيق في حسابات دوفيي - جونكور انها اشترت الحذاء الشهير، من أحد أفخم محلات الأحذية في باريس ويدعى "برلوتي" بواسطة البطاقة المصرفية العائدة الى "إلف". الثمن الجديد للحذاء الذي يصنع بعد أخذ مقاسات قدمي الزبون ويسلم بعد أشهر عدة هو 13500 فرنك على الأقل. ودهمت الشرطة القضائية أخيراً ممتلكات دوما، بدءاً بمنزله ومكتبه الملاصق للمنزل الذي كان يقيم فيه ميتران، وصولاً الى منزله في مدينة بوردو. وسبق عمليات الدهم التدقيق في حسابات دوما المصرفية في فرع لپ"لوكريديه ليونيه" وأظهر ذلك وجود ايداعات نقدية متعددة وصلت قيمتها بين عامي 1991 و1995 الى 10 ملايين فرنك. وتسعى القاضيتان اللتان استدعتا دوما الى التحقيق في 18 آذار مارس الجاري الى معرفة ما اذا كانت الايداعات التي أدخلت حسابه على صلة بالعمولة الخاصة بصفقة إلفرقاطات، أم أنها مثلما صرّح ناتجة عن بيع تحف فنية لكل من الرسامين جياكوميتي وبيكاسو اللذين كان دوما محامي ورثتهما. أما بالنسبة الى الحذاء فقد اعترف دوما بأنه طلب من دوفيي - جونكور شراءه له، لكنه سدّد ثمنه لاحقاً ولم يكن يعلم انها دفعت ثمنه، ببطاقة "إلف". وطلب دوما لقاء الرئيس جاك شيراك الذي استقبله مساء الجمعة الماضي. وقال في حديث الى صحيفة "لوفيغارو" أنه يتعرض لحملة تستهدف تدمير إرث عهد ميتران. وأضاف دوما وهو من أهم المحامين في فرنسا في حديثه أنه يدرك أن صفقة تايوان أدّت الى دفع عمولات بقيمة 500 مليون دولار لأشخاص دونت أسماؤهم في وثائق، بموافقة وزارة المال إلفرنسية، وأن لا علاقة له بها. ونفى أي علم له بالعمولات التي كانت تحصل عليها صديقته، وأقرّ بأنه كان يلتقي مراراً بصفته وزيراً للخارجية رئيس شركة "إلف" لويك لوفلوك - بريجان. ويذكر ان لوفلوك - بريجان كان صديقاً قريباً جداً من ميتران وتمكّن في تلك إلفترة من التأثير عليه وعلى دوما للحؤول دون اعطاء الموافقة لشركة "توتال" النفطية إلفرنسية المنافسة لپ"إلف" لبيع قسم من شبكات توزيعها في اوروبا للسعودية مما أثّر سلبا وقتئذ على العلاقات إلفرنسية - السعودية. وخلال التحقيق الذي أخضع له لوفلوك - بريجان أول من أمس، قال أن ميتران كان مطّلعاً على العمولات التي دفعتها "إلف" الى أشخاص لم يكشف أسماءهم. وسألت "الحياة" عدداً من الأوساط التي عملت مع دوما والتي كانت تعرف دوفيي - جونكور التي رافقته في بعض الرحلات الرسمية الى الصين والى غيرها من الدول، فقالت هذه الأوساط أنها تتذكر أن دوما كان يعارض هذه الصفقة فيما كانت رئيسة الوزراء في حينه اديت كريسون ووزير الدفاع بيار جوكس يدافعان عنها باعتبارها جيدة ل "طومسون". في غضون ذلك، خضع دوما، لجراحة وصفت بأنها دقيقة في ساقه، في أحد مستشفيات مدينة بوردو، ما أثار تساؤلات عما اذا كان سيمثل امام القضاء في الموعد المحدّد لذلك في 18 اذار مارس الجاري.